العـــدوان فى العصر الحديث  Aggressive

        إن عالم اليوم يسوده التصارع والتناحر ، عالم تعيش فيه كائنات امتازت بالعدوان ، بل أنه أثبت من دراسات عديدة أن الإنسان هو الحيوان الفقاري الذي يكون الوحيد بين الفقاريات باستثناء بعض القوارض الذي يدمر أفراد جنسه تدميراً بل وتمتلكه النشوة والتلذذ حين يفتيهم أو يؤذيهم أو يلحق بهم ضرراً جسيماً مادياً أو نفسياً معنوياً ، بل وتبدو الحقيقة المؤلمة في أن الإنسان أقسى الحيوانات التي عاشت على ظهر الأرض وأشدها ضراوة ، بل وعنفاً حين يعتدي الفرد على الفرد ، فهو لا يشبع إلا إذا أهلك عدوه ومثل به أشد تمثيل ودمره تدميراً بشعاً ، والعدوان ظاهرة عامة بين البشر يمارسها الأفراد بأساليب متعددة متنوعة ، وتأخذ صوراً من التنافس في العمل والتجارة والتحصيل أو تعبيراً بالألفاظ أو عدواناً بالجسم أو إهلاكاً أو إحراقاً أو إتلافاً لما يحب البشر ويتمنى ، وهو مظهر سلوكي يأخذ طريقه ما إلى التعبير الفردي أحياناً ، أو التعبير الجماعي أحياناً أخرى ، فالأفراد يتصارعون ويعتدون ، والدول تتصارع فيما بينها والقبائل من الرحل تعتدي على جارتها .

 

        وبذلك فالعدوان في العصر الحديث يمثل ظاهرة سلوكية واسعة الانتشار تكاد تشمل العالم بأسره ولم يعد العدوان مقصوراً على الأفراد وإنما اتسع نطاقه ليشمل الجماعات والمجتمعات ، بل ويصدر أحياناً من الدول والحكومات ، ولم تفلت الطبيعة من شر العدوان المتمثل في ابادة بعض عناصرها أو تلويث البعض الآخر ، وسواء كان التعبير عن هذا السلوك بالعنف أو بالإرهاب أو بالتطرف فإنها جميعاً تشير إلى مضمون واحد هو العدوان ، والعدوان معروف وملاحظ في سلوك الطفل الصغير ، وفي سلوك الراشد وفي سلوك الإنسان السوي والإنسان المريض وإن اختلف في الدوافع والوسائل والأهداف والنتائج .

 

        وإذا كان العنف الجماعي هو أخطر أنواع العنف لأنه يضع المصير البشري كله فوق ورقة جافة ، وسط عواصف الصراع الدائم والحروف اليومية ، وتختزل هذه الصورة في طرقها ليبدو العنف الفردي والعدوان نواة صغيرة تتجمع مع نوايا أخرى في شكل جماعات وقبائل وطوائف وأحزاب ونظم وحكومات ، لتبدو تلك النواة المشلولة في إطارها الفردي المعزول وقد خرجت من شرنقتها في إطار المجموعة لتضع قراراتها الأخطر فتقتل أو تحرق أو تعتدي أو تدمر ، فهي في وحدتها مترددة وفي جماعاتها متمردة ، ويعزوها كل من " لام كوجان " (1970) إلى أن الميول الغريزية لدى الإنسان ، فالفرد في إطار ذاته أضعف من كونه وسط مجموعة يشعر بينها بالأمن وهو يقرر ويتملص من المسئولية الفردية ليحيلها للجماعة لتذوب في المسئولية الأكبر  .

 

        والعنف الفردي يعايش الكل يومياً في البيت وفي الشارع وفي العمل ، ومارسه الجميع أطفالاً ورجالاً وشيوخاً ، يفعله الرضيع وهو يصرخ بحثاً عن الغذاء وهو يعض ثدي أمه كالنمر وهو يطارد غزالاً  بريئاً ثم ينقض عليه ويعمل فيه مخالبه ، كالرجل وهو يقتل زميلاً له أو يعتدي على امرأته ، كالمرأة تصرخ وتشتم وهي تضرب رأسها بالحائط بدلاً من رأس زوجها ، أي توجه عدوانها نحو نفسها ، كالمرضى النفسيين والعقليين الذين يهتاجون أو يعتدون على أنفسهم بالانتحار أو ضد الآخرين قبل أن يهوا حياتهم ، أو كشاب يسخر من فلاح عجوز في باص وثير ضحكات الآخرين على انبهاره بالمدينة .

 

        ويشير " ستور " (1975) أن العدوان يعد وسيلة هامة لإثبات الطفل لذاته وضرورية لنموه وتحقيقه للسيطرة واستكشاف الحياة ، لكن ما يجعل منه مشكلة هو كون هذا الدافع الطبيعي يحد بطريقة محبطة مما يكبت هذه الطاقة ويؤدي إلى تكوين مخزون من العدوان المكبوت داخل الطفل .

 

        فالسلوك العدواني الذي يصدر من الأفراد إنما يعد في أحد المستويات نوعاً من التفعيلات المرضية نظراً للتأثيرات السلبية المترتبة على ذلك في مجال العلاقات التفاعلية الإنسانية ، لذا يميل البعض إلى المزاوجة بين مصطلح العدوان ومصطلح الاجتماعية في مفهوم واحد وهو العدوانية الاجتماعية وهي تلك التي يترتب عليها إلحاق الأذى والضرر بالآخرين وذلك للتفرقة بينهما وبين العدوانية الذاتية ، تلك التي تعود أضرارها بالدرجة الأولى على الشخص المعتدي والتي تصل قمتها في حالات الانتحار أو إيذاء النفس بصورة أو بأخرى حيث يكون الفرد هو المعتدي والضحية معاً .

 

        ويشير ناجى داود إلى أن الطاقة العدوانية أصبحت اليوم في تزايد ملحوظ ، يلاحظها المعلم من خلال ملاحظته لسلوكيات الطلاب ويدركها الأب من خلال تمرد أبنائه ويواجهها القائد من خلال ردف عل مرءوسيه ويعايشها كل فرد من خلال تعرضه لمواقف محرجة ومحبطة تعتري حياته .

 

        فالعـدوان أصبح اليوم سمة يتميز بها الضعيف والقوي ، يحاول فيها الضعيف إثبات مكانته ويحاول القوى استخدام سلطته وقوته في تحقيق رغباته من خلال انفعالاته القوية .

 

        وتجدر الإشارة هنا إلى أن الانفعالات مترابطـة ومتداخلة ، فالانفعال يولد انفعالاً آخر أو يقويه ، والفشل يقوي الإحباط ، والإحباط يؤدي إلى العدوانية والأشخاص يختلفون في استجابتهم للانتقاد والسخرية والاستهزاء ، فمنهم من يسكت على مضض ، ومن يوجه عدوانيته إلى ذاته ومنهم من يقابل ذلك بفلسفة هادئة مفادها أن نباح الكلب لا يضر السحاب ومن يثور ويرد الكيل بالكيل ، لأنه يعتبر ذلك بالفعل تهديداً لمكانته وكيانه ، ونجد أحياناً أن الخيبة والفشل قد يؤديان إلى الكراهية والغضب وهذان الانفعالات يدفعان المرء إلى العدوانية ، وقد تؤدي العدوانية إلى الكآبة والندم والشعور بالذنب عندما يكتشف المعتدي أنه أخطأ فيما فعل وأنه قد خسر نتيجة ذلك مركزه وفقد سمعته .

المصدر: جزء من دراسة للباحث ناجى داود إسحاق
Nagydaoud

مع اطيب امنياتى بحياة سعيدة بناءة من اجل نهضة مصر

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
8 تصويتات / 705 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2011 بواسطة Nagydaoud

ساحة النقاش

دكتورناجى داود إسحاق السيد

Nagydaoud
هدف الموقع نشر ثقافة الارشاد النفسى والتربوى لدى الجميع من خلال تنمية مهارات سيكولوجيا التعامل مع الاخرين ، للوصول إلى جودة نوعية فى الحياة مما ينعكس على جودة العملية التعليمية مما يساهم فى تحقيق الجودة الشاملة فى شتى المجالات للارتقاء بوطننا الحبيب ، للتواصل والاستفسارات موبايل 01276238769 // 01281600291 /nnng75@hotmailcom »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

883,540