القلب والا العين.. مين السبب في الحب؟
عندما كنت أسمع هذه الأغنية المعروفة وحتى سنوات قليلة مضت، كنت أرد قائلاً: لا القلب ولا العين، إنما هو المخ يا سيدتي، وإن ما يحدث للإنسان عندما يرى حبيبه، إنما هو عبارة عن إشارات وهرمونات وموصلات عصبية تفرز، وتسبب الأعراض التي يشكو منها المحب عندما يرى حبيبه مثل: زيادة سرعة نبضات القلب حتى يكاد يقفز من مكانه، وارتعاش وبرودة الأطراف، واحمرار الوجه من الخجل
الا أن الشرارة الأولى انطلقت من مراكز معينة في القيادة العامة بالمخ والجهاز العصبي، ومنه إلى الغدد الصماء، التي تفرز هذه الكيميائيات والهرمونات التي تسبب هذه الأعراض.
وظللت على هذا الحال، إلا أنني كنت أيضاً في حيرة من أمري: لماذا جاءت كل الآيات والأحاديث تشير إلى أن القلب يعقل ويفقه وينصلح ويفسد، وأنه موضع للتقوى والإيمان، وأيضا للخبث والكفر؟
والحقيقة أنني داخلياً - ومن منطلق إيماني بحت - كنت أؤمن بما جاء في القرآن والسنة، أما من ناحية العلم، فلم يكن هناك من الحقائق العلمية ما يقنعني في هذه النقطة، إلى أن توصل العلم إلى الحقائق التالية تباعا.
قلب فتى وفتاة
* في يوم 29 مايو عام 1988 كان «تيم» - وهو شاب اميركي في الثامنة عشرة من عمره - يقود دراجته البخارية واصطدم بسيارة على الطريق السريع ولقي مصرعه، وعلى الفور تم إبلاغ السلطات الصحية، وبنوك حفظ الأعضاء، حيث تم نقل قلبه فوراً إلى فتاة تدعى «كلير سيلفيا» التي كانت تنتظر نقل هذا القلب بعد أن كانت على وشك الموت.
وبعد أن افاقت «سيلفيا» من الجراحة واستردت صحتها وخرجت من المستشفى، لاحظت أن هناك بعض التصرفات الغريبة التي جدّت عليها، فقد اصبحت تصرفاتها أميل إلى التصرفات الذكورية منها إلى الأنثوية، وكذلك عاداتها اليومية فقد كانت تعمل راقصة باليه، ولكنها أصبحت تميل إلى الوقوف في الشوارع وعلى النواصي، وتميل إلى بعض الأكلات والأصناف التي لم تكن تحبها على الإطلاق مثل الفلفل الأخضر والأكل الحريف، وأصبحت تحب شرب البيرة، ولم تكن أبداً تميل إلى هذه الأصناف أو تحبها قبل نقل القلب إليها.
وفي الولايات المتحدة هناك قانون يحظر على المتلقي للعضو المزروع أن يعرف أي تفاصيل عن الشخص الذي تم أخذ العضو منه، فلم تكن سيلفيا تعرف شيئا عن «تيم» صاحب القلب الذي تحمله بين صدرها، إلا أنها بدأت ترى في أحلامها شابا يدعى «تيم» يزورها في الأحلام بشكل متكرر، ويخبرها أنه صاحب القلب الذي تم نقله إليها، وذهبت «سيلفيا» إلى المستشفى الذي تم بداخله نقل القلب إليها، وأصرت على معرفة تفاصيل عن الشخص الذي تم أخذ القلب منه.
وكانت المفاجأة أنه نفس الشخص الذي تراه في المنام، والأغرب من ذلك أنها عندما ذهبت لزيارة أهل هذا الشاب لسؤالهم عنه، تبين أنه صاحب كل الطبائع والسلوكيات والأمزجة الغريبة التي أصبحت هي عليها بعد نقل القلب إليها، وعادت إلى المستشفى وأخبرت الأطباء الذين رفضوا قبول هذا التفسير علمياً واعتقدوا أنها مجرد صدفة! ذاكرة خلايا القلب
* ومع تكرار ما حدث مع سيلفيا في أشخاص آخرين من الذين تم نقل القلب إليهم، بدأ العلماء يفكرون في ما يسمى «بذاكرة الخلايا»، أي أن كل خلية من خلايا الجسم أيضا لها عقل وذاكرة خاصة بها، وبطبيعة الشخصية وذوقها وما تحبه من طعام، وبعض المعلومات والتواريخ، وأن هناك اتصالا بين هذه الذاكرة وذاكرة المخ المعروفة، وأن نقل العضو من إنسان إلى آخر ينقل معه ذاكرة هذه الخلايا من جسم المتبرع إلى جسم المتلقي.
وقد ثبتت هذه النظرية من خلال العديد من الأبحاث قامت بها د. انديس برت أستاذة علم الكيمياء الحيوية التي ركزت أبحاثها على كيفية تفسير مثل هذه الظاهرة علمياً، وقد توصلت د. برت إلى أن هناك بعض الوظائف المنوط بالعقل القيام بها، تقوم بها أيضاً خلايا الأعضاء المختلفة من الجسم وأن هناك رسائل متبادلة بين المخ وهذه الخلايا عن طريق سلسلة قصيرة من الأحماض الأمينية العصبية «نيوروبيبتايد» التي كنا نعتقد أنها لا توجد إلا في خلايا المخ والجهاز العصبي فقط، ولكن تبين وجودها في أعضاء الجسم الرئيسية مثل القلب. وبالتالي فالقلب يحمل خلايا ذاكرة تحب وتكره وتؤمن وتكفر وتخاف وتوجل وتتقي وتفجر.
«مخ القلب»
* ثم أتى بعد ذلك عالم آخر يدعى د. أندرو أرمور وهو متخصص في علم «أعصاب الغدد الصماء» الذي يبحث في علاقة المخ والأعصاب بالقلب والغدد الصماء، وأثبت أن هذه العلاقة بين المخ والقلب إنما هي علاقة ذات اتجاهين ذهاباً وإياباً، وليس كما كنا نعتقد من أنها علاقة ذات اتجاه واحد من المخ إلى القلب فقط وليس العكس، وأدخل لأول مرة في تاريخ الطب تعبير «مخ القلب» Heart Brain، وأن للقلب بالفعل جهازا عصبيا خاصا به في غاية التعقيد أسماه «مخ القلب الصغير»، ويتكون من خلايا وموصلات عصبية وبروتينات تعمل بشكل مستقل عن الأعصاب المخية.
ويستطيع هذا المخ أن يتعلم ويتذكر ويشعر ويحس ويخاف ويؤمن، وتترجم هذه المعلومات على شكل اشارات عصبية ترسل من القلب إلى المخ (على عكس ما كنا نعتقد أن المخ هو الذي يشعر ويحس ويرسل الأوامر إلى القلب على شكل رسائل عصبية)، وتصل هذه الرسائل إلى منطقة جذع المخ، وتؤثر فيها من خلال تأثيرها في الأوعية الدموية والغدد الصماء وتأثير ذلك في الأعضاء، ثم تنتقل بعد ذلك تلك الإشارات الآتية من القلب إلى المراكز العليا بالمخ التي تستجيب من خلال الإحساس والتقييم واتخاذ القرارات بناءً على الخبرات المعرفية المتاحة.
والحقيقة أن د. «آرمور» ألف كتاباً أسماه Neuro Cardialogy يصف فيه ما أسماه بالجهاز العصبي الخاص بالقلب الذي يعمل بشكل مستقل عن الجهاز العصبي المركزي والمخ، وبالتالي عندما يتم نقل القلب من شخص إلى آخر، يتصل الجهاز العصبي أو مخ القلب المنقول بالجهاز العصبي المركزي والمخ للشخص المتلقي عن طرق الألياف والموصلات العصبية.
