فيما دفعت به أوضاع أسرته المادية المتردية إلى سوق العمل، لينخرط في مهنة تصنف وفق وزارة العمل تحت بند "المهن الخطيرة"، فإنه لم يحقق طموحات ذويه، ليكون عونا لهم على حياة، هي "صعبة بكل المعايير".
فخالد (14 عاما)، قضى بعد 20 يوما فقط، من انخراطه في ورشة حدادة بالرصيفة بحادث عمل، أوقفت الأجهزة الأمنية على إثره مالك الورشة، وتؤكد مصادر مقربة من عائلته "عدم نية الأسرة التقدم بشكوى باعتبار الحادث قضاء وقدرا".
والطفل الفقيد، وفقا لمصادر مقربة من العائلة، هو ابن لأسرة تعيش في منزل من غرفتين بلا نوافذ، مكونة من الوالدين وستة أطفال، ويعمل الأب عامل مياومة بدخل غير ثابت، فيما الطفل المتوفى هو أكبر أبنائه وكان يعول عليه لمساعدة الأسرة في تحمل عبء الحياة وتكاليفها.
وفيما تم تحويل جثمان الطفل إلى عيادات الطب الشرعي في مستشفى الأمير فيصل، فقد بين أخصائي الطب الشرعي
د. رجائي الشوحة، أن تقرير الطب الشرعي أظهر "أن سبب الوفاة الخنق بالرباط".
وكان الطفل لحظة الحادثة "يرتدي وشاحا في عنقه، علق في آلة الخراطة، التي كان يعمل عليها، ما أدى للاختناق والوفاة"، وفقا للشوحة.
من جهتها، رصدت لجنة تفتيش وزارة العمل العديد من المخالفات في الورشة، بحسب مدير التفتيش فيها أيمن الخوالدة، والذي بين لـ"الغد" انه "فور وصول بلاغ للوزارة بالحادثة توجهت لجنة التفتيش الى الموقع". وقال "وفقا لقانون العمل يمنع بأي شكل من الأشكال تشغيل الاطفال دون سن 16 عاما، ويمكن تشغيل الأطفال بالفئة العمرية بين 16 - 18 عاما، في مهن محصورة، وضمن شروط محددة، وساعات عمل لا تتجاوز 6 ساعات".
وتابع ما حدث مع الطفل خالد كان فاجعة، فهو يعمل في مهنة تصنف "خطرة" بحسب القوانين، إضافة لوجود مخالفات أخرى، تتعلق بضعف التدريب وعدم وجود زي مناسب للعمال.
وأضاف الخوالدة: "نحن ما نزال في مرحلة التحقيق، أما العقوبة وفقا للقانون فتصل إلى غرامة 1000 دينار عن كل مخالفة، إضافة الى إغلاق الورشة أو ايقافها عن العمل".
وفيما إذا كانت العقوبات تنص على حبس صاحب العمل، قال الخوالدة إن "قانون العمل لا ينص على الحبس في حالات الوفاة، لكن كون تشغيل الحدث تسبب بالوفاة فإن مسؤولية جزائية تترتب على ذلك".
وبحسب المعلومات الواردة الى "الغد" فإن صاحب الورشة تم توقيفه بتهمة التسبب بالوفاة.
وحول اجراءات الوزارة لمكافحة عمل الأطفال، قال الخوالدة إن "الوزارة ضبطت خلال جولاتها التفتيشية العام الماضي حوالي 950 طفلا عاملا بشكل مخالف".
وتابع "في حالات الضبط يتم اتخاذ اجراءات بحق صاحب العمل وتغريمه، كما يتم إعادة تأهيل الأطفال من خلال مركز الدعم الاجتماعي، لتشجيعهم للعودة للمدارس، فضلا عن جلسات التوعية للأهالي بمخاطر عمل الأطفال".
وبحسب الخوالدة فإن "الوزارة تعتمد اجراء دراسة جديدة لرصد أعداد الأطفال العاملين، خصوصا انه بحسب آخر مسح في العام 2007 كان العدد 32 ألف طفل".
وتابع "نتوقع ان يكون العدد قد تضاعف اليوم، خصوصا مع أزمة اللجوء السوري"، مشيرا إلى نتائج مسح لبعض المناطق قامت به الوزارة العام الماضي لقطاعات الزراعة والميكانيك والحدادة والنجارة، تبين خلالها ان الأطفال السوريين يشكلون 50 % من مجموع الأطفال العاملين في الأردن.
وكان العام 2012 شهد أيضا حادثة مماثلة، لطفل يبلغ من العمر 12 عاما، أصيب بشلل في أطرافه الأربعة، إثر تعرضه لإصابة عمل، أثناء نقله لمعدات ثقيلة في أحد المحال التجارية.
وتعرض الطفل حينها "لانضغاط عنقه" بحافة مصعد، بالمحل الذي يتعامل مع المعدات الثقيلة، مثل خزانات المياه، إذ كان الطفل يعمل وحده دون رقابة، ورفضت أسرة الطفل حينها التقدم بشكوى كذلك.
ويعتبر التسليم بأن الحادث "قضاء وقدرا"، مخالفة لقانون العقوبات، الذي ينص على أنه "كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره، بدون سبب مشروع أو معقول، وأدى إلى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديماً لصحته، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره".
ويرى نشطاء في حقوق الطفل ان هاتين الحادثتين، وتضاعف أعداد الأطفال العاملين يعتبر "مؤشرا خطيرا على تراخي الجهات الحكومية بمسؤوليتها الرقابية، في منع عمالة الأطفال وتطبيق القوانين".
وينص قانون العمل على إيقاع مخالفات وغرامات مالية بحق المنشآت التي تشغل قاصرين، بدون توفير برامج لحمايتهم، في حين تحصر وزارة التنمية الاجتماعية دورها بمكافحة عمل الأطفال، "بالجوانب التثقيفية والتوعوية، وتقديم المعونة في حال انطبقت الشروط على أسرة الطفل العامل".
وتأخذ منظمات أممية من بينها منظمة الامم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" على الأردن، "عدم ايجاد نظام معونة وطني صديق للطفل".
وكانت مسؤولة برامج حماية الطفل والطفولة المبكرة في "اليونيسيف" مها الحمصي قالت، إن "فئات كثيرة من الأسر الفقيرة والتي لديها عدد كبير من الأبناء، محرومة من المعونة الوطنية كون شروط الصندوق لا تنطبق عليها".
وتابعت "في كثير من الحالات يكون الأب عاملا أو قادرا على العمل، لكن دخل الأسرة مقارنة مع عدد أفرادها يضعها في دائرة الفقر، الأمر الذي يتسبب بمشاكل، من بينها تسرب الأطفال من المدارس وانخراطهم في العمل".
من جانبه، يرى استشاري الطب الشرعي، الخبير لدى الأمم المتحدة في مواجهة العنف ضد الأطفال، د. هاني جهشان، إن السماح للأطفال بالعمل، وفي بعض الأحيان في أماكن خطرة، "يتجاوز كونه إهمالا من قبل والدي الطفل، إلى كونه انتهاكا لحقوق الطفل من قبل الحكومة، والتراخي بمسؤوليتها الرقابية الجادة على أماكن العمل".
وينص قانون العمل على أنه "لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور"، كما ينص على أنه "لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة او المرهقة او المضرة بالصحة".
ويرى جهشان أن هناك غيابا لآليات تنفيذ البرامج الوطنية لمكافحة عمل الأطفال، موضحا أنه بالنسبة للأطفال العاملين بصفة قانونية ثمة غياب لنظم تنظيمية وعمليات تفتيشية، تتضمن صراحة، برامج توفير الأمن والسلامة العامة، وتمنع الإهمال والعنف.
وأضاف، إن هناك أيضا غيابا لنظم الإبلاغ عن العنف والإهمال، وغيابا لإجراءات معلنة وواضحة لتقديم الشكاوى، وبالنسبة للأطفال العاملين بصفة غير قانونية هناك ضعف واضح في البرامج الوطنية، لإخراجهم من العمل وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.
وتابع "أما بالنسبة للوقاية من إصابات الأطفال العارضة، ومنع الإهمال الناتج عن الإخفاق بتوفير السلامة والأمان للطفل، فهو ضرورة مهمة وملحة للحفاظ على صحة الأفراد وعموم المجتمع، غير أن هذا النوع من الوقاية الصحية إما أن يكون مستثنى من الخطط الوطنية أو يتم التعامل معه بطريقة بدائية، كما أن طرق الوقاية والتعامل مع عوامل الخطر الكامن لحصول هذه الإصابات، ما يزال مبهما وغامضا لكثير من المهنيين وصانعي القرار".
وكانت دراسة أعدها مركز الدعم الاجتماعي، العام 2010، أشارت إلى أن نحو 39 % من الأطفال العاملين، يعملون في ورش تصليح السيارات، يليها وبنسبة
25 % في البيع والتجارة، ثم 13.5 % في تدوير النفايات وجمع الخردوات.
نشرت فى 6 مايو 2015
بواسطة NETAhmed
عدد زيارات الموقع
24,640