الذكاءات المتعددة :
من أعظم النعم التى كرم الله بها الإنسان أن حباه عقلاً معجزاً فى ملكاته وإنجازاته ، بما أودعه فى هذا العقل من قدرات تعمل وتتفاعل فيما بينها فى تنسيق إلهي متكامل ، مما دعا الباحثين فى علم النفس إلى الاهتمام بالجانب العقلي المعرفي للإنسان ، وكان موضوع الذكاء من الموضوعات التى استمر الجدال والخلاف حولها لسنوات طويلة ، ومن ثمرة هذا الخلاف ظهور نظريات واتجاهات عديدة حاولت فهم وتفسير العقل البشري منها الاتجاه التقليدي لدراسة الذكاء وقياسه ، واتجاه الذكاءات المتعددة .
أولاً : الاتجاه التقليدي لدراسة الذكاء :
طبقاً لهذا الاتجاه فإن الذكاء هو قدرة معرفية موحدة ، يولد بها الأفراد ، وهذه القدرة
يمكن قياسها بسهولة ، من خلال الاختبارات التى تتضمن أسئلة ذات إجابات قصيرة ، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الذكاء يظل ثابتاً فى كل المواقف ، وهذا يعنى أن ذكاء الفرد لا يتغير سواء أكان يحل مشكلة حسابية ، أم يتعلم كيف يتزحلق على الجليد ، أم يحاول أن يجد طريقه فى مدينة جديدة ، والجدير بالذكر أن هذا الاتجاه التقليدي قد أفرز الكثير من النظريات ؛ منها نظرية العامل الواحد ، والتى ترى أن هناك عاملاً عاماً يقف خلف جميع أساليب النشاط العقلي ، وبالتالي يمكن فى ضوئه الحكم على مستوى النمو العقلي للفرد ، وقد أخذ بهذه النظرية " ألفريد بينيه "Binet " وتيرمان Terman. وأكد فؤاد أبو حطب (فتحي مصطفي الزيات ، 1995) أن منظور العامل الواحد لم يقدم تفسيراً مقنعاً للنشاط العقلي ومكوناته ومحدداته ، فضلاً عن أن هذه النظرية لم تخضع منهجياً أو إجرائياً لدرجة كافية من التجريب مما دعا إلى ظهور نظرية العاملين التى قدمها سبيرمان والتى تقوم على الافتراضات التالية :
- أن هناك علاقات موجبة بين مختلف صور النشاط العقلي .
- أنه أياً كان أسلوب النشاط العقلي فإنه يتمايز فى عاملين : عامل عام ، وعامل نوعي خاص. ويرى حسنى الجبالي أن العامل العام فطري وراثي لا يتأثر بالبيئة ، وإلى جانب هذا العامل العام والذى يمثل القدر المشترك لأى نشاط عقلي يوجد عامل خاص هو الذى يميز هذا النوع من النشاط عن غيره ..
ولكن هذه النظرية تعرضت لنقد شديد على يد ثورنديك Thorndik ولم يبق لها إلا قيمتها التاريخية فقط ، حيث يري أن العامل العام الذى نادي به سبيرمان لا يفسر تباين أداء الفرد من نشاط عقلي إلى نشاط عقلي آخر ، لذلك نظر ثورنديك إلى الذكاء على أنه عدد من القدرات الخاصة ، التى تميز السلوك الذكي ، وصنف القدرات المكونة للنشاط العقلي على النحو التالى :
- القدرة على التجريد .
- القدرة الميكانيكية .
