بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

 

                  

 

          بسم الله الرحمن الرحيم

 

قصــة

أيــن أبــي  ؟؟ !!

 

لا يجد عقل الصبي الصغير تفسيراً عن الذي يجري .. فيجتهد التفسير في مساحة ضيقة من الخبرة .. والسنوات التسعة من العمر ليست كافية أن يمد الصبي بالإجابات التي يريدها .. فيظل في حيرة من الأمر .. ومفهوم الأب عادة في ذهن أمثاله من الأطفال هو أن ( الأب ) هو ذلك القدوة الأعلى الذي يمثل قمة الكمال في كل شئ .. فالأب دائماً على صواب ويجب أن يطاع .. وهو ذلك الدرع الذي يقي الطفل والأسرة من كواسر المحن وبواتق الظروف .. وهو الغطاء الشافي الذي يحامي عند اللزوم ..  ويعاقب عند الإفراط  ..  والطفل يظن أن الأب لا يمكن أن يكون فيه شئ من نواقص المعرفة ..  أو الجهل ببعض الأمور .. وفي منظور الطفل الأب هو ذلك العمود المتين الذي لا يقارع .. وكل طفل معجب بأبيه .. وهنا نرى طفلاً يدخل في تجربة أكبر من طاقته .. وهو الوحيد لأمه وأبيه .. وحتى بلوغه من العمر تسعة سنوات ظل البيت خالياً من أطفال غيره .. وبالنسبة له تلك ليست في نطاق ملاحظاته .. ولكن هي ملاحظات يواكبها الأب والأم في كثير من الأحيان .. وهناك من وقت لآخر كان الطفل يلاحظ لغطاً بين أبيه وأمه عن توقف عن الإنجاب بسبب الكل يتهم فيه الآخر .. ودون أن يجد تفسيراً لمعنى التسبب أو عدم التسبب .. ثم بدأت العلاقات تتدهور بين أبيه وأمه بأسباب مبهمة كلياً لذلك العقل الصغير .. وهناك عادة نقاشات حادة بينهما .. ثم تنتهي الحدة بخروج الأب من المنزل فوراً .. ثم يتغيب لأيام .. أما هو فدوره فقط أن يكون طفلاً دون أن يعرف المزيد .. تجاهل كامل من الجانبين .. فيعيش لحظات مظلمة في غرفته .. ويحس بمرارة وحسرة .. ولكن لا يستطيع  أن يفصح لأحد .. ثم تدور الأيام بمنوال كله خلافات .. وغياب بسمات في الشفاه .. وتواجد كل فرد في زاوية منفرداً ..  وفي يوم من الأيام رجع إلى البيت كعادته من المدرسة وقبل أن يدخل سمع أصواتاً مرتفعة بين أبيه وأمه .. ثم عندما هم أن يفتح  الباب كان أبوه قد سبقه بالفتح ثم خرج مقاضباً وهو يهمهم .. ويلعن ..  ثم غادر دون أن يعطي أية اهتمام لذلك الصبي الذي يقف عند الباب .. فدخل الدار ووجد أمه وهي تبكي بحسرة .. وتقدم نحوها وحاول أن يطيب خاطرها .. ولكنها قالت له : خلاص أبوك قد هجرنا .. كلمات بالنسبة للصبي فاجعة يحس بها في أعماقه دون أن يستدرك المفهوم الحقيقي لها .. ماذا يعني له أن يهجر الأب داره ؟؟!! .. فيسأل أمه في حيرة قائلاً : كيف يهجرنا وليس له بيت غير بيتنا .. فتبتسم الأم في ألم وتقول له : أنت مسكين يا ابني ولا تعرف الحاصل .. وفعلاً هو لا يعرف لأنه لم يخبر لكي يعرف .. وبالنسبة له كل الأحداث التي تجري مجرد طلاسم غير مفهومة .. وانتهى زمن الأسرة الذي كان .. وتبدل الحال إلى أم حزينة وصبي حائر .. ودارت الأيام وهو لم يرى أبيه بعد ذلك اليوم .. وكان يشتاق كثيراً لأيام الأسرة .. ويشتاق لذلك الأب الذي طالما كان هو القدوة والحامي والكبير الذي يتفاخر به بين أقرانه .. ولكن طال غيابه .. وتجاهلهم الأب كلياً .. والصبي يحاول أن يساير الظروف .. ولكن عند أنصاف الليالي فجأة يجد نفسه وهو يبكي بحسرة وألم .. ثم يغطي رأسه الصغير بالمخدة حتى لا يخرج صوت بكائه فتسمعه الأم .. ثم يأتي الفرج كالعادة من تسلط النعاس الذي يغطي جفنيه بالنوم فجأة .. ثم يدخل في شريط الأحلام الذي يكون عادة بين أب يزمجر وأم حائرة تدمع .. وقد اجتهد كثيراً أن يعرف الحقيقة .. ثم عندما عجز حاول أن ينسى أو يتناسى  ..  