لعلنا نكره التسوس الذي تصاب به أسناننا، ليس امتعاضا من منظره السيء، ولا بسبب الألم الذي يصاحبه، وإنما حتى لا نضطر للوقوع في براثن أطباء الأسنان وأدوات التعذيب التي يستعملونها!
تقول الإحصائيات إن 90 بالمائة من الأطفال في سن المدرسة لديهم تسوس بشكل أو بآخر، كما أن معظم الكبار لديهم تسوس أيضا، ومن النادر أن تجد شخصا أسنانه سليمة تماما.
وتسوس الأسنان هو مرض بكتيري يؤدي إلى تلف الأسنان المصابة. في البداية لا يشعر المصاب بألم، لكن إذا ترك التسوس دون علاج فإنه يتطور ليبدأ الألم في الظهور، وفي الحالات المتقدمة من التسوس قد تتلف السن كليا بحيث يحتاج علاجها إلى إجراءات طويلة معقدة ومكلفة، وقد يصبح خلعها هو الحل الأسهل والأرخص.
وتسوس الأسنان واحد من أقدم الأمراض التي أصيب بها الإنسان على وجه الأرض، كما أنه يترك أثرا واضحا لا يمحى، فنحن نعرف الآن أن الإنسان الذي عاش في العصر البرونزي والفرعوني قد أصيب أيضا بتسوس الأسنان، وذلك عن طريق المومياوات التي وصلت إلينا، وحتى اليوم يظل تسوس الأسنان أحد أكثر الأمراض انتشارا في العالم.
وينتج التسوس عن بكتيريا ذات إفرازات حمضية تؤدي إلى تآكل طبقة الإيناميل في الأسنان، وتنشط هذه البكتيريا في وجود مواد كربوهيدراتية قابلة للتخمر، مثل السكريات بأنواعها (سكروز وجلوكوز وفركتوز). ولأن الأسنان ذات تكوين معدني في الأساس، فإن المواد المعدنية التي تتكون منها تكون في حالة حركة دائمة دخولا إليها وخروجا منها وذلك بالتفاعل مع اللعاب المحيط بالأسنان. عندما تصل درجة الحموضة على سطح السن إلى 5.5 على مقياس الحموضة PH (وذلك بسبب الإفرازات الحمضية للبكتيريا) يصبح معدل خروج المعادن من السن أكبر من معدل الدخول، وبالتالي تبدأ عملية تحلل وتآكل السن، التي تعرف بالتسوس.
تاريخ مع التسوس
يعود تاريخ الإنسان مع التسوس إلى أزمنة سحيقة، ولدينا مومياوات ذات أسنان مسوسة يعود عمرها إلى أكثر من سبعة آلاف عام. وفي كتابات "هوميروس" الإغريقي إشارات إلى تسوس الأسنان، كما توجد نصوص مصرية قديمة تصف التسوس وأمراض الأسنان الأخرى. وقد ابتكر قدماء المصريين بعض العلاجات لآلام الأسنان.
وقد لوحظ أن معدل الإصابة بتسوس الأسنان في ازدياد مستمر، فهو أكبر في العصور الوسطى عن العصر البرونزي، وفي العصر الحديث عن القرون الوسطى، وذلك بسبب ازدياد معدل تناول السكريات والنشويات، وزراعة قصب السكر على نطاق واسع وتقدم صناعة المخبوزات والحلويات. لقد أصبح الناس يأكلون الخبز الأبيض المصنوع من الدقيق المنخول، ويشربون الشاي المحلى بالسكر، ويتفننون في صناعة الحلوى بأنواعها. وجد أيضا أنه باختلاط الهنود الحمر مع المستعمرين الأوربيين فقد انتشر تسوس الأسنان بينهم بدرجة أكبر من ذي قبل، وذلك بسبب تغير عاداتهم الغذائية الأصلية، وهذا يدل على الارتباط بين انتشار الحضارة وتسوس الأسنان.
وقبل عصر التنوير وانتشار العلم، كان الناس يظنون أن هناك دودة تسمى دودة الأسنان هي التي تقوم بتسويس الأسنان ونخرها، إلى أن أتى "بيير فوتشارد" أبو طب الأسنان الحديث ليرفض فكرة الدودة هذه ويربط بين تسوس الأسنان وتناول السكريات.
الأعراض
وفي الغالب لا يشعر المريض بأن لديه تسوسا في إحدى أسنانه في البداية، ولا يعرف بهذا إلا عند تقدم التسوس ووصوله إلى درجة مرئية وواضحة ومحسوسة.
ويبدأ التسوس ببقعة بيضاء كالطباشير على سطح السن، حيث تدل هذه البقعة البيضاء على بدء خروج المعادن من السن، وبعدها بازدياد خروج المعادن يتحول لون البقعة إلى البني، ويستمر النخر إلى أن تتحول البقعة إلى فجوة في السن. إذا كان لون البقعة البنية لامعا، فإن هذا يدل على أن عملية خروج المعادن من السن قد بدأت ثم توقفت عند هذا الحد، أما إذا كان اللون غير لامع ومعتم فإن هذا يعني أن عملية خروج المعدن مازالت نشطة.