- القدرة على التكيف الاجتماعي ، ويذكر جابر عبد الحميد أن معظم اختبارات الذكاء وضعت على أساس النوع الأول وأهملت النوعين الآخرين ، ويوضح ذلك اختبار ثورنديك المعروف CAVD الذى نشره عام 1926 وهو يقيس الذكاء المجرد ، وقد حاول ثورنديك أن يفسر الذكاء فى ضوء الروابط العصبية ، حيث يرى أن الفروق الملاحظة فى سلوك الأفراد ترجع إلى فروق فى عدد الارتباطات العقلية ، وحينما يخطئ الفرد فى تفكيره ، فإن هذا يعني ارتباطاً خاطئاً ، ويفترض ثورنديك أن التدريب ليس له إلا الأثر الضئيل ، أو لا أثر له على القدرة العقلية ، وأن الوراثة لها الأثر الأقوى ، وفى عام 1938 قدم ثرستون Thurstone نظرية لتفسير الذكاء ترفض القول بوجود عامل واحد ، وترى أن هناك عدداً من العوامل العامة ، التى تعبر عن تباينات مختلفة ، تمثل أشكالاً متجانسة من الأداء ، يختص كل منها بصفة تصنيفية واحدة ، أى أن الأداء العقلي يتمثل فى قدرات متعددة ، وتوصلت دراسة ثرستون إلى وجود سبعة عوامل طائفية أطلق عليها القدرات العقلية الأولية وهى : القدرة اللفظية ، القدرة على طلاقة الكلمات ، القدرة العددية ، القدرة التذكرية ، القدرة المكانية ، القدرة الادراكية ، القدرة الاستدلالية ، ولكن نظرية ثرستون تعرضت للنقد ، حيث لم يستخدم محكاً دقيقاً لتحديد الدلالة الإحصائية للعوامل التى توصل إليها ، وبالتالي فإن كثيراً من هذه العوامل تؤثر فيها أخطاء الصدفة ، ومع ذلك فإن بحوث ثرستون كان لها الأثر البالغ فى توسيع مفهوم الذكاء ، وتطوير أدوات قياسه .
أما كاتل Cattel فقد اقترح فرضاً عاماً يتلخص فى أنه لا يوجد فى الميدان العقلي المعرفي عامل واحد وإنما عاملان ، أطلق على الأول " القدرة العامة السائلة وعلى الآخر " القدرة العامة المتبلورة " ، ويرى " كاتل " أن العامل العام الدال على الذكاء المتبلور يتشبع تشبعاً عالياً بالأنشطة العقلية المعرفية ، التى تتبلور فيها الأحكام الذكية ، على هيئة عادات ، أما الذكاء السائل فهو يساعد الفرد على تذكر الاستجابات السابقة ؛ مما يعينه على إصدار أحكام جديدة . وقد وجه كل من جيلفورد Guilford وفرنون Vernon نقداً شديداً لنظرية كاتل على أساس أن التدوير المتعامد يؤكد أن العاملين اللذين يعدهما كاتل من نوع العوامل العامة هما فى الواقع أقرب إلى العوامل الطائفية ، ونلاحظ من جميع النماذج السابقة لبنية العقل أنها استندت إلى مدخل الفروق الفردية ، الذى يهتم بقياس الفروق بين الأفراد فى القدرات ، وليس بتفسير هذه الفروق ، وقد ناقش جيلفورد Guilford الاتجاه الأحادي فى فهم الذكاء ورفضه ، وافترض نموذجاَ للبناء العقلي كنظرية شاملة للذكاء ، من شأنها أن تعطي تفسيراً للفروق الفردية لأداء الأفراد فى القدرة العقلية ، وهذا النموذج يقوم على أساس تصور وجود ثلاثة أبعاد أساسية للبناء العقلي هى: بعد العمليات ، وبعد المحتوى ، وبعد النواتج ، وينتج عن اتحاد العناصر الفرعية لهذه الأبعاد أنوعا مختلفة من القدرات العقلية ، ولكن ثمة انتقادات وجهت إلى نموذج جيلفورد Guilford منها ، عدم اتساق نتائج بحوث جيلفورد وتلاميذه ، مع نتائج الأبحاث التى قام بها باحثون آخرون ، وكذلك عدم التأكد من مدى تداخل القدرات العقلية التى يشملها نموذجه ، ورفضه وجود تنظيم هرمي ، أو تداخل بين عوامل البناء العقلي . ويرى "أيزنك" Eysenk أن نموذج جيلفورد يمكن تبسيطه بعدد من العوامل المتداخلة تتلخص فى :
1- وجود عوامل طائفية مماثلة للقدرات العقلية الأولية عند سرستون .
2- أن هذه العوامل الطائفية بدورها تبرر وجود عامل عام للذكاء ، يماثل العامل العام عند سبيرمان ، وعلى الرغم من أن هذه النظريات قدمت الكثير من المفاهيم التى أثرت البحث التربوي ، وقدمت اختبارات لعبت دوراً محورياً فى التنبؤ بالتحصيل الدراسي للتلاميذ ، مثل اختبار وكسلر واختبار ستانفورد بينيه ، إلا أنه قد وجهت لها انتقادات كثيرة ، حيث جعلت مفهوم الذكاء مقصوراً على الجانب المعرفي فقط ، وأصبح مرادفاً لمفهوم التحصيل ، أو مرتبطاً به بدرجة كبيرة ، ويرى وينبرج أنه على الرغم من النجاح الذى حققته اختبارات الذكاء التقليدية فى مجالات عديدة ، كالتعليم والصناعة وغيرها ، إلا أن معظمها يعد ضعيفاً ، لا يستند إلى إطار نظري ؛ مما دفع الباحثين إلى إهمال دراسة هذا المفهوم ، وصدقه ، وتعريفه الدقيق ، ويؤكد تورجسن (1989 ) Torgesen أن الاتجاهات التقليدية فى دراسة الذكاء وقياسه تتسم بالضعف ، وتثير أمامنا العديد من المشكلات النابعة من عدم قدرتها على كشف العمليات المعرفية التى تكمن وراء الأداء ، وكذلك الفشل فى توضيح طبيعة هذه العمليات ، ويرى فؤاد أبو حطب (1996 ) أنه على الرغم من أن هذه الاختبارات التقليدية للذكاء يمكنها التنبؤ بالتحصيل ، إلا أن مفهوم التحصيل فى ظل هذا الاتجاه يعد من المفاهيم الوصفية وليس التفسيرية ، كما أن هذه الاختبارات لم تفسر لنا الأداء كما ينبغي ، وتركت العديد من الأسئلة بلا إجابة ، ويضيف أرمسترونج Armstrong (1999) أن هذه النظريات اهتمت بدراسة البناء أو الشكل الذى ينتظم فيه العقل الإنساني ، عن طريق الكشف عن العوامل التى يمثلها مفهوم الذكاء ، وكيفية انتظام هذه العوامل فى أشكال متباينة قد تكون على شكل تنظيم هرمي أو مكعب ، كما أنها اقتصرت على دراسة جانب واحد من الذكاء .
ونتيجة لهذا النقد الكبير الذى وجه للاتجاه التقليدي فى دراسة الذكاء ، وكرد فعل لسلبيات هذا الاتجاه ، وما نتج عنه من ممارسات تعليمية خاطئة ، سادت لفترة طويلة من الزمن ، فقد حدث تغير فى اتجاه وأفكار بعض علماء النفس ، وبرزت على السطح اتجاهات أخرى فى دراسة النشاط العقلي الإنساني منها اتجاه الذكاءات المتعددة ، ويرى محمد غازى الدسوقي أن الفضل فى تقديم الذكاءات المتعددة يرجع لفؤاد أبو حطب حيث عرض تصوراً جديداً لأنواع الذكاء ، يتضمن الذكاء الموضوعي ، والذكاء الاجتماعي ، والذكاء الشخصي ، ثم ظهرت نظرية جاردنر للذكاءات المتعددة .
ثانياً : نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر :
انتقد جاردنر Gardner الاتجاه التقليدي فى دراسة الذكاء وقياسه ، ودحض فكرة نسبة الذكاء (IQ) بوصفه عاملاً وحيداً ثابتاً ، وبدلاً من البحث عن مقياس واحد لقياس الذكاء قياساً كمياً حاول جاردنر أن يستكشف الطريقة التى يقيم بها الأفراد فى ثقافات معينة ، وكذلك الطريقة التى يقدم بها الأفراد منتجات مختلفة ، أو يخدمون ثقافاتهم فى قدرات متنوعة ، وقال فى هذا الصدد :
"من أجل تطوير هذه النظرية لم أبدأ بتفحص الاختبارات الموجودة بين أيدينا ، لم أكن مهتماً بالتنبؤ بالنجاح أو الرسوب فى المدرسة ... بدلاً من ذلك كان أول ما ورد إلى خاطري ، أن هناك أنواعاً مختلفة من العقول ، قادتني لأن أختبر الحالات النهائية المتميزة بأكبر قدر من الشمولية ، ثم أسعي إلى التوصل إلى نموذج قد يساعدنا على إحراز تقدم فى تفسير الكيفية التى يصبح بها الكائن الإنساني ذا كفاءة عالية فى هذه الأنواع المختلفة من القدرات ". أى أن طريقة جاردنر لدراسة الذكاء هى أنه يستكشف الطرق التى تقيم بها الثقافات المختلفة الأفراد ، والطرق التى يبتكر بها الأفراد منتجات مختلفة لثقافاتهم . وبالتالي عرّف جاردنر Gardner (2000 ) الذكاء بأنه : " القدرة على حل المشكلات التى تواجه المرء فى الحياة ، أو تقديم إنتاج له أهمية فى جوانب متعددة ، مثل الشعر ، والموسيقي ، والرسم ، والرياضة ... الخ " ، وانحصر نقد جاردنر Gardner(1993) للاختبارات التى أفرزها الاتجاه التقليدي لقياس الذكاء فى أنها :
1- لم تشمل كل جوانب الذكاء ، بل اقتصرت على القدرات الأكاديمية .
2- بها مشكلات تتعلق بتحيز بنودها لثقافات دون غيرها ؛ مما يجعلها مقاييس غير عادلة .
3- تقيس الذكاء فى نطاق أحادي ذى مدى ضيق ، بمعني أننا قد نصف تلميذاً بأنه ذكي / بارع ، وآخر غبي / بليد ، رغم أن كلاً منهما له بروفيل خاص من الذكاءات ، يتفوق فى جانب ، ويصبح ضعيفاً فى جانب ، ويمكن الإفادة من نقاط القوة فى تنمية وتطوير جوانب الضعف لدي المتعلم .
ويمكن توضيح الفرق بين النظرة القديمة للذكاء ونظرية جاردنر كما يلي :
النظرة القديمة
نظرية جاردنر
1- الذكاء ثابت
1- يمكن تطوير الذكاء وتنميته
4- يتم قياس الذكاء من خلال اختبارات الأسئلة والإجابة القصيرة
4- تقييم الذكاءات المتعددة للأفراد من خلال أنماط ونماذج التعلم وأنماط حل المشكلات
3- يستخدم الذكاء لتصنيف الأفراد والتنبؤ بنجاحهم
3- يستخدم الذكاء لفهم الطاقات البشرية والطرق الكثيرة المتنوعة التى يستطيع الأفراد عن طريقها تحقيق إنجازاتهم
2- الذكاء أحادي ؛ فالفرد إما ذكى أو غبي .
2- الإنسان لديه ذكاءات متعددة ، ويتميز فى نوع واحد أو أكثر
يتضح مما سبق أن الذكاء بمفهوم جاردنر ليس موحداً وإنما متعدد ، وأن كل فرد يمتلك ذكاءات متعددة ، وهذه الذكاءات توضح الفروق بين الأفراد ، وأن الاهتمام ليس بدرجة ما يملكون من ذكاء ، وإنما بنوعية هذه الذكاءات .
ويؤكد جاردنر Gardner على أن الأسوياء من الناس قادرون على الإفادة من توظيف جميع ذكاءاتهم ، ولكن الأفراد يتمايزون بصورتهم الذكائية ، فملامح هذه الصورة هى توليفة فريدة من ذكاءات قوية وذكاءات ضعيفة يستخدمونها لحل مشكلاتهم ، أو لتشكيل نواتج عملهم ، ونواحي القوة النسبية هذه ونواحي الضعف تساعد فى تفسير الفروق الفردية .
وعلى هذا فإن الاختلاف بين الأفراد يحدث نتيجة اختلافات كيفية فى قوة كل نمط من أنماط الذكاءات ، وفى طريقة تجميع وتداخل وتحريك هذه الذكاءات عند حل مشكلة ما ، أو القيام بعمل من الأعمال ، فنحن أمام أنماط متعددة للذكاء ، يتعامل كل نمط منها مع لون خاص من الخبرات ، فهناك ذكاء يتعامل مع المكان ، وذكاء يتعامل مع الكلمة ، وذكاء يتعامل مع الأرقام ، وذكاء يتعامل مع الصوت ودرجاته ، وذكاء يتعامل مع الظروف الاجتماعية بمكوناتها المادية والبشرية ..... وهكذا لدينا أنماط متعددة للذكاء .
ثالثاً : أنماط الذكاءات المتعددة :
قدم جاردنر Gardener (1983 ) فى كتابه "Frames of mind" سبعة أنماط للذكاءات المتعددة وهي :
1- الذكاء اللغوي : Lingustic Intelligence :
ويقصد به القدرة على استخدام الكلمات والجمل شفوياً أو تحريرياً بفعالية ، وينطوي هذا الذكاء على حساسية للكلمات ومعانيها ، وللأصوات والمقاطع ، وحساسية لوظائف اللغة المختلفة ، وتوجد بالمخ مناطق مسئولة عن الذكاء اللغوي مثل منطقة بروكا Broca وهى المنطقة المسئولة عن الجمل وتركيبها بشكل سليم ، وإذا حدث تلف فى هذه المنطقة فإن الفرد يصاب بمرض الإفازيا " الحبسة الكلامية ، والتى يصعب فيها على الفرد تركيب الجمل البسيطة، كذلك يوجد بالمخ منطقة فرنك Frank وهى المنطقة المسئولة عن فهم الكلام المسموع.
ويضم الذكاء اللغوي قدرات أربع هى :
أ- الاستعمال البلاغي للغة : وتستخدم عندما نريد إقناع الآخرين بشئ ما .
ب- الاستعمال التوضيحي للغة : وتشمل إعطاء التفسيرات المختلفة ، لتوضيح أمر ما .
جـ- تذكر المعلومات والتعبير عنها بطلاقة .
د- تحليل ما وراء اللغة : وذلك باستخراج المعني المقصود من الكلام الذى يحمل أكثر من معني .
2- الذكاء المنطقي الرياضياتي : Logical Mathematical Intelligence :
ويقصد به القدرة على استخدام الأرقام بكفاءة ، وكذلك القدرة على التفكير المنطقي ، والمناقشة السليمة للأمور ، وتنظيم العلاقات السببية ، ويتضمن هذا النوع من الذكاء الحساسية تجاه التعبيرات العلاقية مثل : إذاً ، عندئذ ، لهذا السبب ... الخ ، ويرتبط بهذا الذكاء عمليات تخدمه ، كالتصنيف ، والوضع فى فئات ، والتعميم ، وفرض الفروض ، والتنبؤ .
3- الذكاء المكاني البصري : Spatial Visual Intelligence :
ويقصد به القدرة على إدراك العالم البصري المكاني داخلياً – فى ذهن الفرد – بكفاءة وبصورة منظمة ، وكذلك القدرة على تشكيل الفراغات والمسافات ، والحساسية للألوان والخطوط والأشكال والحيز ، والعلاقات بين هذه العناصر .
4- الذكاء الجسمي الحركي : Bodily – Kinesthetic Intelligence :
ويقصد به قدرة الفرد على استخدام حركات جسمه ، للتعبير عما لديه من أفكار ، أو انطباعات ، أو أحاسيس ، أو خبرات ، بسرعة ومهارة وتناسق ومرونة ، والمنطقة المسئولة عن هذا الذكاء هى منطقة المخيخ والكتلة العصبية الأساسية والقشرة الحركية .
5- الذكاء الموسيقي :Musical Intelligence :
ويقصد به القدرة على استقبال الأصوات والنغمات ، وتمييزها ، والتعبير عنها ، والإحساس بوقعها ونوعها ، والتفاعل معها ، ويتضمن الحساسية لاتساق الأصوات والألحان والأوزان الشعرية ، والتناغم ، وجرس الأصوات وإيقاعها ، كما يتضمن الاستمتاع بالنغمات والإيقاعات المختلفة .
6- الذكاء الاجتماعي أو الذكاء فى العلاقات مع الآخرين : Inter personal Intelligence
ويقصد به القدرة على إدراك الحالة المزاجية للآخرين ، والتمييز بينها ، وإدراك نواياهم ودوافعهم ، ومشاعرهم ، والتصرف بلباقة فى ضوئها ، ويعتمد هذا الذكاء على حساسية الفرد وفهمه لتعبيرات الوجوه والأصوات والحركات ، والاستجابة لها بما يناسبها ، لضمان التأثير الجيد فى الآخرين ، وتوجيه سلوكهم بصورة سليمة .
7- الذكاء الشخصي الداخلي أو الذكاء الضمنشخصي Interapersonal Intelligence :
ويقصد به قدرة الفرد على فهم نفسه وباطنه ، وأن تكون لديه صورة دقيقة عن جوانب قوته وقصوره ، ودوافعه ورغباته ، وأمزجته ومقاصده الداخلية ، والتصرف بشكل يتفق مع هذا الفهم ، بما يساعده على ضبط تصرفاته واتزانها .
ثم أضاف جاردنر Gardner (1993 ) نمطاً ثامناً للذكاء وهو :
8- الذكاء الطبيعي : Naturalist Intelligence :
ويقصد به قدره الفرد على تعرف النماذج والأشكال فى الطبيعة ، أى قدرة الفرد على فهم الطبيعة ، وما بها من حيوانات ونباتات ، ويتضمن الحساسية لمناظر الكون الطبيعية كالسحب والصخور .
بالإضافة إلى هذه الأنماط الثمانية فإن جاردنر Gardner ترك الباب مفتوحاً لإضافة المزيد من الذكاءات ، بشرط أن تخضع لنظام صارم من المعايير ، التى تؤهلها لأن يصدق على كونها ذكاء . وهذه المعايير هي :
1- إمكانية عزل الذكاء نتيجة تلف الدماغ : وقد استدل "جاردنر" على ذلك بأنه فى أثناء عمله فى إدارة المحاربين ، أصيب بعض الأفراد فى مناطق معينة من المخ ، واكتشف أن تلك الإصابات كانت سبباً لتوقف الفرد عن أداء أنشطة معينة ، مما يعنى أن التلف الدماغي فى منطقة معينة أتلف ذكاءً معيناً تاركاً الذكاءات الأخرى سليمة ، فمثلاً الفرد الذى تعرض لتلف فى منطقة Broca نجده يعاني صعوبة فى التحدث والقراءة والكتابة ، ومع ذلك يظل قادراً على القيام بالعمليات الحسابية والحركية والاستجابة للمشاعر ، والتعامل مع الآخرين .
2- وجود العلماء والعباقرة وأفراد الفئات الخاصة : فقد أظهر العلماء والعباقرة قدرات فائقة فى نمط من أنماط الذكاء ، بينما تعمل الأنماط الأخرى عند مستوى منخفض ، فالعالم Raymond – عالم الرياضيات – كانت له قدرة رياضية عالية ، ومع ذلك قدرته على التفاعل ضعيفة ، وأداؤه اللغوي منخفض ، وينقصه الاستبصار فى حياته .
3- المسار التطوري المتميز لنمط الذكاء : يري جاردنر أن لكل ذكاء مساراً تطورياً فى حياة الفرد ، من حيث بداية ظهوره ، والوصول لوقت الذروة ، ثم بداية الانحدار ، فمثلاً الذكاء الموسيقي يمكن أن يصل إلى مستوى عالٍ من الكفاءة فى سن مبكرة ، ويبقي صامداً مع التقدم فى العمر ، فى حين أن الذكاء الرياضياتي مثلاً له مسار تطوري مختلف إلى حد ما.
4- الجذور التاريخية الجديرة بالتصديق : يري جاردنر أن كل ذكاء من الذكاءات التى أقرها له جذور عميقة فى تاريخ الإنسانية ، فرسوم الكهوف مؤشر على تواجد الذكاء المكاني لدى الإنسان منذ الأزل ، والذكاء الموسيقي يمكن إرجاعه إلى الشواهد الأثرية ، التى توجد فى الأدوات الموسيقية القديمة ، وكذلك التنوع الهائل لأغاني الطير ، وهكذا فكل ذكاء له جذور تاريخية جديرة بالتصديق .
5- الدعم من النتائج السيكومترية : توفر المقاييس المقننة – التى تستخدمها نظريات الذكاء ونظريات أساليب التعلم – تأكيداً على صدق الأنماط التى أقرها جاردنر للذكاءات ، وعلى الرغم من أن هذه المقاييس تقيم الذكاءات المتعددة على نحو خارج السياق ، بشكل واضح إلا أنه يمكن الاستعانة بها لتدعيم النظرية ، مثل مقياس وكسلر للأطفال ، ومقياس فاينيلاند للنضج الاجتماعي ، وقائمة كوبر سميث فى احترام الذات .
6- الدعم من المهام السيكولوجية ، حيث كشفت الدراسات النفسية عن صعوبة تحويل مهارة معينة من مجال إلى مجال آخر ، فمثلاً يصعب تحويل مهارة القراءة إلى مهارة فى مجال الرياضيات ، كما أشارت الدراسات أيضاً إلى وجود أفراد لديهم قدرات خارقة فى تذكر الكلمات ، بينما يفتقدون القدرة على تذكر الوجوه ، وهناك أفراد آخرون لديهم إدراك حاد للأصوات الموسيقية ، وليس للأصوات اللفظية ، وهذا يؤكد تعدد الذكاءات .
7- التميز بمجموعة من العمليات المحورية : يري جاردنر أن لكل ذكاء مجموعة من العمليات التى تدفع الأنشطة المتعددة الفطرية المرتبطة بهذا الذكاء لكي تقوم بوظيفتها ، فمثلاً الذكاء الموسيقي يتضمن الحساسية لطبقة الصوت ، والقدرة على التمييز بين الإيقاعات المختلفة ، بينما الذكاء الحركي يتضمن القدرة على تقليد الحركات الجسمية للآخرين ، ثم الممارسة فالإتقان ، وهكذا بالنسبة لكل نمط من الأنماط التى أقرها جاردنر ، فلا بد أن يتميز بمجموعة من العمليات المحورية الخاصة بهذا الذكاء ، لكي يضاف لقائمة الذكاءات.
8- قابلية الذكاء للتحول إلى رموز أو أنظمة رمزية : وهذا النسق الرمزي تحدده الثقافة التى يعيش فيها الفرد ، فالذكاء اللغوي يتم تشفيره بتحويله لصورة لغوية لها قواعدها ، والذكاء الموسيقي يتم تشفيره فى صورة صوتية ، والذكاء الحركي يتم تشفيره فى صورة حركية، مثل لغة الإشارة ، ولغة برايل ، وهكذا فكل ذكاء له أنظمته الرمزية الخاصة به .
ومع التسليم بتعدد الذكاءات لدي كل فرد فلابد أن هناك آلية لكيفية عمل هذه الذكاءات .
ساحة النقاش