الاكتئاب : أن اضطراب الاكتئاب قديم قدم العصور وأن الأقدميين قد عرفوه ووصفوه بطرق مختلفة ، وكما ذكر عكاشة 1998 في كتابه الطب النفسي المعاصر ما كتب على بردية فرعونية عمرها آلاف السنين تصف ما يعرف الآن بالاكتئاب ، وكما تحدث عن هذا الاضطراب علماء العرب مثل ابن سيناء وأبو بكر الرازي في كتاباتهم العلمية في الطب ، كما ذكر أيضاً في التراث الأدبي القديم ما يتفق وما يؤيد معرفة أسلافنا لهذا الاضطراب وطبيعته الوجدانية الناتجة عن خبرات سلبية في الحياة ، على سـبيل المثال ما جاء في قصة مجنون ليلى وما كان يعانيه مما يمكن أن يطلق عليه (المانخوليا) أو ذهان الهوس الاكتئابي وإذا كان هذا الاضطراب عرف ووصف في العصور القديمة ووجدت حالات تعاني منه ، فإن عصــرنا الحديث قد رصد فيه أعداد كثيرة من الحالات ، هذا ما جعل بعضنا يطلق على هـذا العصر عصر الاكتئاب ، وتؤكد هذه النظرية للدراسات المسحية التي ظهر فيها أن (9 : 20 % ) من الناس يعانون في وقت من أوقات حياتهم من مشاعر وأعراض اكتئابية تتطلب تدخلاً علاجياً أحياناً . ولقد ميز ابقراط في قديم الزمان مالايقل عن ستة أنواع من مرض الماليخوليا (الاكتئاب) غير أن الصورة الإكلينيكية التي أعطاها لبعض هذه الأنواع يمكن أن تنطبق في ضوء الطب العقلي الحديث على ذهان الاضطهاد وذهان الفصام والعصاب ، وفي القرن الأول الميلادي وصف أرتيايوس " Aretaeus " هذا المرض غير أن بعض أوصافه إذا محصت لا تنطبق على مرض الاكتئاب كما هو معروف حالياً ، واستمر الخلط حول طبيعة هذا المرض وأسبابه وعلاجه على مر العصور ، ثم تبلورت الجهود في تصنيف كرابيلن الذي ميز ستة أنواع من الاكتئاب هي الاكتئاب البسيط ، والاكتئاب الذهولي ، والماليخوليا الخطيرة ، والماليخوليا الاضطهادية ، والماليخوليا الوهمية ، والماليخوليا التهريفية ، غير أنه غير من رأيه بعد ذلك وأعتبر كل أعراض الاكتئاب التحولي ، مظاهر لمرض واحد هو ذهان التواب أو الذهان الدوري ، وهذا هو الاتجاه المتبع حالياً . . وكما أشار كندل " Kendel , 1976 " أن الاكتئاب وفقا لمصادر الطب النفسي مصطلح أو مفهوم غامض ومختلط وقـد تتداخل معانيه ، ولقـــد لاحظ جتلمان كليــن " Gittelman – Klein 1977 " أن استخدام الرجل العادي لكلمة الاكتئاب يشير به إلى حالة المزاج الذاتي بمعنى أنه يشير إلى نوع من التعاسة أو الكآبة وهذا الاستخدام يقف في مواجهته اعتراضان إكلينيكيان من ناحية يشير إلى حالة أو سمة أو عرض على أساس أنه يحدث بدرجات متباينة من الشدة أو القوة قد تؤدي إلى اضطرابات جسمية أو عقلية ، ومن ناحية أخرى قد ينظر إلى الاكتئاب على أنه من وجهة النظر المرضية الإكلينيكية مرضاً يأخذ صفة الدوام والاستمرار والانتظام ، وأهم ما يتميز به هو العجز الشديد في مستوى الهمة ، فقدان الاهتمام ، فقدان الإحساس بالكفاءة ، يحيط بكل هذه الأعراض نوع من المعاناة النفسية المؤلمة ، هــذه الحالة المرضية تكون مصحوبة بعدد من الأعراض الأخرى . وبذلك يعد الاكتئاب مشكلة من المشكلات التي تعوق الفرد عن توافقه وتطوره ، ويتجسد الاضطراب الانفعالي في عدم القدرة على الحب وكراهية الذات إلى الدرجة التي تصل إلى التفكير في الموت والانتحار ، ثم الإقدام الفعلي على الانتحار ، كما يتمثل الاضطراب المعرفي في انخفاض تقدير الذات وتشويه المدركات ، واضطراب الذاكرة وتوقع الفشل في كل محاولة للنجاح ، واستشعار خيبة الأمل في الحياة ، وعدم القدرة على التركيز الذهني ، ويظهر الاضطراب البدني في اضطراب الشهية للطعام واضطراب النوم ، وكثرة البكاء وتناقص الطاقة والشعور بالإجهاد . هذا ما دعى إلى زيادة الاهتمام في السنوات الحالية بقياس الأعراض الاكتئابية وتشخيص مرض الاكتئاب في المجتمعات المحلية وذلك لأن الاكتئاب يعتبر من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً في المجتمع إلى جانب إمكانية علاجه بكفاءة ، هذا وقد أوضحت الدراسات الوبائية الحديثة في المجتمعات الغربية أن مدى انتشار الاكتئاب وفق تقسيمات الأمراض النفسية ، فالغالبية العظمى من المجتمــع بهــا عرض أو أثنين من الأعراض الاكتئابية حيث يعد الاكتئاب كمزج أو كمشاعر أو كحالة وجدانية سمة منتشرة تهم الخبرة الإنسانية السوية . ويرى الباحث أن عالم اليوم عالم تتعقد فيه أساليب الحياة وتشتد فيه حدة الصراعات ، وتتزايد أساليب العناد والخلافات وتتعدد الآراء والاتجاهات ، وتنعكس فيه القيم والعادات ، وتتذبذب الأخلاق والسلوكيات ، وتمثل فيه الأنانية محور التزامات الحياة ، وتتناقص فيه بعض القدرات والطموحات ، كل هذا يعمل على خلق روح من الملل والفشل وعدم مواجهة المشكلات ، مما ينعكس ذلك على بعض الأفراد فيعجزون عن مواجهة الحياة ، ومن ثم يقع الأفراد فريسة لبعض الاضطرابات ، ومن أخطرها الاكتئاب الذي يعد اليوم واحداً من أهم الاضطرابات الذي يعاني منه أغلبية الأفراد ولكن بدرجات متفاوتة ، ولو اشتدت درجاته لأصبح مشكلة خطيرة تهدد أمن الحياة ، فأصبح اليوم يتداول هذا المصطلح بين الطلبة والطالبات ، ومحور اهتمام العديد من الأشخاص ويعاني منه الأزواج والأبناء ، ويتحاكى به بين العامل والأصدقاء ويتحدث عنه الرجل والمرأة ، الصغير والكبير ، الغني والفقير ، كل ذلك يرجع إلى افتقاد روح المحبة والتعاون ، وسيطرة الأنانية على الأفراد ، وعدم الاهتمام بصلة الرحــم ، وزيادة الخلافات بين الأزواج ، ونقص القيمة الغذائية في مختلف الواجبات ، والإفراط الشـديد في العمل والانخراط في الميول المثيرة للذة الوقتية مثل الإدمان والتدخين والانحرافات الجنســية ، كل ذلك يعمل على أن يكون بعض الأفراد فريسة لهذا الاضطراب . والجدير بالذكر أن هذا المرض يحتل المرتبة الثانية في الأهمية بعد مرض الفصام إلا أنه يختلف عنه في أن نسبة كبيرة ممن يصابون به تشفى عادة منه ونادراً ما يصيب هذا المرض الأشخاص الذين يقل أعمارهم عن (18) سنة ، كما أن نسبته بين النساء أعلى مما هي عليه بين الرجال .
المصدر: جزء من كتاب تحت النشر للدكتور ناجى داود اسحاق
Nagydaoud

مع اطيب امنياتى بحياة سعيدة بناءة من اجل نهضة مصر

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 179 مشاهدة
نشرت فى 15 أكتوبر 2013 بواسطة Nagydaoud

ساحة النقاش

دكتورناجى داود إسحاق السيد

Nagydaoud
هدف الموقع نشر ثقافة الارشاد النفسى والتربوى لدى الجميع من خلال تنمية مهارات سيكولوجيا التعامل مع الاخرين ، للوصول إلى جودة نوعية فى الحياة مما ينعكس على جودة العملية التعليمية مما يساهم فى تحقيق الجودة الشاملة فى شتى المجالات للارتقاء بوطننا الحبيب ، للتواصل والاستفسارات موبايل 01276238769 // 01281600291 /nnng75@hotmailcom »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

883,155