وعلى الرغم من أن ما ذكر في كتاب د. آرمور يعد مفهوماً جديداً على المجتمع الطبي، وهناك من يعارضه ويختلف معه، إلا أنني أجد أن كلامه يصادف قبولاً نفسياً وعقلياً لديّ، فمن الناحية النفسية، فإن التفسير الجديد لنظرية «مخ القلب» أو «ذاكرة الخلايا» تعيد الأمور إلى نصابها.
أما من الناحية العقلية، فهناك الكثير من القصص الحقيقية التي توضح وجاهة هذا التفسير الحديث مثل قصة الطفلة ذات الثمانية أعوام التي نقل إليها قلب طفلة في العاشرة من عمرها ماتت مقتولة، وبعد أن تمت عملية نقل القلب، بدأت الكوابيس تهاجم البنت أثناء نومها، وكان أكثرها ذلك الكابوس الذي ترى فيه رجلاً يقتلها، ولما تكرر الكابوس من نفس الشخص والحدث، أخذتها أمها إلى طبيب نفسي وروت له الكابوس الذي يؤرقها وبعد عدة جلسات اكتشف الطبيب أن ما تقوله البنت ليس نوعاً من الهذيان أو الهلوسة، وإنما هي تصف حقائق، وبالتالي فقد أقنع الطبيب الأم والطفلة أن يذهبا لكي يبلغا الشرطة بأوصاف هذا الشخص الذي تراه في المنام، وبالفعل من خلال وصف الطفلة الدقيق لملامح هذا الرجل تم رسم صورة تقريبية له، وتم القبض عليه واعترف بارتكابه الجريمة، ومثلها كما رأتها في منامها بالضبط، بنفس الملابس وبنفس السلاح وفي نفس التوقيت والمكان التي وصفته الطفلة للطبيب النفسي، فمن أين أتت هذه الذاكرة الفوتوغرافية التي مكنتها من معرفة كل هذه المعلومات سوى من ذاكرة خلايا القلب المزروع؟
ميول القلب المزروع
* وفي كتابه «شيفرة القلب» Hearts Code استطاع د. «بول بيرسول» أن يقابل 150 من الذين تم زراعة قلب لهم، وتبين أنهم جميعاً يحملون ذكريات من أصحاب القلوب التي تم نقلها لهم
وبالتالي فقد اختار «بيرسول» نظرية ذاكرة الخلايا التي تفسر ذلك من خلال دراسة على 300 من الذين تم زراعة قلب لهم في جامعة أريزونا الاميركية عام 2002 من ضمنهم عشرة أشخاص تم زرع قلب ورئة لهم، وتبين اختلاف مشاعرهم وطبائعهم بعد عملية النقل، ومن بين هؤلاء شاب عمره 18 عاماً كان يؤلف الشعر ويعزف مقطوعات موسيقية معينة إلا أنه قتل في حادث سيارة، وبعد أن تم نقل قلبه إلى فتاة أخرى تُدعى «داني» وعمرها 18 عاماً، وبعد رحيله بعام استطاع الفريق البحثي أن يجمع بين الفتاة التي تم نقل القلب لها وأهل الشاب المتوفى، وعندما دخلت الفتاة إلى منزلهم اتجهت إلى البيانو وعزفت القطع الموسيقية والأغاني التي كان يفضل عزفها، مع أنها لم تتعلم العزف أو التلحين من قبل، وكانت تردد كلمات الأغاني التي كان أهله يحتفظون بها من دون سابق معرفة بكلمات تلك الأغاني.
وفي حالة أخرى تلقت امرأة مثلية عمرها 29 عاماً قلباً من امرأة عمرها 19 عاماً وكان تعشق الرجال، وبعد العملية تحول الميل الجنسي لتلك المرأة من النساء إلى الرجال، وبالفعل تزوجت من الرجل الذي أحبته بعد أن كانت لا تطيق صنف الرجال
المصدر:موقع الهدف
ساحة النقاش