بدر حسن شافعي
باحث متخصص في الشئون الأفريقية
إسرائيل عاوزه إيه من أفريقيا؟! مش كفاية إن الأفارقة مش لاقيين ياكلوا، وعندهم الإيدز، ومفيش اهتمام دولي بيهم، إلا في مجال الكورة وكأس العالم.
طبعا كل ده صح.. بس لازم نعرف إن الإسرائيليين مش سذج، وبيفكروا كويس جدا.. حتسألني إزاي حاقولك..
أفريقيا في القلب والعقل الإسرائيلي
أولاً لازم نرجع للتاريخ شوية. لازم نعرف أن "هرتزل" الأب الروحي للدولة الإسرائيلية الحالية أكد في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 على ضرورة إقامة دولة لليهود المشتتين في كل أنحاء العالم، وكانوا بيفكروا في وجود أرض لا صاحب لها لشعب لا وطن له، وكان التفكير في فلسطين، أو في أوغندا في أفريقيا. لكن الصهاينة استقروا على فلسطين خاصة وأن بها المسجد الأقصى الذي يزعمون أنه بني على أنقاض هيكل سليمان.
لكن بالرغم من كده فإن الإسرائيليين عينهم كانت على أفريقيا -خاصة بعد حرب 1948 ونشأت الدولة العبرية لعدة أسباب منها أن إسرائيل عندما قامت وظهرت كدولة عام 1948 كانت بتدور على دول تعترف بيها، وطبعاً الدول العربية اعتبرتها مغتصبة لفلسطين، ودخلت معاها في حرب 1948. عشان كده فكرت إسرائيل إزاي تكسب تأييد دول أفريقيا على اعتبار أن الدول دي ملهاش موقف محدد في الصراع العربي-الإسرائيلي. أو بمعنى تاني دول غير منحازة. طب عملت إيه؟
أقولك عملت إيه:
الإسرائيليون –كعادتهم بيفكروا كويس، وزي ما هما عارفين هما عاوزين إيه، لازم يعرفوا أيضا الأفارقة عاوزين إيه على اعتبار أن ده هو المدخل ليهم. طيب الأفارقة في وقتها كانوا عاوزين إيه.
الأفارقة كانوا عاوزين يبقوا حاجة واحدة، وظهر بعض الزنوج في أمريكا ولندن بيطالبوا بعودة الزنوج -اللي تم تهجيرهم على أيدي القوى الاستعمارية قبل كده في القرن الثامن عشر وترحيلهم إلى العالم الجديد اللي هو الولايات المتحدة الآن– إلى أفريقيا. ومن بين دول واحد اسمه "ماركوس جارفي" وظهرت فكرة عودة الأفارقة إلى بلادهم ووحدتهم بعد كده في إطار الوحدة الأفريقية. وهنا مسك الإسرائيليون الخيط، وقالو إن فيه رابطاً مشتركاً بينا وبين الأفارقة دول. فكل واحد منا مشتت، احنا في أوربا، والأفارقة في العالم الجديد. وكل واحد منا اتعرض لظلم (اليهود في أوربا على أيدي النازي والمحارق، والأفارقة في العالم الجديد حيث كانوا عبيدا، وكانوا بيعملوا وفق نظام السخرة). إذاً الهدف واحد، وأطلق الإسرائيليون على حركة الوحدة الأفريقية أو الجامعة الأفريقية اسم "الصهيونية السوداء"، كما أطلقوا على "جارفي" اسم النبي موسى الأسود.
طب وعملوا إيه تاني..
التربيطات مع الزعماء الأفارقة
وزي ما قلت لك الإسرائيليون بيفكروا كويس، عملوا أيضا على كسب ود الزعماء الأفارقة اللي حيقودوا بلادهم للتحرر من الاستعمار، على اعتبار أن دول هما قادة دولهم بعد الاستقلال، عشان كده لازم التربيط معاهم من دلوقتي. وعشان تبعدهم عن حركات التحرر العربي من ناحية تانية. لذا تم التربيط مع أبرز الزعماء الأفارقة زي "نكروما" في غانا، و"نيريري" في تنزانيا و"سنجور" في السنغال.
تشويه صورة العرب
إسرائيل ما اكتفتش بالتربيطات دي، لكنها عملت على قطع علاقات حركات التحرر العربي بحركات التحرر الإفريقي. وصورت العرب بأنهم كانوا يتاجرون بالأفارقة، ويعتبرونهم عبيداً، طب وهل نجح الإسرائيليون في كده..
للأسف آه، فقد كانت هناك هرولة أفريقية ناحية الإسرائيليين وإليك أمثلة:
1- فأول دولة اعترفت بإسرائيل بعد أمريكا والاتحاد السوفيتي كانت دولة ليبيريا، وطبعا معروف ليه ليبيريا، لأن اللي متحكمين فيها هم السود المحررين اللي رجعوا لبلدهم من أمريكا.
2- أن "نكروما" بعد استقلال بلاده عام 1957 هرول ناحية إسرائيل. بل وصل بيه الأمر إلى أنه هدد نظام عبد الناصر من السماح بنشر الفكر الاشتراكي في القارة الأفريقية. ويا ريت كده وبس، ده "نكروما" بعت بعض وزرائه إلى إسرائيل عشان يعملوا بيزنس واتفاقات مع إسرائيل للاستثمار في بلاده بعد الاستقلال عن بريطانيا.
3- الزعيم الكيني "توم مبويا" قال إن أي أفريقي سيزور إسرائيل حينبهر بالإنجازات اللي حققتها بالرغم من أنها دولة حديثة النشأة ومواردها محدودة، وقال احنا مشتاقين لإسرائيل لكي نستفيد من تجربتها في نمو بلدنا.
4- الرئيس التنزاني آنذاك "نيريري" قال إن إسرائيل بلد صغير، لكن يمكن أن تقدم الكثير لبلادنا.
5- لكن أغرب التصريحات وأكترها جرأة كانت لرئيس مالاوي آنذاك دكتور "باندا" اللي قال بعد هزيمة العرب عام 1967 إن إسرائيل لم تكن دولة معتدية! وإن مصر دولة عاجزة لم تكن تقدر على حرب امرأة!
وأضاف أن إسرائيل قد فعلت الشيء الصحيح. وأن أي اقتراح أفريقي باعتبارها دولة معتدية هو بمثابة تحريف ومتاجرة بشرف الحقيقة.
لكن عاوزين نقول حاجة في النهاية، إن إسرائيل بالرغم من أنها نجحت في التقرب إلى الأفارقة، فإن العرب نجحوا أيضا في التقرب من الأفارقة زي ما حصل بعد حرب 1967، 1973 لما قام الأفارقة بقطع العلاقات مع إسرائيل باستثناء بعض الدول زي جنوب الأفارقة العنصرية، وبعض الدول الصغيرة حولها مثل (مالاوي– موريشيوس– ليسوتو- سوازيلاند) وكلها دول قزمية لا قيمة لها.
طب معنى الكلام.. أن الأفارقة لعبوا على الجانبين العربي والإسرائيلي؟! الإجابة ممكن، فهذه هي السياسة. لكن عاوز أقول إن نجاح الإسرائيليين في التعامل مع أفريقيا يرجع إلى فشل العرب في التعامل معاهم، وأنه ينبغي للعرب النظر إلى الأفارقة بكل تواضع واحترام، أما النظرة المتعجرفة حتدفع الأفارقة إلى البحث عمن يقدرهم حتى ولو كان الحد ده هم الإسرائيليون..
وللحديث بقية..