إذا ترك التسوس دون إزالته فإن الفجوة في السن تزداد اتساعا والحالة تزداد سوءا باستمرار، حيث قد يصل التسوس إلى عصب السن الذي يبدأ في التأثر ليبدأ الشعور بالألم. ويزداد الألم سوءا مع شرب المشروبات الباردة والساخنة، ويمكن أن يؤدي التسوس إلى ظهور رائحة نفس كريهة أو طعم سيء في الفم. وفي حالات نادرة قد تصل الإصابة البكتيرية إلى الأنسجة المحيطة وتصبح مهددة للحياة، حيث يحدث التهاب شديد في أنسجة الفم في حالة تسمى Ludwig's angina.
التشخيص
يقوم طبيب الأسنان بالكشف على كل أسطح الأسنان مستخدما مصدرا جيدا للإضاءة ومرآة، وقد يحتاج الأمر إلى إجراء أشعة لتبيان إلى أي مدى وصل التسوس. وأحيانا يقوم الطبيب بتحسس أجزاء السن بواسطة إحدى أدواته ليشعر بما إذا كان هناك جزء أكثر ليونة من غيره من السن مما يدل على وجود تسوس. ويحذر بعض الباحثين في مجال طب الأسنان من استخدام تلك الأداة التي تضغط على السن (والتي تظهر في الصورة) لاستكشاف الأماكن اللينة، لأن الضغط على هذه الأماكن قد يؤدي إلى تكون فجوة وبالتالي المساهمة في تآكل السن بصورة أسرع، بينما يمكن في هذه المرحلة علاج عملية خروج المعادن ومحاصرة التسوس بالفلورايد، لكن إذا تكونت الفجوة تصبح عملية خروج المعادن غير قابلة للعكس.
ولماذا تسوس الأسنان؟
هناك أربعة عوامل رئيسية تعتمد عليها عملية التسوس: طبيعة إيناميل الأسنان نفسه، ووجود البكتيريا المخمرة للكاربوهيدرات، ووجود الكربوهيدرات (كالسكر)، ووقت التعرض لهذه العوامل.
وتختلف العملية من شخص لآخر وفقا لطبيعة أسنانه، ووفقا لاهتمامه بنظافة فمه، ووفقا لطبيعة لعاب الشخص. ويمكن للسن أن يتعرض للتسوس من أي من أجزائه المعرضة للفجوة الفمية، لكن أجزاء السن المدفونة في عظام الفك لا تتعرض للتسوس.
إضافة إلى العوامل السابقة، فإن نقص إفراز اللعاب في الفم -كما يحدث في مرض السكر وفي حالات استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب وأدوية الحساسية- يكون له دور أيضا في زيادة معدل التسوس. كما يعتبر التدخين أيضا أحد أهم العوامل المساعدة في تسوس الأسنان.
العلاج
إذا كان التسوس مازال في مرحلته الأولى -قبل أن يتحول إلى اللون البني- يمكن عكس عملية خروج المعادن عن طريق الفلورايد الموضعي.
لا يمكن إعادة إصلاح الإيناميل المجوف والمفقود، لذا فإن ما يفعله الطبيب هو إزالة التسوس بأدواته حتى يمنع حدوث المزيد من الأذى للسن، ثم يملأ الفراغ الناجم عن التسوس بمواد تعويضية. وتتضمن المواد التعويضية الأمالجم والكومبوزيت والبورسلين والذهب. الأمالجم أسود اللون وأرخص سعرا، بينما الكومبوزيت والبورسلين يكونان بلون السن، وهما بالطبع أغلى سعرا إلا أن أن الكومبوزيت أكثر هشاشة من الأمالجم ولا ينصح به سوى للأسنان الأمامية التي لا تستخدم كثيرا، فهو لا يتحمل الضغط المستمر الذي تمارسه الضروس الخلفية من أجل مضغ الطعام.
بالطبع إذا بدأ العلاج مبكرا فإن الألم يكون أقل والعلاج أسهل وأقل تكلفة، أما إذا كان التسوس كبيرا وعميقا فإن المريض قد يحتاج إلى مخدر موضعي قبل أن يستطيع الطبيب العمل في أسنانه.
أحيانا تكون مساحة التسوس كبيرة لدرجة أن الطبيب بعد أن يزيل الجزء المسوس يجد أن الجزء السليم المتبقي صغير جدا ولا يمكن إعادة البناء عليه، وهنا يضطر إلى تركيب طربوش Cown على الجزء السليم، وهو يتكون في الغالب من البورسلين أو الذهب.
في أحيان أخرى يكون التسوس نافذا لدرجة أنه يميت لبّ السن، وبالتالي يحتاج الطبيب إلى عمل علاج جذور للسن وإزالة العصب قبل تركيب الطربوش. ولأن هذه العملية مكلفة جدا، يفضل الكثير من الناس خلع السن والتخلص منه بدلا من إجرائها.
الوقاية
بالطبع غسيل الأسنان بالفرشاة والمعجون بانتظام واستخدام خيط الأسنان للتخلص من بقايا الطعام العالق بين الأسنان، وإزالة البلاك عند تكونه أولا بأول. يجب أيضا تقليل استهلاك السكر والنشويات لأنها تشكل الخميرة الأساسية التي تتغذى عليها البكتيريا المسببة للتسوس.