بسم الله الرحمن الرحيم
قصـة ليـلة في قـلب الصحـراء ؟؟..؟؟؟؟؟؟؟
العرض في ليلة خرجت عن المألوف .. الصمت فيها اكبر من نطاق المعقول .. ساحة موتى لا ينطقون .. وكأننا في كوكب غير مأهول .. والآفاق بعيدة في قلب الدجى .. لا نرى فيها إلا راجمات الشيطان من شهب في كبد السماء .. صمت يخيف ويرسل القشعريرة في الأبدان .. والأصوات تلاشت رويداً بعد أن أبت الشمس بان تجود بالمزيد .. تجرجر خلفها شفقاً يتمسك بذيلها ولا يريد الإفلات ِ.. في بداية ليلة تنذر بالمجهول .. بدايات الصمت كانت من عصافير تجمعت فوق شجرة وتزعج بثرثرة غير منطقية وتتشاجر .. ورويداً أسكتها مقدم الظلام .. ثم لحق العصافير في الصمت آخرون ِ.. تصفية في صفوف الصمت لأجناس من بشر ودواب وطيور .. فخشعت الأصوات .. واختفت معالم أصحابها في الأوكار .. والظلام يصر بان يصبغ كل المعالم بالسواد .. حتى تساوت الألوان في خلطة العتمة مقترنة بسحر الاختفاء عن العيون .. وكأن الليل يقول أنا هنا في الساحة ولا يوجد غيري في المكان .. وفي عرش الصحراء فالليل هو الملك ولا سواه ..
بآهة عميقة ألوم الخطوة التي أوجدتني في قلب الصحراء .. فأرى اللوم لا يقبل المزاح .. وحتى إذا رفعت صوتي عالياً بالنداء أجد الجن يسخر من جاهل لا يقدس الصمت ولا يحترم حرمة الليالي .. فهنا المقام بالصمت وليس بالنداء .. وكل مخلوق في عمق الصحراء يلملم أطرافه في خشية وينزوي .. وأنا بدوري احترمت سلطة الصحراء ولملمت أطرافي تحت غطاء خفيف .. وقد بدا الليل يفقد بواقي الدفء لشمس ميت .. ويرسل بدلاً عنها نسمةً باردة تعدت مسمى النسمة لتكون ريحاً وبرداً قارصاً .. وتلك ميزات يصر الليل أن يخالف بها النهار في الصحراء .. والنفس في غفلة تتمنى زاداً من طعام .. وتلك أمنية بعيدة المنال .. ويكفى فقط أن نطلب من الليل أن يسارع الخطى .. وتلك هي الأمنية الوحيدة المسموحة بها هناك .. وعجزت العين عن ملاحقة الصمت فنامت .. ثم بعد ساعات كنا هناك من جديد .. فإذا بالليل واثق الخطوة يمشي ملكاً .. ظالم الحسن شهي الكبرياء .. عبق السحر كأنفاس الربى .. وقد تقدم خطوة نحو الثلث الأخير .. ومن بعيد هناك ملامح ابن آوى وقد بدأ يقترب لناحيتنا .. ففرح القلب برفيق قد يطرد الوحشة والوحدة .. وعندما هممت لمناجاته أشار إلى بالتزام الصمت لأنه يطارد فريسةً .. فتمثلت لقراره .. ولكن الفريسة ذلك الفار الصغير كان قد علم بالكارثة فاختفى فجأة تحت الأرض .. ووقف الثعلب هناك متحسراً .. ثم التفت إلي وكأنه يقول ما الذي أتى بك في عمق الصحراء .. فقلت له تلك قصة أخرى لا يتيح المجال لسردها .. ولكني هنا في غرفة صمت أواجه فيها الوحشة والإنفراد .. فقال عجيب أمر هذا الإنسان حتى في رحب الصحراء وسعتها يجد الضيق .. فقلت له السعة والرحب لدينا في طيب النفس وليس في سعة المساحة .. فإذا طابت النفوس فتسعها المقلتين وإذا ضاقت النفوس فيضيق بها الفرقدين .. فأبتعد ولسان حاله يقول لو ابتعد الإنسان عن المعاني لوجد الدنيا توافق مـزاجه من حيث أتت .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش