جاليليو جاليلي بريشة الفنان سوستو ساسترمانز

"أنا المدعو جاليليو جاليلي...
ابن فنشنزو جاليلي من سكان فلورنسه...
وأبلغ من العمر سبعين عاما...
أقسم إنني آمنت بكل معتقدات الكنيسة الكاثوليكية الرسولية بروما...
وسأؤمن مستقبلا بكل تعاليمها وما تبشر به...
وأعلن ندمي عن كل الأفكار والهرطقات التي أدليت بها مسبقا...
وعن كل ما اقترفته في حق الكنيسة...
وأقسم ألا أعود إلى مثل هذه الأفعال مرة أخرى...
وأن أشهد أمام هذه الهيئة المقدسة ضد أي شخص يقترف فعل الهرطقة أو المساس بمعتقدات الكنيسة فور علمي بذلك"!!

بالرغم من الصراع الرهيب الذي كان يعانيه "جاليليو" أثناء قسمه، وبالرغم من الألم الذي كان يدمي قلبه وهو يدلي بهذا الاعتراف الخطير الذي يتعارض مع كل ما آمن به طوال سنوات عمره السبعين، فإن ذلك -ولسبب ما- كان يبدو غير كافٍ لهيئة المحكمة!

ربما لأن هذا كان في زمن...
محاكم التفتيش!

نشأته

في الخامس عشر من شهر فبراير لعام 1564، ولد "جاليليو جاليلي" بمدينة "بيزا" في إيطاليا لأب ماهر في الرياضيات والموسيقى يدعى "فنشنزو جاليلي"، أراد لولده أن يعمل بمجال يكسبه مالا فألحقه بجامعة "بيزا" لدراسة الطب عام 1581 بعد أن ظهرت موهبته في الرسم والشعر واللغتين اللاتينية واليونانية، ولكن استهوته الهندسة بدرجة أكبر فانكب على دراستها بجانب الطب، وسرعان ما استطاع "جاليليو" إثبات تفوقه بها وبالدرجة التي مكنته من إلقاء محاضرات بالجامعة بعد ثلاث سنوات فقط، ثم أصبح أستاذا للرياضيات في "بادو" خلال الفترة من عام 1592 وحتى 1610. في ذلك الوقت كانت تجربته الشهيرة التي شهدتها هيئة التدريس بالجامعة بخصوص سقوط الأجسام هي سر ارتباط اسم "جاليليو" ببرج "بيزا" المائل، حين قرر إلقاء كرتين مختلفتين في الوزن من أعلى قمة البرج ليؤكد عمليا وصولهما معا إلى سطح الأرض في نفس الوقت، على عكس ما كان سائدا حول سقوط الأجسام الأثقل بشكل أسرع من الأجسام ذات الوزن الأقل وفقا لنظرية "أرسطو"، وأرجع السر في سقوط أوراق الأشجار بشكل أبطأ إلى مقاومة الهواء وليس لوزنها الخفيف، مما جعله واحدا من الرواد الذين استخدموا نتائج التجارب العملية لإثبات نظرياتهم العلمية، وهو ما يعرف الآن بالطرق العلمية التجريبية الحديثة.

كما توصل إلى ثبات دورة البندول عام 1582 من خلال ملاحظته لتأرجح مصباح معلق بكاتدرائية "بيزا" واستطاع فيما بعد استخدام البندول لقياس الزمن ونبض المرضى كما قام بتطوير آلية تعطي دفعة صغيرة للبندول عند نهاية كل تأرجح لتحافظ على استمرارية حركته. وفي عام 1593 قام "جاليليو" باختراع الترمومتر لقياس درجة حرارة الجو وكان على هيئة أنبوب أعلاه كرة زجاجية مجوفة ومنكس في حوض به ماء ملون، وتعتمد فكرة عمله على انكماش الهواء الموجود بالكرة الزجاجية وفقا لدرجة البرودة مما يتسبب في صعود الماء الملون في الأنبوب.

وتحديدا في عام 1609، قام "جاليلو" بتصميم التليسكوب الانكساري الخاص به -وهو يعتبر تطويرا لاختراع التليسكوب الذي ظهر عام 1608- بقوة تقريب تصل إلى 32 X مما مكنه من متابعة الأجرام السماوية بدقة أكبر بمقدار عشرة أضعاف ما كان متاحا وقتها، وقد كانت هذه هي نقطة التحول الكبيرة التي غيرت مجرى حياته للأبد.

رسول من النجوم

بالتأكيد كان الأمر يبدو له أشبه بالسحر...
عين على العالم الخارجي بكل ما يحيط به من غموض.
ولشهور طويلة ظل "جاليليو" قابعا في منزله يراقب الكون من خلال تليسكوبه المطور.

وتوالت الاكتشافات المثيرة التي أوردها في كتاب بعنوان "رسول من النجوم" في مارس من عام 1610.


تليسكوب جاليليو الانكساري

ومن هذه الاكتشافات رصده الأقمار الأربعة التي تدور حول كوكب المشترى ووصفه لسطح القمر وما عليه من جبال وسهول وأخاديد بما ينفي الاعتقاد بأن سطح القمر مسطح تماما كما كان سائدا في تلك الفترة واستطاع تقييم ارتفاع جبال القمر بشكل تقريبي من خلال رصده لظلالها، كما نفى أن يكون الطريق اللبني مجرد سحابة من الضوء، وأثبت أنه مكون من عشرات الألوف من النجوم السابحة، كما اكتشف وجوه كوكب عطارد وثلاث حلقات ملونة حول كوكب زحل والبقع المعتمة على سطح الشمس. ولكن الاكتشاف الأهم والأخطر هو تأكيده نظريات "كوبرنيكوس" حول مركزية الشمس عام 1614.


مخطوطة لجاليليو يشرح فيها اكتشافه لأقمار كوكب المشترى الأربعة

محاكمة "جاليليو"

من المعروف عن "جاليليو" أنه كان سليط اللسان، وكثير الجدال والسخرية مع من يعارض اكتشافاته العلمية التي كان متأكدا من صحتها، وبالتالي كان الاصطدام الحتمي مع فكر الكنيسة الكاثوليكية التي بدأ دورها يشتد فيما كانت تراه من وجهة نظرها محافظةً على تعاليم الديانة المسيحية وهو الأمر الذي ترتب عليه معاقبة "كوبرنيكوس" من قبل بالحرق بسبب نظريته حول مركزية الشمس.

كان اعتقاد الكنيسة وفقاً لتفسيرها للإنجيل أن الأرض هي محور الكون وأن جميع الأجرام السماوية تدور حولها وفقا لآراء "بطليموس"، كما كانت تعتقد أن عدد الكواكب هو سبعة فقط مستشهدة بعدد أيام الأسبوع السبعة وعدد فتحات رأس الإنسان السبعة مما يعطينا صورة واضحة عن ضحالة الفكر خلال هذه الفترة التي شهدت محاكم التفتيش وعقوبات صارمة لكل من يفكر في معارضة الكنيسة.

بدأ الأمر كوصف لآراء "جاليليو" بالهرطقة وتم استدعاؤه ليمثل أمام البابا "بولس الخامس" الذي كان معتدلا فنصح "جاليليو" أن يكتفي بنسب أفكاره لـ"كوبرنيكس" دون الإشارة إلى صحتها في مقابل وعد منه بعدم التعرض إليه وهو ما وافق عليه "جاليليو" بالفعل، ثم سافر بعدها إلى فلورنسا عام 1621 تلبية لدعوة حاكمها "كوزيمو" الذي أعجب بآراء "جاليليو" وكان من المفترض أن تكون هذه بداية إعلان "جاليليو" نظرياته تحت مظلة من الحرية والأمان لولا وفاة الحاكم في نفس السنة لتصبح الدولة تحت سطوة الكنيسة فعاد إلى حذره مرة أخرى. ولكن وبعد عشر سنوات وتحديدا في عام 1632، قام "جاليليو" بنشر كتاب "حوار حول النظامين الرئيسيين في العالم" أو المعروف باسم "المحاورة" والذي كان مجرد مناقشات وحوار حول حركة مجموعات الكواكب مما أثار غضب الكنيسة التي أقرت من قبل بصحة آراء "أرسطو" مما جعل هذا الكتاب بمثابة اتهام صريح لها بالخطأ، كما مثل لهم تأييدا لأفكار "كوبرنيكوس" وتجنيا على ما ورد بالكتاب المقدس.

ومثّل "جاليليو" في اليوم الثاني من شهر يونيو لعام 1633 أمام محكمة تفتيش مكونة من عشرة كرادلة ليحققوا معه ويتهموه في النهاية بالهرطقة وأجبروه على الاعتراف بذلك!!


جاليليو أثناء محاكمته بتهمة الهرطقة عام 1633 م

وأدلى "جاليليو" باعترافه.
وأقسم على احترام معتقدات الكنيسة الكاثوليكية وعلى ألا يعود لمثل هذه الأفكار مرة أخرى.

ربما كانت صورة الفلكي البولندي "نيكولاي كوبرنيكوس" تتجسد أمام عينيه محروقا حتى الموت.

ربما لأنه لا مجال هنا للتمسك بالرأي، و"العنترية" التي لن تجدي نفعا مع محاكم التفتيش التي لم يسلم منها بريء. ربما لسنوات عمره السبعين التي جعلته غير قادر على الصمود أكثر.

ربما لكم الإحباط الهائل الذي كان يعانيه "جاليليو" غير عابئ بكل ما توصل إليه من اكتشافات، حتى وصل به الأمر إلى أن قال لأحد أصدقائه قبل المحاكمة: "ياليتني أحرقت كل ما كتبت بيدي حتى لا أشهد يوم محاكمتي هذا".

ومنذ هذه اللحظة التي حكم فيها على "جاليليو" بالسجن المؤبد في منزله بأرستري رأفة بحالته الصحية التي ازدادت سوءا حتى فقد بصره في النهاية، أصبح في نظر الكنيسة مذنبا حتى عام 1992 حينما أعلنت الكنيسة اعترافها بصحة ما جاء به "جاليليو" واعتذرت عن حكمها السابق. مما يعتبر أطول محاكمة في التاريخ. وأغرب حكم بالبراءة يناله شخص بعد وفاته بـ359 عاما!

ليبقى "جاليليو" كأحد أهم الفيزيائيين علي مر العصور.


ضريح جاليليو بسانتا كروز

MohamedYahya578

Acc. Mohamed Yahya Omer Egypt , Elmansoura ,Talkha

  • Currently 134/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
44 تصويتات / 912 مشاهدة
نشرت فى 26 ديسمبر 2007 بواسطة MohamedYahya578

MOHAMED YHYA OMER

MohamedYahya578
وارحب بكل من يزرو هذه الصفحة واتمنى ان ينتفع بما فيه من معلومات »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

223,492