بسم الله الرحمن الرحيم
هـذه الدنيـا أحسبوها قبل أن تعبروها !!!
الدنيـا .. هي دنيا المفارقات .. خطواتها ليست دائمة الخصال .. فلا تقبل لحظات معجب لتستقر له على حال .. ولا تقبل لحظات لائم فتبتعد عن حال بعد حال .. وهي خطواتها غير متاحة لرغبات كل حالم .. وغير بعيدة من منال كل يائس متشائم .. تخيب دائماً آمال من يركض خلفها .. وتغازل دائماً أحلام من يزهد فيها ويدير لها الظهر .. وهي غير ميالة لحالات الاستدامة والوفاق .. كوامنها تخالف دائماً مقاصد البشر .. تكيدهم بمكايد المشقة والعناء .. تضحك لهم عندما يبكون .. وتبكي لهم عندما يضحكون .. تركض بعيدة إذا لاحقها أحد بالتسارع .. وتتأنى عندما يعجز الراكض عن اللحاق .. هي عذبة في بعض مراحلها مثل بحيرة .. أخذت كفايتها من عطاء الحسن والجمال .. روافدها سلسبيل من صافي ينابيع الفراديس .. نقاء وجمال وصفاء لمست أرضها من أعالي السحاب .. ثراها طاهرة لم تدنس ساحاتها أقدام إنسان مالت هامته بثقل أدران .. ولم يتاح لشيطان أن يعتب أبوابها .. فكانت مرتعاً لملائكة كرام .. فإذا أعجبت الإنسان للحظات ثم أراد أن يمتلكها تحولت إلى بحيرة نفايات روافدها الدنايا ومصبات الأوهام .. تورد إليها أنهار البلايا التي تحمل شطحات إبليس وجنده بالإغراء والفتن .. سواحلها لحظات حزن نمت كالأعشاب لتؤلم الأشجان .. الذي يشبع فيها يشبع بعد يأس وقنوت .. والذي يجوع فيها يجوع بعد طمع وجشع .. علمها الأنبياء والحكماء ثم أعرضوا عنها حتى ارتحلوا عنها لأخرى .. وسعى لنيلها الجهلاء والنبلاء حتى كلت مساعيهم فلم ينالوها ثم ارتحلوا عنها لأخرى .. !! وعجيب أمر هذا الإنسان .. فهو دائماً يبني قصور الأحلام ليستقر فوق أطلال من بنوا قبله .. ولو علم الحكمة لما بنى ثابتاً ليستقر فيه راحل مرتحل .. ولو دامت الدنيا من قبل لمن سبقوه لما أقبلت إليـه الدنيا .
جنة الدنيـا سراب خادع .. تغري كل من يقدم إلى الدنيا فيجتهد في نيلها .. ثم يفني العمر في الكيفية لكي يمتلكها .. فيجمع فيها بالحلال وبالحرام ويختزن .. ويطمع في المزيد .. ويطمع في العمر المديد .. فإذا بالعمر فجأة يعلن عن تلك النهاية غير السعيدة .. ومهما طال .. ثم يأتي الموت .. فلا يخرج منها بشئ .. إلا إذا أحسن العمل .. فذاك زاد يلازم الرحيل .. أما كل شئ من متاع الدنيا فمنزوع وممنوع .. وحتى لباس الأكفان في القبر تنزعها الدنيا بعد حين !! .. ومن بعد رحليه ما زالت الدائرة تدور ..ولا تزال هناك جنة الدنيا الواهية باقية بالإغراء .. تخدع الأجيال بعد الأجيال .. وهي تنتظر وتترقب الأجيال القادمة لتبدأ السنة من جديد .. فلا يتعظ القادم من عبرات الماضي ليتوقف لحظة ثم يتفكر في ذاك المصير .. ولا تمل الدنيا من تكرار دورها تلك المشبعة بالمفارقات . والعاقل من يتعظ بغيره .. ويأخذ العبرة بمن ركبوا مطية الدنيا من قبل .. ثم سقطوا من فوق ظهرها ومازالت الدنيا في دربها تسير .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسي محمد أحمد
ساحة النقاش