أعزائي وأصحابي، السلام عليكم..

بداية أحب أن أعبر عن سعادتي عند كتابتي هذا الموضوع ولقائي معكم من خلال "بص وطل".. وأود أن أُعرِّفكم بنفسي.. أنا شاب لم أتجاوز الثلاثين من عمري، وقد تعمدت ذكر سني لأقول لكم إن عمري قريب من كثير ممن يقومون بقراءة مقالي الآن فأنا شاب أعيش وسط الشباب، واحدا منهم، أعرف طموحاتهم وهمومهم، ما يسعدهم وما يقلقهم، والصعاب المحيطة بهم، وإيجابيات وسلبيات هذه المرحلة والمشاكل الكثيرة التي قد يمر بها كثير منا، فهذا المقال من أخ محب قريب من حياتكم.

***


تكلمنا في حلقتنا السابقة عن سوء الظن بالناس، وتكلمنا عن تلك الفئة التي يحلو لها اتهام الملتزمين بالتشدد والخروج عن روح الدين، وذكرنا أنه ليس من قواعد ديننا الحنيف ما يبرر ذلك.

واليوم إن شاء الله نوجِّه حديثنا إلى تلك الفئة التي بدا على أصحابها الالتزام والطاعة لله ورسوله إلا أن البعض منهم يغيب عنهم أنه كما أن للإنسان جوارح تذنب، فإن له قلبا يذنب أيضا، وإن كان غير الملتزمين يهملون في أداء فرائضهم، ويستسلمون لكسل جوارحهم عن إتيان الطاعات فإن الكلمة الفظة التي تخرج من أفواه بعض هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالالتزام فتقنط العباد من رحمة ربهم تكون من معاصي القلوب.. وأن صلاة الإنسان والتزامه يلزمانه بأن يرحم العصاة من الأمة لا أن يعنفهم ويتعالى عليهم.

فيا من تتكلم عن الناس، ما هو حكمك على من تبول في مسجد النبي؟ المكان الذي يسجد ويضع النبي فيه رأسه نجَّسه هذا الرجل! ماذا كنت أنت فاعل به لو بيدك الأمر؟، ثم اسأل نفسك وماذا فعل النبي معه؟

لقد وقف صلى الله عليه وسلم -وقد هم الصحابة حين رأوا الرجل أن يعنفوه أو يعاقبوه- فقال: انظروه –أي اتركوه- حتى يقضي حاجته، ثم قال له: يا أخي ما حَملك على ما فعلت، أولست برجل مسلم"؟، فقال يا رسول الله: والله ما ظننت هذا المسجد وهذه الطرقات.. فقال له الرسول: "لا إن المساجد لم تبنَ لذلك".. وهكذا تجسدت الرحمة المهداة في شخص النبي لأحد العصاة من الأمة.. الرحمة والصبر على جهل الجاهلين ومعصية العصاة والمذنبين.

وهكذا كان النبي يأمر أصحابه: "بشِّروا ولا تنفروا". فمن أنت أيها الإنسان مهما كان التزامك وطاعتك حتى تحكم على الناس أو تنصِّب نفسك عليهم رقيبا أو حسيبا؟

ألا تخشى أن يسلب الله منك ما وفّقك إليه من طاعة إليه ليعطيها لمن تسخر منه أو تحكم عليه؟ ألم تسمع بقول الصحابي الجليل "ابن مسعود" حين قال: "لا تسخر من أخيك فيعافيه الله ويبتليك"، فتفهم أن النبي علّم صحابته أن يكونوا بين خوف ورجاء وألاّ يظنوا أنهم أفضل من غيرهم وأن من يظن ذلك قد يجازيه الله بأن يتركه لنفسه ثم يُعين هذا العاصي على نفسه فيصبح طائعا وليا؟

يقول ابن عطاء الله: "إذا أراد الله أن يظهر فضله عليك، خلق العمل ثم نسبه إليك".. أي أن الله خلق لك أسباب العمل ثم وفقك إليه ثم هو يجازيك عليه. فإن وجدت سائلا مثلا فأعطيته مبلغا من المال فلا تكتفي بأن ترى نفسك من المتصدقين، بل دقق النظر ستجد أنك مدين بأن تحمد الله على أن رزقك هذا المال. ووفقك لعدم الحاجة إليه ليسهل عليك أن تنفقه في سبيله فيجازيك عليه. أي أن الله أعطاك ووفقك لأن تعطي مما أعطاك لتكون في موقف المُعطِي، وليحسبها لك حسنة. وإن شاء جعلك مكان السائل وجعل السائل هو الذي يتصدَّق عليك.

ولقد قال صلى الله عليه وسلّم: "من قال هلك الناس فهو أهلكهم"..

أي أن الذي يظل يتحدث عن عيوب الناس وضلالهم والانشغال بما هو سلبي عما يجب أن ينشغل به من إصلاح نفسه، هو الهالك قبل أن يهلك الناس. فتعلّم يا أخي المسلم أن تنشغل بعيوب نفسك لأن ذلك أهم بكثير من بحثك عن عيوب الناس، لأنك مهما رأيت وبذلت من جهد لن تعلم مقام فلانٍ هذا عند ربنا والأعمال بخواتيمها، وربما كتب الله له التوبة والمغفرة وأصبح من عباده المتقين فيسبقك إلى الله وتكون أنت من الآثمين.

وتذكر يا أخي قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا"..

وهكذا تكلم الرسول بما يغرس الحب بيننا ويبعدنا عن كل سوء. ولم يكتف بالقول بل أكد على ذلك في كل موقف وفي كل فعل، فها هو ذلك الصحابي الكفيف الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يستطيع الذهاب للمسجد وطلب منه أن يأتي ليصلي في منزله حتى يتبرك بالموضع الذي صلى فيه النبي فيصلي عليه بعده عوضا عن ذهابه للمسجد. وهنا برز أحد الصحابة بقوله إنه منافق!!، فنهره النبي عن سوء ظنه وسوء قوله بأن قال له: "لا تقل ذلك أليس يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟"..

وعلى هذا يقول أحد العلماء: "ضع أمر أخيك على أحسنه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءًا وأنت تجد لها في الخير مخرجاً".. حتى وأنت تنظر للكافر لا تنظر إليه نظرة سوء وتعالٍ فربما تاب الله عليه!، أولم تسمع قوله تعالى: "قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ".. ومن أدراك أن هذا الكافر لن ينته يوما ما ويصبح مؤمنا حقا؟!

إن العبد عبد والرب رب، فلا يجب أن يأخذ العبد مكان ربه سبحانه فيحكم على خلقه بسوء، فقد قال الله تعالى: "إن الحكم إلا لله". ولنعلم جميعا أن الظن الحسن ينجي صاحبه.. وقد قال سيدنا "علي" كرم الله وجهه عن ذلك الذي يكذب عليه ويقسم بالله على ذلك وهو يعلم كذبه: "من خدعنا بالله خُدِعنا له". أي أننا مطالبون بتصديق المسلم طالما حلف بالله. وهذا مثال للتعامل مع العباد من باب الأدب مع الله. فبأي حق تقول لعبد: "والله لا يغفر الله لك"؟؟! تلك كلمة لا يقولها إلا جاهل أو متكبر.

فيا أحبائي، إن على كل منا أن يحسن الظن بالناس، وألاّ يحكم على أحد بالهلاك أو العذاب، فلا أحدَ يعرف هل قبل الله منه عمله أم لا!! ولا أحدَ يطّلعُ السرائر إلا هو سبحانه.. "وقل ربي زدني علما"..

فاللهم ارزقنا تواضعا يقربنا لمقام حبك، ورحمة تقربنا بها من دوائر رحمتك، واجعلنا ممن يحسنون الظن بخلقك، الذين يحمدونك على كل طاعة لأنك أنت المتفضل بها علينا.. اللهم آمين.

 

MohamedYahya578

Acc. Mohamed Yahya Omer Egypt , Elmansoura ,Talkha

  • Currently 108/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 432 مشاهدة
نشرت فى 6 يوليو 2008 بواسطة MohamedYahya578

MOHAMED YHYA OMER

MohamedYahya578
وارحب بكل من يزرو هذه الصفحة واتمنى ان ينتفع بما فيه من معلومات »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

223,490