بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم 

( قصـــة قصيـــرة )

الهــروب مــن جحيــم الخيـــام  !!

النظرات شاردة في الآفاق .. والدموع تفقد السيطرة لتسيل في عجالة فوق خدود غضة ناعمة .. وتتساقط في اضطراب مبهم .. حيث تبلل الملابس تارة وتبلل الأرض تارة أخرى .. وذلك المنديل يفقد الأثر في كف متخاذل لا يقدر أن يجاري نوازل الدموع .. فيا عجباَ من شدة الضائقة والأهوال !! .. والمسكن أصبح تلك الخيام المكتظة بصنوف البشر .. أنفس رخيصة تتلاصق في مساحات بخيلة .. ووفرة الأجساد في المكان تجعل الأجساد بغير قيمة .. تلك المساحات المتاحة بمقدار القبور .. والأقدام حين تجتهد لتتمدد لا تجد موضعاَ بذلك القدر المريح .. حيث الأولوية لأقدام أخرى تتبادل المد والجزر .. وفي زحمة الخيام تتدنى قيمة الأجساد .. وهي مجبورة مرغمة تتقارب في الأبعاد .. ثم اليأس والقنوط الذي يفقدها أولويات الحرص والحشمة والخصوصية والكرامة .. فهي تلك المساحات الضيقة التي لا تسمح بفرض الأخلاقيات .. وهنالك في تلك الخنادق المكتظة بالبشر يرخص مقدار الإنسان مهما كان له شأن في السابق .. جلست المناضلة حزينة .. وكانت تحس بالهوان وقلة المعيار .. ففي تلك الخيام تشتكي الأنفس من مرارة المآل .. نسيت غرور الماضي كما نسيت مناسك الكبرياء .. كانت ناشطة سياسية مرموقة الصيت .. أفنت جل حياتها في المناوشات السياسية .. تحارب النظم وتحارب الحكومات والسلطات .. ثم تحث الشعوب على التمرد والانتفاضات .. وقد أخطأت في تقدير العواقب .. حيث كانت تتوهم في تلك النظريات الاجتهادية للبسطاء من كتاب القرن الحادي والعشرين .. كما كانت تهتدي بالأفكار الحديثة لبعض فلاسفة البشر .. تلك النظريات العقيمة التي تجهل وتتجاهل التبعات .. كانت تأخذ الأمور والقضايا بمنتهى الضحالة في التفكير .. تفتقر ذلك التعمق في الأمور بالدراسات والتمحيص .. فكان همها الأول والأخير هو تحريض الناس بالخروج على طاعة أولياء الأمور .. تجهل في ذلك أن إزالة العروش قيمة باهظة التكاليف لمن يعي الحقيقة .. ولا يعرف مقدارها إلا عقلاء القوم .. وفي ذات يوم أجبرتها الأحداث السياسية العنيفة أن تغادر عشها في عجالة .. فركضت مع أطفالها صوب المجهول .. حينها كانت الطرقات والشوارع تعج بالخلائق الهاربة الفزعة .. كأنها حمر مستنفرة فرت من قسورة .. وفي تلك اللحظات القاسية تيقنت أن تلك الشعارات الجوفاء التي آمنت بها طوال حياتها مجرد نظريات بغير قيمة .. مجرد نزوة لشعوب وأمم تأخذها الحماسة في إشعال الحروب والفتن دون التعمق في العواقب .. والمحصلة في أغلب الأحيان أن تلك الشعوب والأمم تجلب لنفسها المهانة والويلات دون أن تقصد ذلك .. وعندها تجد مرارة الأحوال حين تكون عبئاَ على الآخرين .. حيث تقع الندامة والحسرة .. والإنسان مهما كان له من شأن فإنه يرخص ويفقد القيمة بمجرد أن بفقد العش والديار والوطن .. فهو ذلك المنبوذ الذي يدخل في خانة المعروض بكثرة .. الغير مرغوب من الآخرين .. ويتألم حين يسمع العالم من حوله يشتكي من كثرة اللاجئين والفارين من الأتون .. ثم تلك الصدقات الشحيحة من الأيدي البخيلة التي تتذمر عند العطاء .. جلست المناضلة في تلك الخيام المكتظة بأجساد البشر .. تلك الظروف المهينة المشينة للإنسان والإنسانية .. ثم بدأت تفكر في مصيرها ومصير أطفالها ومصير بلادها .. وتيقنت أنها أخطأت القراءات كثيراَ .. ثم أخذت تلوم النفس بشدة .. ما ضرها لو أنها رضيت وقنعت بالقدر المتاح رغم الإحساس بالغبن والجور ؟!.. ما ضرها لو أنها قبلت بأي سلطان أو حاكم أو قائد مهما كانت مرارات الظروف والأحوال ؟! .. ولكن تلك حسرة وندامة تأتي بعد فوات الأوان .. وأكثر الناس في هذا الوجود تخفى عليه نعمة الأحوال والاستقرار والأمن والسلامة .. فهو ينسى ويتناسى المكتسبات ليشتكي من الفواقد والنواقص !! .. ثم تلك الحماقة الشديدة التي تخلق الفوضى والاضطراب .
          فجأة قامت ووقفت لتأخذ أطفالها .. ثم قررت أن تغادر المعسكر والخيام فوراَ .. ابتعدت المسافات وهي تركض نحو ديارها ووطنها .. كانت تعلم يقيناَ أن الأحوال هنالك ليست آمنة ومطمئنة .. ولكنها كانت متيقنة في قراره نفسها أن الموت في برح الديار أفضل مليون مرة من الموت في تلك الخيام الخانقة .. وحين عادت للديار كانت الحروب ما زالت مشتعلة .. والموت يملأ الشوارع والطرقات .. والمدن بالأرجاء كانت خاوية على عروشها .. ومع ذلك كانت تحس بسعادة كبيرة وهي تقترب من مسكنها .. وتلك الفئات المتحاربة كانت توقفها من وقت لآخر لتتفقد من الهوية وتتأكد من نوع المعية .. ولكنها كانت لا تبالي كثيراَ بتلك الشكليات .. بل كان همها الأول والأخير أن تصل لعتبة دارها .. وعندما وصلت لباب الدار سجدت في الأرض لله حمدا وشكراَ .. ووجدت الفرحة تغمرها وتغمر أطفالها .. وعندها أدركت أن الإنسان أينما تواجد فوق سطح الأرض لا يكون عزيزاَ وسعيداَ إلا في أحضان الديار والوطن .. وأن الإنسان يرخص متى ما كان في ذمة الآخرين .. وحينها قررت أن لا تعاتب بعد اليوم ملكاَ ولا سلطانا ولا حاكماَ مهما كانت المساوي .. لأن لحظة أمن وأمان في عقر الديار والأهل برفقة سلطان عادل أو جائر تعادل وزن الدنيا وما عليها .

ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 199 مشاهدة
نشرت فى 27 مايو 2015 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

778,652