بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصـــة قصيــرة  )

الآبـــاء قــد يجرمــون  !!

يمتاز بتلك الشاكلة فهو محق حين يكون مغروراَ .. يملك السند ويملك العضد .. وقد ولد في ساحة السعادة .. والأيدي تمده عن اليمين وعن اليسار.. ذلك النوع من الحياة المطرفه المتطرفة .. حيث تبتسم الحياة لزمرة من الناس دون الآخرين .. تلك الزمرة التي ترضع من أثداء الحظوظ .. تتواجد في الحياة وفي فمها ملعقة من الذهب .. ولأنها زمرة لا تبكي منذ مولدها فهي لا تعرف الدموع .. وتجهل دروب الشقاء والبكاء والمعاناة .. فهي تلك النشأة السعيدة في البيئة الحرة الفالتة .. تلك البيئة الكريمة السخية التي لا تمسك ولا تبخل .. فعطاءها غير ممنوع وغير مقطوع .. وذلك النوع من العطاء والكرم عادةَ يفتقد الضوابط والكوابح .. والعلة فيها أن قلوباَ تجتاح وتحيط بالعواطف الجياشة الغير محدودة .. تلك العواطف التي تخلق من أرحامها أنفساَ غير مسئولة .. أنفساَ تسرح وتمرح كيف تشاء .. وتعربد كيف تشاء .. وهي تجاري الحياة حسب الأهواء .. دون التقيد بشروط الأعراف والآداب والتقاليد .. ولأنها عادةَ تنشأ خارج سياج الممنوع والمحظور فهي لا تعرف التوقف عند الإشارات الحمراء .. وتظن أن من حقها أن تنال ما تريد  .. متى ما تريد وكيفما تريد .. والنظرة الفاحصة تؤكد أن تلك الفئة من الناس لا تلام بوزر الآخرين ..  حيث أن العلة القاتلة تكمن في الأيدي المسئولة عنها في المقام الأول .. تلك الأيدي التي تخطأ السبيل حين تجهل أساليب التنشئة والتربية والتهذيب .. فهي تعطي دون الموازنة بالقدر الذي يتخطى الفائض ويزيد ..  ولذلك فإن العقل والمنطق يقر بأن تلك الفئة الفالتة المستهترة تستحق الشفقة أكثر من أن تستحق اللوم والعتاب .. فهي قد جبلت على الفوضى بتقصير الآخرين .. ولا تعرف في مسار حياتها غير تلك الحياة الفالتة الجارحة .. وفاقد الشيء لا يلام حين لا يعطي ..  وفي معية هذه القصة ذلك الشاب الذي تجري عليه تلك السمات .. تخطى أبواب الطفولة وبدأ يجتاز أبواب الشباب .. وكل مرحلة كان أشد ضراوة في مسميات التمرد والعصيان .. وهو ما زال في نعيم السمع والطاعة من الأهل الكرام .. لا يرفض له طلب وينال المراد بإشارات البنان .. وبيئة النشأة كانت ذلك الغطاء الذي يحجب عنه الكثير من حقائق الحياة .. فهو يجهل أن الحياة فيها جوانب أخرى غير تلك السهلة المتاحة المعربدة الفالتة .. فيها السعادة وفيها الشقاء والبكاء  .. وحاسة الجوع لديه لم تشتكي يوماَ حيث أن الشبع كان دائماَ هو سيد الأيام .. مجرد إنسان محظوظ يملك السطوة على قلوب تحيطه بالمحبة الوافرة الزائدة .. لينشأ عنيداَ لحوحاَ حين تحدثه النفس بما تريد .. ورب نافعة ضارة بذلك القدر الخطير .. فتلك السانحة العريضة من العطاء الفالت والحريات المباحة المتاحة أضرت بذلك الإنسان كثيراَ .. فقد أدمن التمرد والعصيان والإصرار على نيل المطالب .. تلك المطالب التي تمتاز بالصالح والطالح .. وكانت الطامة الكبرى حين أبت نفسه المتمردة أن تواكب مقاعد العلم والتلقي بالخضوع .. يافع متمرد رفض الإذعان لشروط المدارس فتواجد في الشوارع العامة ليتسكع .. ولم يفقد المعية من شلة التملق التي كانت تمتطي حجة الصداقة .. تلك الصداقة المرتشية بألوان المنافع .. وكان هو الرائد في ألوان البدع حين سبق الأنداد والرفاق بامتلاك السيارة الفارهة الحديثة وهو ما زال يافعاَ عند أبواب الحياة .. كان يملك الكثير في الكف ويفتقد الكثير من موجبات العقل والذهن .. يملك مهارات السفاسف وتوافه الأمور .. ويفتقد مهارات العلم والثقافة والمعرفة .
        نما الجسد لترحل سمات الطفولة البريئة .. وجاءت نفس تنادي بأولويات لم تكن في الحسبان .. وتلك هي سنة النشأة والتطور في بني الإنسان .. حين تحولت مساعي النفس من نزعات الطفولة البريئة إلى نداءات الفطرة العميقة .. وهو كالعادة عند كل مرحلة كان يتمسك بالأحقية في نيل المرام .. تلك الأفضلية في الخيار .. فهو دائماَ يريد أن ينال المقام الأول قبل الآخرين .. وكانت تصدق تلك الأمنيات في منافسات الطفولة حين تعود أن يكون له الصدر دون العالمين أو القبر .. أما هنا في عالم الكبار فتلك السانحة ليست بحسابات تقبل الرهان .. حيث عالم الكبار الأوزان فيها بالكيل والمقدار .. وحين جاءت مراحل النزعات كان يركض مثل الآخرين في العمر يبحث عن ملاطفة الجنس الآخر .. يسرح ويمرح في الساحات والأسواق .. يمتطي بساط الشقاوة لمجرد اللهو وقضاء اللحظات البريئة .. وتلك سنة تجري على الكثيرين من زمرة المراهقين والمراهقات قبل أن يرد الاتزان في السلوكيات .. مرحلة عاجلة في حياة الشباب والشابات ترحل سريعاَ لتحل محلها جدية الوقار .. وذات يوم قالت الأقدر قولها .. حين وقعت عيناه على فتاة الأحلام .. كانت في غاية الروعة والجمال .. ولأول مرة بدأت نفسه تحدثه بالاستقرار والبيت والأطفال .. تعلق القلب بها كثيراَ وأراد أن يخرج من حلقات المزح واللهو المباح لتكون الجدية في الأحوال .. فتقدم لأهلها يريدها بالحلال .. ثم تفاجأ حين علم أن الساحة تعج بالمتنافسين أولي المقدرات والمؤهلات .. وهنالك المعيار ليس بالجاه والأموال وليس بمقدرات المظاهر .. خيروها تلك الجميلة .. فقالت تريد العقل والثقافة والمؤهلات الفكرية العالية .. اختارت متقدماَ أخراَ .. ووضعته في مؤخرة المطلوبين حيث لا يملك السيرة في مجالات العلم والثقافة والفكر .. ولأنها في ذاتها تحمل تلك الثقافة والمؤهلات الراقية العالية .. ولا تريد أن تكون مجرد سلعة لمن يملك الثراء والأهواء .. وهو في رأيها لا يملك في الذهن غير الفراغ والغثاء .. تعجب من خيارها ولأول مرة بدأ يحس بمرارة الموقف .. كما أنه لأول مرة يخسر قضية هامة في مسار حياته ..  والصدمة كانت عنيفة عليه .. فاستدرك أن مسار حياته فيه الكثير والكثير من الأخطاء والخلل .. وبعد تلك الخطوة الجارحة تقدم لأخرى ثم لأخرى وهو يطلب الجمال وفي نفس الوقت يطلب أهل العقول والثقافات العالية بإصرار .. ولكن خابت المساعي كلها .. لأن المعادلات أبت أن تقبل الفروض وفيها الخلل في مقدرات الأطراف .. تلك المعادلات التي تصنفه في مصاف الجهل والجهلاء رغم كثرة الأموال والثراء .. وقدمت له الألسن نصائحاََ بأن الأمور لن تستقيم إلا إذا طابق الشن بالطبق .. فهنالك في الساحات تتواجد المقدار بالمقدار .. والدرجات بالدرجات .. والمقامات بالمقامات .. وحينها تكون عدالة المقادير مهما كانت الأوزان .. وأن الذي يطمع في أن ينال فوق المقدار فهو قد ينال ذلك المقدار .. ولكن ما زال يكمن في الأذهان مقدار النقصان .. وهو ذلك الناقوس الذي سوف يدق كلما يبرز الخلل في الميزان .. وحينها سوف يردد لسان الحال : ( يداك أوكتا وفوك نفخ ) ..  أبت نفسه أن تقبل تلك النصائح .. وأقسم أن يشتري المطلوب مهما كانت تكاليف المشوار .. ولكن كانت تخيب المساعي حين تسبق السيرة لمسامع الناس .. فعاتب الأهل على الإفراط .. ثم بدأ مشوار الحياة من نقطة الصفر .. حيث ألتحق بالمدارس الليلية وأكمل مراحل التعليم حتى الدرجات العليا .. ووجد العمر قد سافر كثيراَ عن سواحل الحياة .. ولكنه بالرغم من ذلك أكتشف أن الحياة في الماضي كانت مشوشة وكانت مقلوبة الصور .. وأنه بدأ يحس بحقائق الأمور في الحياة .. وفي النهاية قبلت به إحداهن وكان موفقاَ في الاختيار .. ثم أقسم بالله أن يراعي الحكمة في أطفاله دون أن يسرف أو يقتر بذلك القدر الفالت القاتل . 

ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 349 مشاهدة
نشرت فى 2 نوفمبر 2014 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

801,176