وفي ذات يوم وهو عائد من المدرسة ماشياً كعادته .. وبالقرب من إحدى الحدائق توقف فجأة لأنه لمح أبيه يجلس داخل الحديقة حول طاولة مع أناس آخرين .. فازدادت ضربات قلبه الصغير .. ثم رجع الخطوات ودخل الحديقة .. ووقف في مكان غير بعيد من مكان تواجد أبيه .. كانت هناك إمراة جميلة تجلس بالقرب منه ثم هناك ولد في عمر سبعة سنوات وبنت في عمر خمسة سنوات .. كانوا سعداء في مجلسهم .. يتسامرون ويضحكون .. والأب سعيد جداً بينهم .. فأقترب الصبي أكثر فأكثر .. وأخذ يستمع إليهم .. ثم فجأة غشيه الذهول وقد سمع الولد ينادي أبيه قائلاً ( يا أبي ) وكذلك البنت الصغيرة .. فلم يصدق أذنيه من أول وهلة .. ولكن الحقيقة تكررت .. ودون أن يشعر بدأ يحس بنوع من الغيرة الشديدة .. وهو الذي كان دائماً يظن أن الأب له وحده دون سواه .. ولكن الأحداث بدأت تتسارع .. والغوامض بدأت تتكشف له قليلاً قليلاً .. ولأول مرة يرى أبيه يداعب ذلك الولد وتلك البنت .. ويضحك ويمرح معهم .. ودون أن يحس بدأت الدموع تجرى من عيونه بغزارة  .. ولكن تلك المرأة الجالسة معهم لاحظت الأمر .. ثم نبهت الأب الذي التفت لناحيته ليجد ابنه وقد تبلل بالدموع .. فوقف فوراً ثم تقدم لناحيته ليأخذه بين أحضانه في شوق شديد .. ثم أخذ يضمه إلى صدره .. ثم يمسح دموعه بيديه .. ويقول له كيف أتيت إلى هنا وكيف وجدتنا ؟؟ .. ثم يضيف قائلاً هذه من أسعد اللحظات في حياتي حيث أجد أمامي فلذات كبدي جميعهم .. ولكن الصبي يرمي سؤالاً أدهشه عندما سأله في براءة  قائلاً : ( هل أنت مازلت أبي كما كنت في الماضي ؟؟ !! أم أنت فقط أبو لذلك الولد وتلك البنت ؟؟ !! )  فتعجب الأب من ذلك السؤال !! فقال له : ما الذي يدفعك لتقول ذلك .. ثم استدرك مقدرة الصبي في استيعاب الأحداث .. فيقول له أنت ابني وذلك أخوك وتلك أختك وتلك أمهم .. تصريحات من الأب أذهلت الابنين والبنت الصغيرة ..  أما الأم هنا فتعرف القصة كلها .. كما أن الأم هناك تعرف القصة أيضاً  .. ولكن تلك مقامرة رجل تزوج بأخرى متعمداً إخفاء الأمر في بداياته  .. وحتى مرت السنون ..  فكشفت الأولى السر فيما بعد ثم لم تقبل حصيلة الأمر .. وكانت تلك المشاحنات ثم تلك المراحل الإبتعادية .. وأخذ الصبي يتفهم الأمر قليلاً .. ثم وجد نفسه في طفولة طاهرة يقبل بالواقع .. فينظر لأخ له لم يكن من قبل !! وينظر لأخت لم تكن له من قبل .. والأب يصر على مواصلة  المفاجآت فيطلب من الجميع أن يركبوا معه في السيارة .. ثم يذهبوا جميعاً لبيت الزوجة الأولى وهناك تتسارع المفاجآت .. ويدخل الجميع عليها ثم الجميع يحضنوها بعطف شديد .. فهي بدورها تقبل الأمر وسط فرحة الكل .. وولدها يمسك بيدها بيد وبالأخرى يمسك يد الأب في منظر يعصر الدموع من المحاجر .. ثم لوحة لأسرة مكونة من أب وأم وأم ثم ولدين وبنت .. وكان أسعدهم أب أخيراً  شتاته قد جمع .. وصبي بين يوم وليلة له أخ وأخت .. ثم حلول لطلاسم في عقول صغيرة عانت كل المحنة ..

ـــــــــــــ

الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد  

قصة من واقع الخيال .   

 

 

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 22/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 980 مشاهدة
نشرت فى 7 مايو 2011 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

801,720