بسم الله الرحمن الرحيم
الطـريق الـذي يفقــد النهايـة !!
هو ذلك الضمير .. في العمق ينادي .. يلح ويجادل .. جولات من التأنيب قد تلازم العمر دون كلل أو ملل .. وتلك النفس لا تبالي .. تريد وتريد وتريد .. وبإصرار تنازع حتى تنال ما تريد .. وحين ترغب تفقد الصواب لتكون ملحاحة صماء عمياء .. لا تتراجع ولا تتنازل .. بل تتمرد بعناد وتطالب بإلحاح .. ولا تسكت إلا إذا وقعت الواقعة وجرت النزوة والرغبة .. ومهما كانت نوعية الرغبة من متاح أو محظور فالنفس هي النفس .. وإذا نالت النفس لا تكتفي بالجرعة .. ولكنها كالأمعاء تعود لتجوع بعد حين .. وإذا جاعت لا تسكت حتى تشبع .. وإذا شبعت دخلت في مرحلة من الندامة والأسف .. تبكي ثم تبكي وتندم ثم تعتب وتلوم .. وحينها تقسم جازمةَ بأنها لن تعود لسابق التجربة .. ولن تنهزم في جولة أخرى .. ولكنها لا تصدق في عزمها إطلاقاَ .. بل تحير العقول حين تركب الموجة من جديد بنفس المنوال .. وبخيبة تجرب المجرب مليون مرة .. وتصر على خوض التجربة بشغف وكأنها تخوض لأول مرة .. فالأنفس أمرها عجيب وعجيب .. فهي قبل القيام بالتجربة تنسى مرارات التجربة السابقة .. وتراودها الأحلام بحلاوة تجربة جديدة .. فتقسم بأنها لم تذق طعم تلك التجربة من قبل .. وبعد التجربة تقسم بأنها لم تكره شيئاَ في الوجود مثل كراهيتها لذلك الطعم والمذاق .. ثم تتوب وتندم من جديد .. وتتحسر على قساوة التجربة وعلى مرارة الثمار .. ولكنها لا تتعظ ولا تكتفي بذلك القدر .. بل تجادل بمنوال يجلب الحيرة للعقول لتواصل وتواكب مشوار التجارب من جديد .. والمجريات تبدأ في صفحة جديدة بنفس السيرة السابقة .. وكأن التجربة الماضية لمن تكن ذات يوم .. فالنفس تريد وتلح .. ثم الضمير يخاطب وينازع .. بعدها تنال النفس ما تريد .. ثم تبكي بمرارة على قسوة الإدمان .. فنفوس البشر محيرة للألباب .. تلح حين تريد وتبكي حين تنال .. وكأن تلك النفوس تفقد ذاكرتها فجأة لتبدأ الخطوة من جديد .. فهي تنسى كلياَ مرارات وآلام التجربة السابقة !! .. ثم تحلم في حلاوة تجربة جديدة .. وفي أعماقها تعلم جيداَ أن النسخ متطابقة !! .. ومع ذلك فهي تجرب المجرب مليون مرة رغم قسوتها ومرارتها !! .. ويخال للمراقب أن تلك النفوس المدمنة تتلاشى في مرحلة عن العدم لتحل محلها نفوس بديلة !! .. صور إدمان تعني دوامة حلقات متتالية لا تعرف النهايات ولا تعرف التوقف .. أصحابها في دوائر من الجدل العقيم .. لا ينتهون ولا يتوقفون عند الإشارات الحمراء .. ولا يكتفون بملذات الإشارات الخضراء .. ولا يهابون بتحذيرات الإشارات الصفراء .. يجلدون أجسادهم بسياط الملذات والرغبات .. ثم يبكون بحرقة حين تنالهم لسعات العواقب الوخيمة .. فما هي كنهه تلك الأنفس المغلوبة على أمرها ؟؟ .. فهل هي تلك النفوس المبتلية ابتلاء المشيئة والأقدار ؟؟ .. أم هي تلك النفوس اللوامة التي تخالف ثم تلوم الذات بغير جدوى ؟؟.. أم هي تلك النفوس الغارقة في دوامة الأماني الخادعة المضطربة الكاذبة ؟؟ .. أما هي تلك النفوس العاجزة عن ملازمة الصراط المستقيم .. الفاقدة لمسالك العفة والسلامة ؟؟ .. أم هي تلك النفوس المترددة التي تلاطمها الأمواج ضعفاَ ووهناَ ثم لا تجد من يسعفها بأطواق النجاة ؟؟ .. هم أهل أسقام هالكة مهلكة يفقدون الترياق ويفقدون الشفاء .. يتسلقون السلم من البداية للنهاية ألف مرة ثم لا يكتفون .. وطوال مشوار الحياة يعقدون العزم ثم لا يلتزمون .. ولا يحدهم عن ذلك المشوار إلا الموت .. فهل يستحقون الشفقة أم يستحقون النقمة ؟؟ .. أم يستحقون ذلك الدعاء ( اللهم أشفي كل مبتل ) .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش