بسم الله الرحمن الرحيم
لا تقـــف متفرجـــاَ !!
محافل الخير تعج بها الأرض .. ولكنها كالعدم حين تكتفي بالتواجد في عرينها ولا تبالي .. وقد اختصر الصالحون بالتواجد خلف سياج الخصوصية .. يمنعون الفيض عن الآخرين .. فهؤلاء يحملون لقاح الصلاح ثم يمسكون عن التلقيح والإثمار .. تواجد بمنتهى السلبية القاتلة .. ثم هنالك العلماء والفقهاء خلف سراديب العلم يبدعون في الكثير من المجالات ويؤلفون الكتب والأسفار .. وتلك ثمار حصادهم تنوء بها الأرفف في المكتبات والأروقة دون أن تنال منها أيدي البشر .. يحملون الأفكار النيرة في كل مسارات الحياة ثم يتقوقعون في حلزونه السلبية .. والعالم من حولهم يتخبط في ظلام الجهل والاجتهاد .. يفقدون جرأة الإقحام والاقتحام كما كان يفعل علماء السلف الأولون .. حين كان العلماء يمتطون سروج التجوال ليلاحقوا جهلاء الأرض بالنور والعلم أينما رحلوا وأقاموا .. كانوا يرون أن واجب الإقدام يقع على عاتقهم في كل الأحوال .. يلاحقون الضال حتى يهتدي .. ويلاحقون المهتدي حتى يحسن الهداية .. ويلاحقون بؤر الفساد والمفسدة حتى يجففوا منابعها .. ويلاحقون منابت الفتن حتى يخمدوها عند مهدها .. ويلاحقون سيول البدعة والموبقات حتى يطهروا الساحات منها .. أما علماء وفقهاء وعباقرة اليوم فيرون أن واجب الإقدام يقع على عاتق الآخرين .. ويكتفون بالإبداع المغلف الجاهز تحت التنقيب .. ونحن في عصر قل من ينقب فيه ويبحث عن مكامن الكنوز .. لأن هذا العصر يتعامل بخصلة الوجبة الجاهزة التي تقدم فوراَ قبل الطلب وقبل الإحساس بالجوع .. تلك الخصلة التي تعني الوبال والمفسدة بكل القياسات .. فهنالك الملايين من المعلومات الغثة الركيكة المضرة التي تلاحق الناس حتى مشارف الغرف .. وهنا تقع المعادلة العجيبة فأهل الزيف والضلال يلاحقون الناس بعدة وسلاح الإفساد والفساد في كل لحظة ودقيقة .. بينما نرى أهل العلم والدراية والإصلاح يتسورون بأسوار الكبرياء والإباء !! .. والبعض منهم يتسور بأسوار التخاذل والتكاسل وقلة الهمـة .. أسواق المجتمعات اليوم تعج بكل سلع المفاسد والانحلال كما تتسم بأفسد أنواع السلوكيات دون رقيب أو حسيب .. ورواد تلك الأسواق يشكلون السلعة المتاحة لمن يكـد ويجتهد .. والعجيب الأعجب أن أهل الهوى وأهل الغايات الغير سوية يجتهدون ليلاَ ونهاراَ في اصطياد الرواد .. بينما يتقاعس العلماء أهل الصلاح والإصلاح عن ذلك الاصطياد .. ومحافل الصلاح والإصلاح تلك تماثل برك المياه العذبة الصالحة المغلقة المحاطة بالأراضي المجدبة .. فهي تبخل وتمنع بسياج السلبية أن تتدفق خيراتها للأراضي المجاورة .. وحكمتها في ذلك أنها ترى أن تأتي تلك الأراضي بنفسها لتنال ما تريد من الخيرات ! .. وتلك لعمري هي السلبية بعينها .. والفكرة ليست بمنطق ومصطلحات أهل الري والزراعة .. فالأرض لا تأتي للناس ولكن الناس تأتي إليها .. وهي لمن يجتهد عليها .. وتمثل الرحم الذي يقبل البذرة والتلقيح والسقي ولا تبحث بنفسها يوماَ عن تلك الموجبات .. وعلم العلماء ذلك الفيض المخزون في الأضابير لا يعني شيئاَ مهما كان عظيماَ في جوهره إن لم يمس حياة البشر .. ولا معنى لمعادلة العباقرة الذين يوجدون المفيد دون أن يفيدوا به أحداَ !! .. مجرد عناوين رنانة لأسماء رنانة تأخذ دورة الوجود دون أثر لها في حياة الناس !!.. تتواجد وهماَ وتنتهي وهماَ .. ذلك الحصاد النادر من الثمار التي تتقادم مع الأزمان وتفقد الأثر حيت تدفن تحت غبار الزمن .. ليأتي آخرون ينهجون نفس النهج يجتهدون وينقبون ليصلوا لنفس النتيجة التي وصل إليها الأولون .. وهكذا دواليك .. دائرة غير مجدية من الاجتهادات المضنية التي لا تقدم ولا تؤخر .. ولا تمس حياة الناس من بعيد أو قريب .. ما فائدة مراكز الأخلاق إذا تقوقعت في داخلها ولم تكن قدوة منهل للآخرين !! .. وما فائدة مسميات التربية والتهذيب إذا كانت تهذب الساحة الخاصة فقط والميادين تعج بالمفاسد بغير ذلك التهذيب ؟؟ .. وعالم اليوم مناهل الفساد فيه تحت الطلب في أية لحظة .. أما مناهل الإصلاح فذلك الجدل الذي يوجب التنقيب !! .. وقد جاء الوقت لنبذ فكرة الوقوف سلبياَ والفرجة على الأحوال .. ولا بد من اقتحام الساحات بقوة التواجد وفرض المراد الأفضل للناس .. والناس اليوم تعودت أن تنال مرادها عند الأبواب دون أن تتحرك قيد أنملة من مكانها .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش