الإنجاز العدواني : Aggressive Achievement

  إن حياة الإنسان سلسلة متصلة من التوافقات البيولوجية والاجتماعية والسيكولوجية ، فهي تسعى إلى تحقيق أقصى درجات السعادة والكفاية بإشباع حاجاته البيولوجية والاجتماعية والسيكولوجية ، ويقتضي هذا الإشباع تفاعلاً مستمراً مع من يحيطون به ويتعاملون معه ، فإذا كان التفاعل ناجحاً حقق الفرد إشباع حاجاته وتحقيق التوافق السليم ، وبذلك يتجه الفرد إلى تحقيق هذا التوافق مرة أخرى بمختلف الطرق تبعاً للسلوك الذي يتبعه الفرد عندما يعجز عن تحقيق هذا التوافق عن طريق التفاعل السليم في مجتمعه .

 

  فأهم سمات المجتمع الإنساني هو التغير والدينامية ، فلا نجد أي مجتمع على وجه الأرض وعلى مرور التاريخ قد ثبتت أنساقه المختلفة على صورة واحدة ، فكلمة مجتمع تدل على كيان مترابط ومتفاعل من الأنساق السياسية والاقتصادية والتعليمية والدينية والثقافية ، وهذا الترابط والتفاعل بين هذه الأنساق هو الذي يعطي المجتمع تميزه وخصوصيته .

 

  وإذا كنا ندعي بأن حركة المجتمع حركة كبرى وكلية لا نكاد نلحظها ، فعلينا أن نقر بحقيقة أن الفرد هو عامل التغير (1) ومقياسه في آن واحد أي أن الفرد هو مفتاح التغير ودالة حركة التغير في المجتمع ، وإذا أردنا أن نقوم درجة التغير ومداه علينا أن نقوم أولاً سلوكيات الفرد وتصرفاته .

  حيث يختلف سلوك الناس حيال ما يعترضهم من عقبات ومشكلات ، اختلافاً كبيراً ، فمنهم من يمضي في التفكير والتقدير وبذل الجهد للخروج من المأزق حتى إن كان في حالة من التوتر ، ومنهم من يسارع إلى الاستسلام والتخاذل على الفور ، ومنهم من يضطرب ويختل ميزانه بعد محاولات تطول أو تقصر ، فإذا به قد أصبح منبهاً للغضب أو الذعر أو الخزي وغير ذلك من المشاعر التي تنجم عن الفشل والإخفاق ، وبدل أن يتجه بجهوده إلى حل المشكلة إذا به يلجأ إلى طرق وأساليب معوجه أو ملتوية متطرفة تنقذه مما يكابده من توتر وتأزم نفسي ، وهي أساليب ربما تساعده على تحقيق هدفه الذي عجزه عن تحقيقه من قبل .

 

  هذا الهدف الذي كانت هناك عوائق كثيرة تقف أمامه منها المرض والعناء والتردد في الحكم والإهمال ، والتعلق بالدنيويات والتلبس بالآراء الخاطئة وقلة الإمكانيات ونقص القدرات ، وهي جميعها تؤدي إلى الحزن واليأس والعصبية والتنفيس غير المنتظم مما يجعل الفرد أكثر انشغالاً وتفكيراً ، فيلجأ إلى استخدام أساليب مختلفة غير قانونية أحياناً لكي يواصل بها تحقيق أهدافه .

   وهذه الأساليب الملتوية ، غير القانونية ، تستخدم خاصة في ظل ظروف مجتمع ينمو ويأخذ بأساليب التنمية حيث أن فرص النجاح يصاحبها دائماً ويسير معها فرص الفشل والانهيار .

 

  فالبحث عن الثروة وتحقيق الذات لايسيران دائماً جنباً إلى جنب مع الأخلاق الفاضلة والقيم والمثل العليا ... ، بل أحياناً ما يجبر الطمع والجشع الكثير من الأفراد على نهج طرق شاذة وغير قانونية لكي يسرعوا في النجاح المزيف والحصول على الثروة وتحقيق التفوق بطرق غير مشروعة وغير مشرفة .

 

  ويؤدي بحث الإنسان عن هذا النجاح بطرق غير مشروعة إلى توتر ضار له وللآخرين وهذا ما جعل عالم الاجتماع البروفيسور ( كريستوفر جنكز Christopher Jencks) يقول : أنه طالما  يتزاحم الناس نحو النجاح فإن الصعود للقمة ليس طريقاً موعوداً ، فالمنافسة تخلق الغيرة والمرارة وسوء الأخلاق .

  ويشير الباحث إلى أن هذه الغيرة وسوء الأخلاق تجعل الفرد مضطرباً في التفكير ويحاول إيجاد حلول لمشاكله بأي طرق بغض النظر عن موقفه أمام الناس ، فالهدف أمامه هـو الخروج من المأزق وتحقيق الهـدف بأي وسيلة تمكنه من إعادة التوازن مرة أخرى حتى لو كان هذا التوازن وقتي ، ويلجأ إلى تحقيق هدفه عن طريق استجابة غير مشروعة تجاه تلك المواقف والمهام والصعوبات والعوائق والمشكلات التي تواجهه ، عندما تعاق أو تحبط الطرق المشـروعة لديه أو يفشل في مواجهته لهذه المشكلات بالطرق المشروعة الميسرة ، أو لنقص قدرات وإمكانيات الفرد وهو ما نطلق عليه في هذه الدراسة مصطلح (الإنجاز العدواني (1)) وهو يشير إلى حصول الفرد على شئ مشروع بطريقة غير مشروعة

ـــــــــــــــــــــــــــ

أي تحقيق ما يصبو إليه الإنسان بما لا يتفق مع الدين والقيم والعادات والتقاليد واللوائح والقوانين ، حيث أن الحياة في تطور وتغير مستمر ، والإنسان كتلة من الطاقة والحيوية والانفعالات ، له مزاجه وتفكيره وتؤثر في تصرفاته عوامل متغيرة ومتعددة ، وهو يركز على ما يضمن له الأمن والارتقاء ، ويبعد عنه الخوف (1) والضرر ، وله غرائز وطموحات ومطالب وأهداف ، وهو يعيش وسط أناس قد يساعدونه وقد يعرقلونه ، وتخضع أعماله لأنظمة وقوانين تشجعه أو تقيد حريته ، كما يواجه باستمرار اختيارات ومواقف تمكنه من القيام بتجارب جديدة قد تؤدي إلى تحسين وضعه واكتساب معارف وخبرات جديدة ، وقد يختار ألا يقدم على هذه التجارب لما فيها من مغامرة وشكوك فيفضل التراجع والانعزال .

 

  هذا التراجع والانعزال يعمل على تقيد حرية الفرد أحياناً من خلال انسحابه من المواقف المختلفة والمنافسة وتحقيق الذات وسد حاجاته ، بينما يدفعه في اتجاه آخر إلى الفكر البديل والطاقــة المتحركـة والسبل المقترحة لتحقيق ذاته من خلال ما نطلق عليه  " الإنجاز العدواني " .

 

   ويرى الباحث أن مصطلح " الإنجاز العدواني " يعد اليوم بمثابة بؤرة اهتمام وانطلاقة جديدة ، ييسر للفرد مهامه ، ويبرر له مواقفه معتمداً في ذلك على أساليب متنوعة يتعامل بها المجتمع أو تمارسها فئة من الناس في ظل إمكانياتهم البشرية أو المادية أو العقلية التي تسهل لهم استخدام طرق ملتوية غير ظاهرة أمام أعين الناس غالباً ، حتى يصلوا إلى تحقيق آمالهم وطموحاتهم وتحقيق أهدافهم ليعلن لهم " إنجازاً " أو أن يصلوا إلى ما يمكن أن يصل إليه الآخرون الأكثر تفوقاً وربما يتفوقون عليهم ويحصلوا على درجات ومراتب ومناصب وانتصارات وسجلات أفضل من هؤلاء الأفراد الأكثر تفوقاً بسبب نهجهم لهذه الطرق غير القانونية الميسرة لهذه الأهداف .

 

    فالإنسـان يسعى منذ ولادته إلى إشباع حاجاته الفسيولوجية مثل الجوع والجنس والأمن ، والابتعـاد عن الألم والحصول على اللذة ، كما يسعى إلى إشباع حاجات معنوية منها نيل الحب والعطف ورضا الأشخاص المهمين في حياته ، والانتساب إلى مجموعة من الناس وكسب احترامهم وتقديرهم ، وبصورة عامة يسعى إلى النجاح والتفوق والسعادة في الحياة .

ـــــــــــــــــــــ

(1) Fear

 ولكن ما أن يبلغ الإنسان رشده ويشتد سـاعده حتى يجد نفسه مضطراً للعمل والسعي لكي يحقق ما يهدف إليه ، فهو يلاقي عوائق مادية مثل نقص المال ، أو ما يقوم مقامه ، واللباس والسكن والضروريات المادية المتعددة ، وقد يعاني أحياناً من عوائق ذاتية تعرقل مساعيه ، كأن يولد وهو ناقص الذكاء أو مصاب بعاهة ما أو يصاب بنقص خلال حياته نتيجة عنصر وراثي أو حادث إصابة بعد الولادة ، وربما عارضت أهدافه عراقيل حضارية كانتسابه إلى عائلة أو أقلية معينة أو عدم تقبله للنظام أو الديانة السائدة ، أو ثورته على الوسط أو نوع العمل الذي حصل عليه أو عراقيل يضعها في طريقه منافسوه وأهل مهنته وقد تؤدي هذه العراقيل إلى عوائق نفسية كأن يشعر المرء بالذنب أو بصراع أخلاقي نفسي يهدد طاقته ويبلبل أفكاره ويجعل سلوكه منحرفاً وحياته متوترة .

  وبذلك يتجه الفرد عندما يحبط مسعاه إلى الطرق غير المشروعة لسد احتياجاته المختلفة ومحاولة إبعاد العوائق بمختلف الطرق للحصول على اللذة وإبعاد كل ما هو مؤلم وهو بذلك يلجأ إلى تحقيق ذلك عن طريق الأساليب المختلفة الملتوية ومختلف الطرق غير المشروعة لكي يواصل توافقه أو يحقق معايير الامتياز والتفوق التي عجز عن الوصول إليها من قبل بالطرق المشروعة وهو ما نطلق عليه الإنجاز العدواني أي الحصول على شئ مشروع بطريقة غير مشروعة .

 

مفهوم الإنجاز العدواني (1) :

    يعرفه " مصطفى حسين باهى ، أميمة أنور عقدة " ، هو تحقيق أهداف مشروعة كالفوز في المنافسات أو النجاح في الدراسة بطرق غير مشروعة .

 

التعريف الإجرائي للإنجاز العدواني :

   يعرف الباحث الإنجاز العدواني بأنه يتمثل في الحصول على شئ مشروع بطريقة غير مشروعة أي تحقيق ما يصبو إليه الإنسان بما لا يتفق مع الدين والقيم والعادات والتقاليد واللوائح والقوانين .

ـــــــــــــــــــــ

(1) Aggressive Achievement Concept

        بمعنى أنه عبارة عن استجابة غير مشروعة من قبل الأفراد اتجاه المواقف والأحداث والمهام والأعمال والمشكلات والصعوبات التي تواجههم عندما تعاق أو تحبط الطرق المشروعة لديهم ، أو لنقص قدرات وإمكانيات واستعدادات الأفراد ، وينتج عن هذه الاستجابة غير المشروعة تحقيق الهدف المراد تحقيقه عن طريق الطرق المشروعة بالرغم من عدم توافق هذا الإنجاز مع قدرات الفرد مما يسبب إحباطاً لأقرانه الأعلى مستوى منه قد تدفعهم إلى المجاراة (التقليد) أو العدوان .

 

   وتختلف هذه الطرق والاستجابات غير المشروعة بالنسبة لكل من اللاعبين وغير اللاعبين وباختلاف المجال الذي ينتمي إليه الفرد سواء كان مجال رياضي أو ثقافي أو علمي أو اقتصادي أو سياسي أو فني أو صناعي أو تجارى ... الخ .

 

   وتتمثل الطرق غير المشروعة المستخدمة والممارسة من قبل اللاعبين في مخالفة القوانين الرياضية واستخدام أساليب المكر والخداع ، وإهدار الوقت ، والاستفزاز للخصم من وراء أعين الحكام ، كما أيضاً تتمثل في تناول اللاعب للمنشطات وتمثيل الإصابة لتضليل الحكام والألعاب البهلوانية المثيرة للخصم ، كذلك تتمثل في استخدام المدربين للتزوير والخداع والغش في سن اللاعبين ، بالإضافة إلى محاولة اشتراك لاعبين غير مسجلين في الاتحادات والبطولات والمنافسات المختلفة الرسمية بأسماء لاعبين مسجلين وأقل مستوى منهم ويحسم الإنجاز للاعبين المسجلين غير المشتركين والمدربين نتيجة لاجتياز اللاعبين المسجلين شروط الاشتراك فقط والفكر الخادع والبديل الذي يستخدمه المدرب لكي يحقق له إنجازاً .

 

   كما أيضاً يتضمن الإنجاز الذي يتحقق عن طريق العدوان الشديد على الخصم ومحاولة الانتقام منه وإلحاق الأذى به ، كما في بطولات المصارعة والملاكمة وبعض الألعاب الرياضية التي تتسم بالعنف وخاصة المصارعة الحرة ، فالفرد يحقق إنجازا ولكن باستخدام القسوة والعنف حتى لو أمكن إلحاق الأذى والقضاء على الخصم باستخدام مختلف الطرق غير المشروعة إذا أمكن له ذلك ليحسم له إنجازاً .

 

    بينما تتمثل الطرق غير المشروعة لدى غير اللاعبين في مختلف المجالات في استخدام أساليب الغش والخداع والتزوير والعنف والتهديد والاستفزاز الجنسي والتلاعب بالألفاظ ، واستغلال المواقف للوصول للقمة والتفوق والعمل على نسب أعمال الآخرين إليهم ، والتفوق على الأقران على حساب الآخرين ومن ثم الإعلاء والتسامي وإثبات الذات ووضع القرارات ولكن بطرق غير مشروعة في مختلف المجالات ،  يعد هذا إنجاز عدواني غير متوافق مع قدرات الفرد صاحب هذا الإنجاز ويمكن أن تشبه بما نطلق عليه الثراء المفاجئ باستخدام طرق غير مشروعة .

المصدر: بعض المتغيرات النفسية وعلاقتها بالإنجاز العدوانى رسالة ماجستير منشورة بكلية الاداب جامعة المنيا 2005 للباحث ناجى داود اسحاق
Nagydaoud

مع اطيب امنياتى بحياة سعيدة بناءة من اجل نهضة مصر

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 219 مشاهدة
نشرت فى 15 مايو 2011 بواسطة Nagydaoud

ساحة النقاش

دكتورناجى داود إسحاق السيد

Nagydaoud
هدف الموقع نشر ثقافة الارشاد النفسى والتربوى لدى الجميع من خلال تنمية مهارات سيكولوجيا التعامل مع الاخرين ، للوصول إلى جودة نوعية فى الحياة مما ينعكس على جودة العملية التعليمية مما يساهم فى تحقيق الجودة الشاملة فى شتى المجالات للارتقاء بوطننا الحبيب ، للتواصل والاستفسارات موبايل 01276238769 // 01281600291 /nnng75@hotmailcom »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

866,906