لا تصدِّقوا آباءكم وأمهاتكم حين يقولون لكم "شكراً"
عندما يوسِّع الله عليك ؛ اشترِ لوالدتك فرشة حديثة جميلة تريّح جنبها الكريم عليها، واصلِح لها الحمَّام والمطبخ وحدِّثهما ، وممكن تدهن لها الشقة أيضاً ، وتعهَّد ملابسها البيتية والخارجية وحذاءها
راقب بطانيتها سجادتها، وصلِّح خزانتها و سريرها وجهازها ، ولو بسط لك ربنا في رزقك أكثر ؛ أجبر خاطرك بخاطرها في شيء من ذهب.
وأتحف والدك الجليل بنظارة جديدة ، وكل فترة اشتري له أشياء يحبها ، وركّز على الأمور التي يحبها أكثر ، والأمور التي قد يخجل من أن يطلبها ، وراقب حتى غياراته وجراباته العزيزة ، وعطره المفضل ، أما دواؤُه فأولى من الماء الذي تشرب.
إياك أن تتصور أنهم شبعوا من الحياة وأكلوا كل شيء، وشربوا كل شيء، وإنك أولى بالحياة منهم.
هم أولى بكل جميل وجديد في الحياة، أصلًا هم الحياة، وإذا أردت أن تتأكد فاسأل الذين فقدوهم.
وإذا خاصمت واحداً من إخوتك صالحه وراضيه من أجل خاطرهم؛ وطمئنهم على محبتكم لبعض وخوفكم على بعض قبل الرحيل.
غسَّلتُ الجمعة الماضية والدَ صديقٍ لي -رحمه الله - ورأيت أبناءه يقبِّلون قدميه ويمسحون بها وجوههم ، فقلت في نفسي: ما أحسن هذا ! لكنْ أحسن منه لو كان في حياة الوالدين.
صدِّقني: والداك أولى من أحببتَ وبررتَ ووصلتَ من العالمين لا تعطهما نُخالة نفسك وقلبك وجهدك ووقتك، بل أنفق عليهما من أنفس مالك.
لم يزل يبكي أحدهم بكاءً مريرًا، يقول لي: خرج أبي من الدنيا ولم يشبع من أكلة كان يحبها جدّاًوماكان يطلبها، وأنا لم أكن بخيلاً عليه أبدا"، لكنني كنت مشغولاً عنه بشؤوني الحياتية.
وحدَّث أحدُهم أنه دخل على أمهِ في ليلةٍ باردةٍ ، فقالت له -وهي نائمةٌ-: الحمد لله أنك أتيت يا بني؛ أنا بردانة من أول نومي وليس لي قوة تعينني على شدِ الغطاء على جسمي؛ فبكى بكاءً شديدًا حينها.
وبعد أن يفارقك والدك تشعر بالندم عندما كنتَ تعرِضُ عليه خدمةً أو منفعة فيقول "شكراً" فتصدِّقُهُ وترضى ضميرك بأنه فعلاً لا يريد ..
و لقد كنتَ تعتقد أنه لو أراد شيئاً أو ذاك الشيء الذي عرضته عليه لأخبرك بذلك أو لوافق على ذلك.
اليوم عندما كبرنا وأصبحنا آباء عرفنا "كذِبَ" الآباء والأمهات ، عندما يقولون "شكراً" !
وتنبَّهنا لـ "غباء" الأبناء والبنات عندما يصدقون أباءهم وأمهاتهم حين يقولون شكراً" !!
فيعتبرون ذلك أنهم حقاً لا يريدون.
أيها الأبناء والبنات
لا تصدِّقوا آباءكم وأمهاتكم حين يقولون لكم "شكراً" !!!
إنما يقولونها "تَعفُّفاً"
أو "مراعاة" لظروفكم ،
أو "خجلاً" من إتعابكم ،
أو "ذوقاً" أو لأي سبب آخر.
أيها الأبناء أسعدوهم دون إذنٍ أو عَرض ،
أقسم لكم بالله ..
أنهم يفرحون جداً جداً جداً عندما تقدِّمون لهم
الخدمة والهدية والمنفعة
"دون أن تستأذنوهم"
أو "تعرِضوا" عليهم ،
ويفرحون ـ جداً جداً جداً ـ عندما تقدِّمونهم
أو تُنزِّهونهم
أو تعظِّمونهم
أو تشركونهم في حياتكم وأعمالكم وأنشطتكم
ولو بالحديث وأخذ الرأي ، حتى لو كانوا على سرير الموت.
فلا تخدعنك شيخوخة أبيك
ولا يغرنك عمر أمك
فبداخلهما "طفل" يحتاج لدلالك واهتمامك.
رحم الله من كان منهم ميتا
وحفظ الله من كان منهم على قيد الحياة