تظهر أهمية التجارة من خلال ذكرها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله .
أما في القرآن الكريم، فقد ذكرت كلمة التجارة، وبمختلف اشتقاقاتها تسع مرات في سبع سور: في سورة البقرة /16/282/ وفي سورة النساء /29/ وفي سورة التوبة /42/ وفي سورة فاطر /29/ وفي سورة الصف /10/ وفي سورة الجمعة /11/
- الآيات وتوجيهها.
- ففي سورة البقرة يقول الله تعالى }أُولَئِكَ الذِينَ اشْتَرَوُا الضلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ{ (البقرة:16) ووجة الدلالة فيها: أنها في معرض ذم أهل النفاق والكفر، لكونهم قد باعوا آخرتهم بدنياهم، وأن هؤلاء قد دفعوا الهداية ثمناً للحصول على الضلالة، فخسروا تجارتهم لأن التجارة الرابحة هي الطلب لمرضاة الله تعالى في الدنيا والآخرة.
وكما أن المطلوب من التجارة الحياتية سلامة رأس المال والربح فكذلك التجارة مع الله رأس مالها الهداية والاستقامة وربحها الثواب والأجر عند الله تعالى.
ومن ذمتهم الآية الكريمة قد خسروا التجارة، لكونهم قد استبدلوا الهداية بالضلالة والثواب بالعقاب والعذاب، وإن ظفروا بأفراط دنيوية، لأن الخسران المبين والشاهد في هذا: أن كلمة التجارة قد وردت فيما علاقته بالتجارة الاخروية.
وفي سورة البقرة، يقول الله تعالى }وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَار كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتقُوا اللهَ وَيُعَلمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُل شَيْءٍ عَلِيمٌ{ (البقرة: من الآية282)
ووجه الدلالة فيها: أن المراد بالتجارة هنا هي التجارة المادية الحياتية التي تخدم دنيا العبد في معاشه وحياته.
وفي سورة النساء، يقول الله تعالى }يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِن اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً{ (النساء:29) ووجه الدلالة أن كلمة التجارة واردة في معنى البيع والشراء، أي التجارة المادية الحياتية، وخصت التجارة بالذكر لكون أسباب الرزق أكثرها متعلق بها وفي سورة التوبة يقول الله تعالى: }قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَب إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبصُوا حَتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ (التوبة:24) ووجه الدلالة: أنها واردة في معنى التجارة المادية الحياتية (بيع شراء) وأن الله تعالى قد نعى على المقدمين حب مادية الحياة الدنيا على طاعة الله ورسوله، ولما هم عليه من رخاوة الدين واضطراب اليقين، ولأن أهل اليقين والورع لا يقدمون شيئاً على طاعة الله ورسوله.
والمتخذ من الدلالة هنا: أن مراد التجارة هنا (التجارة الحياتية المادية).
وفي سورة النور يقول الله تعالى }رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَاءِ الزكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ{ (النور:37) ووجه الدلالة: أن التجارة هنا واردة في التجارة الحياتية (البيع وشراء)، وخصت التجارة بالذكر لكونها أعظم ما يشغل الانسان عن الذكر والطاعة.
وفي سورة فاطر يقول الله تعالى: }إِن الذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصلاةَ وَأَنْفَقُوا مِما رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ{ (فاطر:29) ووجه الدلالة: أن اللفظة (التجارة) استعمال في معنى تجارة الآخر من الأجر والثواب والأجر والثواب هو ربع المقصود بهذه التجارة.
وفي سورة الصف يقول الله تعالى }يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ (الصف:11)
ووجه الدلالة: فهو استعمال لكلمة التجارة في معنى الطاعة والثواب، وقد أنزل العمل منزلة التجارة، لأن العبد يريد الثواب كما أن التاجر يريد المال.
وفي سورة الجمعة، يقول الله تعالى: }وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرازِقِينَ{ (الجمعة:11)
مفاد الاستدلال:
فقد لوحظ أن كلمة التجارة في القرآن الكريم قد استعملت في بابي الدنيا والاخرة في البيع والشراء المادي وفي البيع والشراء المادي وفي البيع والشراء المعنوي (الطاعة والثواب) ففي كل من سورة البقرة وفاطر والصف، قد استعملت في باب الطاعة والثواب، وفي السور الأخرى، قد استعملت في باب البيع والشراء الحياتي المادي.
فيكون استعمال لفظة التجارة واردة في باب ربح المادة والثواب، إلا أن الغالب عليها عند الاطلاق (البيع والشراء الحياتي المادي).
وأما في السنة فقد كثرت الشواهد الدالة على الاهتمام بالتجارة والعمل عليها، مع الالتزام بالصدق والحق، كما في التالي:
1- قال : (أعظم الناس هما المؤمن الذي يهم بأمر دنياه وأمر آخرته) (1)
2- قال : (التاجر الامين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة)(2)
3- قوله : (التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء)(3)
التوجيه
في هذه النصوص وغيرها دلالة على مدى الاهتمام بالدنيا والتجارة فيها، وتبيان للتجارة الأمينة التي تشغل صاحبها عن ذكر الله وأمر الآخرة، وأن التجارة إذا كانت بحق والتزم صاحبها الصدق والحق هي سبب من أسباب التكريم والرفعة في الآخرة، حيث حشره مع صفوة الخلق يوم الحساب.
'وقد سئل بعض الصالحين: عن التاجر الصدوق، أهو أحب إليه أو المتفرغ للعبادة؟ قال التاجر الصدوق أحب إلي، لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده'.(4) إشارة إلى مدى مكانة المجاهدة النفسية والانتصار على الشيطان.
ونسب إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: 'إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته'.
الحذر من شباك التجارة
التجارة في حياة الانسان مخاطرة مطلوب الخوض فيها في بقاء الانسان وبقاء العالم في مجتمعات متواصلة تعمر بها الحياة الدنيا وإلى أن يأذن الله تعالى بفنائها، وما أشبه هذه المخاطر بمركب يسير وسط أمواج متلاطمة، وما أخطرها إن لم يكن قبطان المركب ماهرًا في خوض البحار.
ولقد حذر النبي من الغفلة وسوء الانحراف بالتعامل مع هذا الوجه من وجوه المعاش والكسب فقال (من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الإيمان، ومن غدا إلى السوق غدا براية إبليس)(5)
ومفاده: التحذير الشديد مما تعتريه الأسواق التجارية من ذنوب ومغالطات ومخالفات.
وقال : (أيها الناس اتقوا وأجملوا في الطلب فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن بطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم)(6) والمراد التحذير من الاسترسال في طلب الدنيا
وورد أيضاً أن النبي خرج إلى الناس وهم يتبايعون بكرةً فناداهم فقال (يا معشر التجار، فلما رفعوا أبصارهم، ومدو أعناقهم، قال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًاً إلا من اتقى الله وبر وصدق)(6)
التوجيه: فيه تحذير شديد للتجار من مخالفة الحق، وفيه تنبيه إلى أن ضمان نجاتهم مرهون بتقوى الله في تجارتهم.
وقال (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق) (7) التوجيه: فيه تحذير شديد من مغبة الحلف في التجارة، وأنه مع أدائه إلى إنفاق السلعة، لكن من جانب آخر، تفتقد من أمواله.
وقال (يا وزان زن وأرجح)(8)التوجيه: فيه تنبيه إلى ما ينبغي أن يكون عليه التاجر من السعة في الوزن، وأن وزنه محاسبٌ عليه أمام الله تعالى، وكما قال سبحانه }وَيْلٌ لِلْمُطَففِينَ الذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى الناسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{
وقال (يا معشر التجار: إنه يشهد بيعكم الحلف واللغو فشوبوه بالصدقة)(9)
التوجيه: فيه تنبيه إلى خطورة ما يحصل غالبًا من اللغو في التجارة، وأن هذه الكفارة صدقة غير محددة، فهي تبعٌ لحجم المحظور المرتكب.
وخلاصة الكلام في هذه المحاذير: أنه قد أمر التاجر بأن يكون حذرًا مما يدور في بحر التجارة من أفاعي وآفات، من الثعالب والجشع والاحتيال وشهوات النفوس وأطماعها، التي إذا لم ينتبه إليها التاجر ولذا فالتاجر المسلم حريص على أن يبقى تاجرًا صادقا وكمقدور المدح في التاجر المرضي.
التعريف بالتجارة:
التجارة في اللغة العربية من مادة (تجر) بفتح الثلاث، فقال: تاجر واتجر، أي إذا تعاطى التجارة ويقال: تجارة أي ما يتجر به ومنها كلمة: التاجر أي من يتعاطى التجارة.
وفي العرف تطلق ويراد بها: (البيع والشراء) وإن كانت يستعمل في غيرها هذا المعنى (10) ثم وإن كانت طبيعة التجارة تكمن في عملية البيع والشراء، إلا أن مفهومها التجاري ينصب على تنمية المال وزيادته، وهذا ما أشار إليه 'العلامة ابن خلدون' رحمه الله، قال: (التجارة عبارة عن تنمية المال بشراء البضائع ومحاولة بيعها بأغلى من ثمن الشراء)(11) فيشتري السلع بالرخص ويبيعها بثمن أغلى وهو الغاية من عملية التجارة، إذ لا يقوم أحدٌ على تجارة إلا ويقصد الربح وزيادة رأسماله.
وإنما خص البيع والشراء، لكونه الغالب في عملية التجارب وهو الغالب العام لسائر أنواع عقود التجارات، وعمودها الفقري.
حكم التجارة
التجارة في الإسلام تخضع لأصل الواجب الكفائي، يعني أنها واجبة على جملة المسلمين، وإن تركت من سائرهم في مجتمع ما، فإن المكلفين من هذا المجتمع آثمون، شأنها شأن أي عمل بقاء المجتمع وقوته ولا يخفى أن التجارة تشكل العمود الفقري للاقتصاد بشكل عام.
تعلم أصول التجارة وفنها
ويعد من أصول ممارسة تجارة ما في حرفة ما، أن يتعلم فن التجارة تعلماً أو تدريباً على أيدي تجار ممارسين ومدركين لزوايا التجارة وخباياها، وقد سبق الكلام أن مفهوم التجارة ينصب على تنمية رأس المال وزيادته وهذا يتطلب منه أن يكون حذرًا من ضياع ماله، ولأنه ما من تجارة إلا ويقصد بها ربح وما يؤدي إلى ضياعه يمنع، وهو الجهل بالتجارة التي يمارسها.
ومما يجب تعلمه على الذي يبغي التجارة، أن يتعلم ويتعرف على النقد وأنواع النقد المالي وصفاته حتى لا يخدع بنقد مزور وهو لا يدري وبدوره فيعطيه إلى غيره فيأثم أو يغرر به فيحمل مسؤولية إعادة دفعه سليماً إذا تكشف أمر تزويرها وزيغها عدا عن التورط في الملاحقات القضائية.
تعلم الضوابط الشّرعية للتجارة
إن ما يحتاجه المرء في الحال ويلزمه يفترض به وعليه تعلم أحكامه الشرعيه احترازاً من الوقوع في المخالفات وشأن طالب التجارة كطالب الحج لزوماً يفترض عليه تعلم ما يُؤدى به الحج(12)
ولا بد لطالب التجارة أو أي حرفة حياتية من قدر من الضوابط ليتميز عنده المباح من المحظور وموضع الأشكال من المسألة التجارية.
فالمكتسب عن طريق التجارة يحتاج إلى معرفة أحكام كسب التجارة وبتعلمه يحصل على ضمان رأسماله الدنيوي والآخروي :
1- يقف على مفسدات المعاملات التجارية.
2- يقف على ما شذ من المفسدات فيدرك سبب إشكالها.
3- تجنب الوقوع في المعاصي والشبهات.
وليس من الصحة الانتظار حتى يقع فيها لأن يسأل عنها فكان لزامًا أن يفهم الاصول والضوابط الشرعية لتجارته
وفي هذا فقد ذكر أنّ أمير المؤمنين 'عمر بن الخطاب' رضي الله عنه كان يطوف في السوق ويقول 'لا يبيـع في سوقنا إلا من تفقه وإفلا أكل الربا شاء أم أبا'. بأن يتعرف على المحاذير الواضحة فيبتعد عنها وعن المحاذير المشبوهة فيتوقاها. فيكون بذلك التاجر الصادق الذي له الإحسان في الدنيا والاحسان في الاخرة.
إرشادات في ضوابط التجارة
الضبط: هو القيام بالأمر ليس فيه نقص.(13)
ولايكون هناك الضبط المطلوب في التجارة إلا إذا استجمعت المعاملة الشرعية الأحكام الشرعية التي تبنى عليها أصول البيع والشراء، ومصيبة في ذلك ربحي الدنيا والآخرة. والتي يخضع لها سلوك التاجر، ظاهرة وباطنة، وهو الأهم كما للانضباطات السلوكية الصادقة من آثار حسنة على حياة ونفس التاجر، فيتجنب الآثام وتستقر نفسه وفق صفات التاجر الصادق.
ومن يدخل إلى سوق التجارة ويتعرف على أحوال وطرق عمل التجار يجده عالما غريب الأطوار في كيفية التعامل التي تمارس، والتي يغالبها مشتملة على سائر أنواع الآفات الخلقية والمسلكية، من الخداع، والغش والغبن والكذب والحلف الزور والظلم والغدر، ونحوها من عامة أنواع الباطل، سوى من رحمه الله ممن بر وصدق، ولم تشغله تجارة عن ذكر الله وأمر الآخرة.
وسأحاول بعون الله تعالى وتوفيقه، باستطاعة تبيان ما يجب تبيانه في هذه الوريقات التي ستتضمن أحكاما وضوابط على التاجر أن يلتزم بها، حفاظا على ربح وافر وحياة سعيدة آمنة هادئة.
وبما يطلب منه الالتزام به هو ما يمتاز به التاجر المسلم الذي يقف في حياته بشكل عام وتجارته بشكل خاص عند حدود الشرع، فلا يتعدى حد الشرع ولا يتعدى على حقوق العباد، فيكون حريصًا على تجارة مبنية على التراخي وفق رضى الله تعالى، إذ لا قيمة تضطر التاجرأن يكون في خارج رضى الله تعالى؛ وليس الامر كما يشاع بين التجار بأن 'التجارة شطارة' أي احتراف كسب المال وازدياده بأي طريقة كانت دون تفرقة بين الحلال والحرام، بل عندنا الأمر موزون بموازين الشرع من مبادىء وضوابط وإرشادات وربط بين الدنيا والآخرة
ولذا لا يقف المسلم في الرقابة عند حدود رقابة الآلة والحس، بل هو في الرقابة الربانية أوثق من رقابة والبشر.
إرشاد في ضوابط آلية التجارة
ويراد بالآلية هنا، توفر شروط العقد التي يكون بها صحيحًا يترتب عليه الالتزامات وذلك من شروط أساسية ضابطة وشروط واقية من الفساد فضلا عن أهلية المتعاقدين للبيع والشراء.
الإسلام دين الله شرعه إلى عباده، وهدى إلى الناس أجمعين مجموعة أنظمة إلهية للإنسان، كي ينتفع مما سخره الله تعالى في محيطه ومما وهبه من محاسن الخلقة والخلق والفهم والتدبر، بصورة منظمة منضبطة وفق الضوابط الشرعية الواقية من الوقوع في الهلاك.
ولكل جانب في حياة الانسان نظامه وضوابطه سواء في الكلام أو في الأفعال أو السلوك أو الطعام أو الشراب واللباس، وأي شىء يستفيد غذاءً أو انتفاعاً.
ضوابط المبيع
من الضرورة أن يعرف التاجر أنه منضبط، فما كان حراماً يمتنع الاتجار به ولا يصح ما كان مباحاً شرعاً كان حلالاً الاتجار به، علماً بأن الغالب في الاشياء التي يتاجر بها بين الناس الاباحة سوى محاذير لبعض الأنواع من الأغذية الحيوانية، مع التنبيه إليها بالتالي:
1- ما كان من الاغذية الحيوانية يجب أن يكون مباحاً شرعاً وذلك باجتناب الأشياء التي نص على تحريمها، وما يتبعها من مشتقاتها، كالخنزير ولحوم الميتة والدم المسفوح، وكل لحم لم يذبح على الطريقة الإسلامية، ويتبعها في التحريم المتوحشة من الحيوانات البرية والطيور وما ألحقه البعض من متوحشة الحيوانات البحرية.(14)
وعلى التاجر أن يحذر الاتجار بمعلبات اللحوم، وخاصة التي يؤتى بها من البلاد غير الإسلامية، ولانغتر بعبارة (ذبح على الطريقة الإسلامية) فهي عبارة تستدعي مراقبة واقية شرعية بصدق وإلا فلا.
واما ما يرد من البلاد الإسلامية التي يغلب الظن فيها اتباع طريقة الذبح الشرعي وهذا ما يغلب عليها، فهو يأخذ حكم الاباحة.(15)
2- وأما ما كان الاتجار من الارض ومشتقاتها نباتية أو غيره فهو على أصل الاباحة، سوى ما ثبت في تناوله (غذاءً أو انتفاعاً) عموم ضرره لأي شخص أكله أو استعماله بصورة غالبة، وفق الميزان التالي:
'كل نبته أو ثمرة بصورة عامة غالباً في تناولها إلحاق أذى بصورة مباشرة، بعضو من أعضاء جسم الانسان أو تعطيل عضو من أعضاء جسمه أو هلاك نفسه تعتبر التجارة به محظورة، بناءً لضرورة إبعاد الأذى عن نفس الإنسان' وذلك كالمخدرات وسائر أنواعها، سوى ما يطلب وجوده للعمليات الجراحية من البنج، وهو خاضع لقاعدة الضرورة تقدر بقدرها، مع الاشارة إلى حظرية وجودها بين العامة، بل يكون حصريا في المستشفيات أو بين الأطباء ضمن الرقابة المطلوبة.
3- كل أنواع وأصناف الخمورهي محرمة ومحرم الاتجار بها، وعقد البيع والشراء عليها يكون باطلاً لا قيمة له ولا اعتبار. وهي كلها خمورسواء قلت نسبة الكحول فيه أو كثرت كالبيرة ونحوها؛ وكذلك كل غذاء دخله شىء من الخمور كالذي يتخذ من صناعات غذائية معاصرة، ولدى مصانع حلويات معينة من إدخال مادة الخمرة بعض الحلويات كالكاتو لدى البعض من المصانع فإذا تبين لك بأن نوعاً من الحلويات أو غيرها قد دخل في صناعته الخمر فحرام عليك أكله أو الاتجار به ولذلك كان على المسلم أن يعرف مع من يتاجر وممن يشتري كي لا يقع في المحظور.
4- كل أنواع التربة الأرضية من التراب وغيره مما يوجد في الأرض ظاهرًا أو باطنا على أصل الإباحة في الانتفاع لكونها طاهرة والطاهر هو الأصل في الإباحة وسواء منها الجامد والسائل كالنفط ونحوه.
وخلاصة الكلام: أن الأصل في الاشياء الطهارة ما لم تثبت نجاستها بدليل والاشياء الطاهرة كثيرة منها الجماد وهو كل جسم لم تحله الحياة ولم ينفصل عن حي وتنقسم إلى قسمين جامد ومانع، فمن الجامد جميع أجزاء الأرض ومعادنها كالذهب والفضة والنحاس والحديد ونحوها ومنه جميع أنواع النبات ولو كان ضارًا كالنباتات السامة فهي طاهرة وإن حرم منها تناول ما يضر العقل أو الحواس ومن المائع : المياه والزيتون وماء الأزهار ونحوها فهذه كلها من الجماد الطاهر التي لم يطرأ عليها ما ينجسها.
إرشادات ضابطة لصحة العقد وسلامته:
لقد تقدم أن العقد إذا وقع على شيء محرم، يكون غير معتبر الوجود والانشاء ويحكم عليه بمصطلح البطلان، والباطل من العقود لا يترتب عليه أي أثر نعمة من نعم العقد، وكل ما يترتب عليه يكون باطلا.
وحل الشىء المعقود عليه مع أهلية المتعاقدين وسلامة صيغة العقد، يجتمع فيها الضوابط العقدية الركنية وفي مصطلح الفقهاء أركان العقد، التي لا يوجد العقد إلا بها.
وزيادة على الضوابط الركنية وجب حتى يكون العقد صحيحًا أن يتمتع العقد بضوابط أخرى تقيه من الانحراف عن سلامة الطريق.
ولو أن ضابطا ما منها افتقده العقد حكم على العقد بالفساد ويجب توقف سريانه ويلتزم الطرفان بفسخه، وبالإمكان الاشارة إلى هذه الظوابط التي ألزم الشرع بمراعاتها والوقوف عندها؛ وإلاوجب الفسخ حق الشرع بينهما وإلا أثِما أو أثم الممتنع منهما، لأنه أكل مال الآخرين بالباطل وقد نُهِيَ العبد عن هذا بموجب قوله تعالى: }ياأَيهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ{ (النساء: من الآية29)
ويجمع وجوب الاحتراز من الوقوع في هذه المحاذير:
1- الاحتراز من الوقوع في الظلم.
2- الاحتراز من الوقوع في الربا.
3- الاحتراز من الوقوع في الغَرر.
4- الاحتراز من الوقوع في النزاع بين الطرفين.
وحتى يحترز التاجر من الوقوع في هذه المحاذير ويحفظ العقد من الفساد.
وضعت شروط، وهي بمثابة ضوابط واقية للتاجر من عنصر الفساد وموجزها.
1- التأييد في الملكية والاستبداد بها، (يعنى ملكية غير مؤقتة)
2- معلومية المبيع
3- معلومية الثمن ومعلومية وقت دفعه إن كان الثمن مؤجلاً
4- تحقق رضا الطرفين شرط أن يكون وفق رضى الله تعالى، وإلا فلا يصح
5- إمكانية البائع تسليم المبيع بدون ضرر يلحق به، يعني: كمن يبيع قطعة من سيارة له يترتب على فكها تخريب السيارة والعطل عن العمل.
6- خلو العقد عن الغرر، والغرر: هو كل ما دخلته جهالة غالباً تؤدي إلى التنازع، وسواء كانت في الثمن أو في المبيع أو في الأجل أو في القدرة على التسليم (16) وبالامكان أن تقول: 'هوالمجهول العاقبة' (17)
7- خلو العقد عن الربا وذرائعه (18)
8- خلو العقد عن شرط فاسد، والفاسد هوالشرط يؤثر سلبياً على مقتضى من مقتضيات العقد، كأن يبيعه سيارة ويشترط عليه عدم بيعها، وهكذا...
المصدر: موقع التقوى
نشرت فى 6 يوليو 2012
بواسطة NAHDETMASR
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
124,430