علاقة الأخلاق بالعقيدة والعبادة
والعبادات تتصل اتصالًا مباشرًا بالأخلاق، لا تكاد ترى عبادة إلا وللفضائل الحميدة بها علاقة وطيدة، وصلة وثيقة تقويها وتكملها، وتكون سببًا في قبولها ورفعها إلى السماء.
فالصلاة مثلًا لا تكون كاملة مقبولة إلا إذا كانت ترجمة حقيقية لواقع المرء وأفعاله؛ فالمصلي المتفوق الناجح تنهاه صلاته عن سيئ الأخلاق، وقبيح العادات، وتدفعه إلى مكارم الأخلاق، وجميل السجايا، يقول الحق جل وعلا: (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45].
فالأثر الأعلى، والثمرة الكاملة للصلاة البعد عن المنكرات والموبقات، وتستمر الأخلاق الفاضلة في تغذية أفعال الصلاة قبل الدخول فيها، وأثناء أدائها.
فالذي يقدم على الصلاة يتعين عليه أن يقبل عليها ورائحته طيبة، وثيابه نظيفة، وأقواله جميلة، وأفعاله لطيفة، وحركاته رفيقة، يحس بإخوانه، ويستشعر حال من خلفه، أو من عن يمينه ويساره؛ لهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتًا مرتفعة للمصلين فقال: لا يجهر بعضكم على بعض فتؤذوا المؤمنين . صحيح: أخرجه أبو داود وأحمد والحاكم وابن خزيمة والبيهقي، وانظر "صحيح الجامع" رقم (2639).
وشرعت الزكاة طهرة للمزكي من الذنوب والآثام، وإحساسًا بالفقراء، ومساعدة للمحتاجين، وإعانة للمساكين، ومشاركة للجماعة المسلمة في غناها وفقرها، وفرحها وحزنها، يقول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103].
والصوم لا يكون صومًا حقيقيًا، ولا يؤديه الصائم حق الأداء إلا إذا تخلق بالأخلاق الحميدة، وكف يده ولسانه، وجوارحه عن خلق الله، قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم . أخرجه البخاري رقم (1894)، ومسلم رقم (1151).
ويقول عليه صلوات الله سلامه: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . أخرجه البخاري رقم (1903).
والحج لا يكون كاملًا إلا إذا صانه الحاج عن سوء الأخلاق، ولو كان ذلك أثناء تأدية الفريضة، يقول تعالى: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].
ومن أراد أن يرجع من الحج نقيًا من الذنوب فعليه أن يمسك نفسه عن سيئ الخصال وقبيح الأخلاق، وقبيح العادات، يقول صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه . أخرجه البخاري رقم (1521)، ومسلم رقم (1350).
ولهذه المفاهيم فإن الحاج إن عجز أن يقبل الحجر الأسود فعليه أن يمسه بيده وإلا فليشر إليه، ولا يزاحم عنده فيؤذي المسلمين.
----------------------------------------------
من كتاب أخلاق المؤمن