بسم الله الرحمن الرحيم
قصــة :
لقــاء بين الإنس والجـــن !!
أنت تمشي فوق حروفي والنصيحة لك أن تتوقف إذا كنت لم تسمع من قبل عن جماعة ( الخط الثالث ) .. فقد تأتي لحظة لن تجد فيها فرصة التراجع والتوقف .. والجماعة من شروطهم إذا تكلمت عنهم يوماً أن لا تتراجع عنهم لحظة .. والقصة كانت لذلك الشاب العازب الذي يقطن وحيدا في داره .. والذي وجد الفرصة يوماً أن يتواصل مع جماعة ( الخط الثالث ) .. فعندما تشابهت الأيام في وتيرتها .. وأصبح اليوم كالأمس .. والغد لن يكون أمره غير أمس .. ومن حسابات العمر مضت العشرات التاليات .. وبدأت النفس تحدث نفسها .. وتريد أن تدخل في النظام والالتزام .. فإذن آن الأوان لبناء عش يجمع بين قلبين .. وتلك أمنية عادة تكون حاضرة بالفطرة لدى كل شاب وشابة .. وهو منذ أن تداخلت العشرات في أيام العمر بدأ في الإعداد والاستعداد .. وبدأ يجمع ويطرح .. ويخطط ويراجع ولكن عادة يجد الحسبة لا تطابق المواصفات .. وأن الظروف تسبق الملابسات .. والأيام لا تنتظر المناسبات .. وهناك بدأت أفراد من شعر رأسه تتوشح بالبياض .. مما سبب له المزيد في الهم والغم .. والهم ليس فقط في إيجاد مهر الفضيلة .. ولكن التبعات والعادات أكثر وأشق .. ثم أنه مجرد توفير لقمة العيش لمداومة الحياة أصبح أمراً يستجلب الهم ناهيك عن توفير مهر .. وإعداد مرحلة عش وصاحبة وأهل بتبعاتها أمر يدخل في قاموس المستحيلات .
وفي ذات ليلة جلس وحيداً فوق سريره الذي توسط الحوش .. ثم دخل في محاسبة النفس وسرد القديم والجديد في مسيرة حياته .. وبدأ يقترح لنفسه سبل الخروج من أزمة الحال .. ولكنه وجد كل الأبواب مسدودة .. وكل المحاولات مفشولة .. ثم ناله اليأس والقنوط من فكرة الحلول عندما وجدها لا تقبل القسمة أو الطرح .. وطالت به الساعات .. والليل بدأ يتعمق .. فجلس صامتاً حتى جاءه ركب النوم وأقفل ستار الأجفان .. ثم دخل بعد ذلك في ثبات عميق ولا يدري كم من الوقت .. ولكنه فجأة صحا من نومه عندما لكزه أحدهم فوق رأسه .. فقام مذعوراً .. ليجد أحدهم يجلس فوق كرسي عند رأسه .. وقد توشح بجلباب أبيض ناصع .. أما ملامح وجهه فلم يتمكن من رؤيتها لأن الرجل كان يلبس قناعاً .. فخاف قليلاً .. ولكن الرجل بدأ يطمئنه ويشير إليه بالهدوء والسكوت .. .. والعجيب في لحظات قصيرة أخذ قلبه يطمئن لذلك المتطفل الغريب .. فقام وجلس فوق سريره وهو يتمعن في ذلك المخلوق .. الذي لم يمهله كثيراً وقال له : لقد سمعتك اليوم تشكو من بؤس حالك .. ورأيتك تسخط من حظك .. وجئت هنا لأقف معك .. وتحقيق ما يرمي إليه قلبك .. فأعطني خيارك في اختيار رفيقة القلب التي تتمناها أن تكون معك في مسيرة حياتك .. وتلك كانت كلمات في الحلم أقرب منها في الحقيقة .. ولن يصدق قلبه لأن تجارب الماضي كانت مجحفة ويائسة .. ولكن الرجل ألح في طلبه .. وفتح أمامه مجال الأمنيات كخيار مصباح علاء الدين .. وما الذي يمنع أن يعيش السعادة ولو في لحظات حلم يقظة .. فأخذ يفتش ويراجع قلبه عن تلك الشريكة .. فتعمق في ذاكرته يبحث عن صاحبة الحظ .. ووجد في نفسه تلك العفيفة التي رآها ذات ليلة في حفلة عرس تجلس مع رفيقاتها .. هي جميلة والقلب قد أحبها ولكن من بعيد .. بالرغم من أنه لا تعرفها و هي لا تعرفه .. وقال في نفسه عند رؤيتها ليتها تكون شريكة حياته يوماً .. كل ذلك يدور في ذهنه ولم يفصح به للرجل الغامض .. ولكن الرجل فاجأه بالقول لقد عرفتها وأنا أتتبع مسار ذكرياتك وأفكارك .. وسوف تكون هي من نصيبك .. ووسط استغرابه ودهشته طلب منه الرجل أن يمهله فقط يومين وسوف يعود إليه بعد ذلك .. ثم فجأة اختفى الرجل واختفى الكرسي الذي كان يجلس عليه .. أما هو فلم ينم تلك الليلة حتى الصباح .. وهو يراجع تلك الأحداث المثيرة التي مرت به كحلم غريب .. وأن الأمر لم يكن من أوهام الخيال .. ولكن كان حقيقة كحقيقة الشمس في منتصف النهار .
مر ذلك اليوم عليه عصيباً .. وهو يشاهد المقنع في خياله بين حين وآخر في كوابيس وهلوسة .. ولكن في الواقع وليس في النوم .. واجتهد كثيراً في نسيان الأمر .. وبالرغم من ذلك فإن صورة المقنع كانت تفرض نفسها كل حين لتطل من جديد .. وفي اليوم الثاني كان في السوق يتجول .. وفجأة لمح الرجل وسط الجموع والخلق بنفس قناعه ولبسه .. وتعجب من الأمر .. ولكن العجيب في الأمر أن الناس من حوله كانوا لا يعيرون الرجل أية انتباه .. فكأنه غير موجود بينهم .. ولبرهة وقف مشدوهاً .. ثم ذهب لناحيته .. ولكن الرجل لم يعره اهتماماً .. ومر بجانبه وكأنه لا يعرفه .. وكأنه شبح يتجول في الساحة .. ثم فجأة اختفى من وسط الجموع .. فتيقن فيما بعد بأنه هو الوحيد الذي يراه في تلك اللحظة !! .. فعاد أدراجه إلى البيت سريعاً .. وهو وجل وخائف .. ويسأل نفسه إن كانت تلك من بوادر الجنون والمس ؟؟ .. وفي تلك الليلة وعند منتصفه سمع طرقات خفيفة على باب داره .. فقام وجلاً ثم تقدم ناحية الباب بخطوات حذرة ووجلة .. ثم فتح الباب بمنتهى الحذر .. فإذا بالرجل يقف أمامه .. ثم أمره أن يلبس أجمل ثيابه ويستعد للحدث السعيد .. وكانت هناك سيارة حافلة عجيبة تقف عند الباب .. وفيها مجموعة كبيرة من الحسان .. والحافلة قد زينت بأفخم أنواع الورود .. ثم هناك الأغنيات والدفوف .. والزغاريد .. والأعجب بالرغم من كل تلك الأصوات والألحان والدفوف فلم يخرج أحد من الجيران ليشاهد الحدث .. فتردد في بداية الأمر .. ولكنه في النهاية امتثل لأوامر الرجل .. لأنه يملك نوعاً من السيطرة على قلبه .. فلبس أجمل ثياب يمتلكها .. ثم ركب مع الرجل ومع مجموعة الزفاف في الحافلة .. وتحركت الحافلة والمدينة كلها غارقة في صمت عميق .. ثم سارت بهم الحافلة وطافت بكل شوارع المدينة حتى وقفت عند بيت عرس قد تجمع الناس عندها .. والكل في انتظار جولة العريس .. فنزل بصحبة الحسان من الحافلة وتقدم نحو ساحة الحفل في زفة لم يشاهد مثلها من قبل في الأعراس .. وفجأة لمح شريكة حياته .. وهي قد بدت أجمل مما كان يتخيلها من قبل .. وقد لبست ثوب الزفاف وتقف في انتظار وصول العريس .. ثم تم لقاء العروسين .. أهلها هم أهلها .. أما أهله فكانوا هم جماعة ( الخط الثالث ) والرجل الغامض قام بكل إجراءات التوافق والتواصل حتى مراحل اللحظات الأخيرة عندما تقدم المأذون وعمل عقد القران على الكتاب والسنة .. ثم بدأت الحفل وكانت الليلة ليلاء .. غناء وفرح ورقص وطرب .. حتى بقي من الليل ثلثه الأخير .. فهمس الرجل الغامض في أذنه بأن الوقت قد حان لكي يركب هو وعروسته في الحافلة في طريقهم إلى أحد الفنادق .. فودع أهل عروسته ثم أخذ عروسته وركب مع مجموعة الحافلة ومعهم الرجل المقنع .. ثم اتجهت بهم الحافلة إلى ساحل النهر ثم وقفت فجأة .. فلاحظ العريس أن هناك عربة صغيرة تقف في انتظارهم وقد تم تزينها بأفخم الورود .. ثم أمره الرجل الغامض وعروسته بالنزول وركوب السيارة الصغيرة التي سوف تأخذهم إلى الفندق .. مع الإفادة بأن كل تكاليف الإقامة بالفندق مدفوعة مقدماً بالكامل .. فنزل العريس والعروس ومعهم الرجل الغامض الذي أراد أن يودعهم الوداع الأخير .. ثم هم بركوب الحافلة من جديد ولكن شده العريس من كمه محاولاً معرفة الحقيقة هو يسأل عن اسمه .. ومحاولاً تقديم الشكر لذلك الرجل الشهم .. ولكن الرجل لم يكترث كثيراً بل ركب في الحافلة مع مجموعة السيرة .. وهو يقول له : ( نحن جماعة الخط الثالث ) وقد نحضر لديكم عند الاحتفال بقدوم المولود الأول .. ثم تحركت الحافلة .. ولكن كانت المفاجأة أنها تحركت مباشرة إلى ناحية النهر ثم دخلت وغطست في الماء واختفت بكامل ركابها في لحظات معدودة .. والأعجب من ذلك أن الزغاريد والأناشيد كانت مستمرة إلى أن اختفت الحافلة في الأعماق .. وفي وسط ذهول وجنون واستغراب العريس وعروسته ساد سكون رهيب المنطقة كلها .. فتجمد أوصال العريس والعروس الذين بدأ يرتجفان من هول الحدث .. ولا يدريان ماذا يفعلان !! ولكن مازالت هناك السيارة الصغيرة تقف في انتظارهم للفندق . والنصيحة لك يا من مشيت فوق حروف حتى النهاية أن تنسى كل الأمر برمته . أما أنا فقد نسيته قبل أن أبدأ في الكتابة .
ـــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش