| |||
كثيرا ما نسمع أن هذا الشخص "ملتزم"، وأن هذا الشخص "غير ملتزم"، وأن هذا متدين، وهذا غير متدين، ولكن ما المعايير والضوابط التي تجعلنا نحكم على بعض الناس أنهم ملتزمون أو غير ملتزمين؟ واستقراء للواقع نجد الالتزام يطلق على من ينتمي لجماعة، أو إنسان يمارس أشكالا محددة من الدعوة، أو يمارس الدعوة بمعناها الخاص، فحين يتغير حال الإنسان فيحافظ على الصلاة بعد أن كان متهاونا فيها، ويحافظ على الذهاب إلى المسجد، ويقرأ القرآن، وقد يطلق لحيته، ويظهر بهذا الشكل أمام الناس فيطلق عليه "الالتزام"، وينادى في بعض الأوساط الاجتماعية: "يا أخ فلان". وكذلك الحال في النساء، فالمرأة التي ترتدي النقاب، أو الحجاب بشكل من أشكاله، وهو "الخمار"، وتذهب للمسجد، وتحضر دروس العلم، وقد تباشر بعض أعمال الدعوة يطلق عليها "ملتزمة". ولا شك أن مثل هذه الأمور تجعل الإنسان جديرا بأن يطلق عليه هذا اللقب؛ لأنها تمثل شكلا أو أكثر من أشكال الالتزام. لماذا التفرقة؟ ولكن اللافت للنظر أنه قد يكون من الناس من يحافظ على الصلوات في جماعة، ويجيد قراءة القرآن، وهو إنسان يتحلى بالأخلاق الفاضلة، ولكن لا يطلق عليه لفظ "الالتزام"؛ لأنه لا ينتمي لجماعة معينة. وكذلك الشأن في كثير من الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب، وإن لم يكن على شكل "النقاب" أو "الخمار"، ويؤدين الفرائض، بل وكثيرا من السنن، ويتحلين بأخلاق حسنة، غير أنه لا يخلع عليهن هذا اللقب. وفي إحدى المؤتمرات تحدثت مع بعض المفكرين، وكنا نتحدث عن موقع إسلام أون لاين.نت ورؤيته في تقديم الإسلام، فإذا به يقول: أنت صحيح إنسان ملتزم، وأنا إنسان غير ملتزم، فتعجبت، وقاطعته قائلا: اسمح لي، لماذا لا تطلق على نفسك أنك ملتزم، فأحسبك إنسانا تصلي وتؤدي الفرائض، وأنت إنسان فاضل على خلق. فقال لي: لقد جرت العادة على هذا، فأنا غير ملتح، وأنت ملتح، فناقشته في هذا المفهوم، وأكملنا حديثنا عن إسلام أون لاين، ومنهجها في عرض الإسلام. وفي ظني أننا في حاجة إلى إعادة مفهوم الالتزام، أو أننا نلغي من قاموسنا هذه التفرقة بين جموع الصالحين، ونعود إلى المصطلحات الأخرى التي كانت مستخدمة، مثل: هذا رجل صالح، أو حتى نحكم على الأفعال؛ لأن هذا التقسيم في حقيقته يضر، فهو يقسم الناس الذين يأتون سلوكيات واحدة، وفق شرع الله إلى قسمين، ملتزم وغير ملتزم، فشعور من يأتي العبادات، ويتحلى بالأخلاق الفاضلة، غير أنه لا ينتمي لجماعة، بأنه لا يطلق عليه أنه "ملتزم" مغالطة ذات ضرر. المفهوم بالمعايير ثم إننا في حاجة إلى إعادة فهم معايير الالتزام وضوابطه، فالالتزام من اللزوم، وهي المواظبة على فعل الشيء، وحين نسحب هذا المفهوم على مساحة الإيمان، نفهم أنه مَن التزم الإيمان الصادق بالله تعالى، وحسَّن علاقته به سبحانه، وتحلى بالأخلاق الفاضلة، فهو إنسان ملتزم، بما ألزم به نفسه. وقد يكون الالتزام من الإلزام، الذي يحمل معنى الوجوب، وكأن كل من التزم بما افترض الله تعالى عليه من الفرائض، وانتهى عما نهى الله تعالى عليه من النواهي، فهو إنسان ملتزم بما ألزمه الله تعالى به. ولا شك أيضا أن يطلق هذا على من ألزم نفسه النوافل غير المفروضة، في أركان الإيمان وأسسه بشكل عام، وليس بشكل محصور في الالتزام بالعبادات وحدها، كما هو شائع عند كثير من الناس. الأركان الأربعة فالإيمان له أركان وأسس، هي العقيدة، ويدخل فيها ما جاء في الحديث من تعريف الإيمان "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، كما يدخل فيها أيضا العبادات التي يقوم بها العبد في علاقته مع الله تعالى، فأول الإيمان العقيدة الصحيحة الراسخة في قلب الإنسان، ولهذا نفى الله تعالى عن بعض الأعراب الإيمان، وأثبت لهم الإسلام، قال تعالى: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا"، فهذه علاقة قلبية عقيدية بين العبد وربه، ثم تأتي العبادات كترجمة سلوكية مع الله تعالى، فيتوجه الإنسان بالصلاة والذكر والدعاء والصيام والحج والزكاة وغيرها من أوجه العبادة لله، كترجمة عملية عن إيمانه وعقيدته. ثم تأتي الأخلاق الفاضلة التي يتحلى بها الإنسان، والأخلاق الرذيلة التي يتخلى عنها الإنسان، ليعيش بين تحلية وتخلية، وهما جناحا إصلاح النفس، وهذه الأخلاق هي أقرب إلى اكتساب صفات في النفس، ثم السلوكيات التي تمثل الترجمة لعلاقات الناس فيما بينهم، وفي حسبي أن مدى التزام الإنسان بأساسيات الأركان الأربعة من العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوكيات، هو المحدد الرئيس لإطلاق مفهوم الالتزام على الناس من عدمه، ولا يكون مجرد العمل بالدعوة أو الانضمام إلى الجماعات أو غيرها من المحددات غير الشاملة هي التي تقسم الناس إلى ملتزم وغير ملتزم. الالتزام عند الله قبل الناس كما أنه من المهم إن أخطأ البعض وحصروا مفهوم الالتزام في بعض النوعيات أو الأشخاص ألا يؤثر هذا على الملتزمين الذين لا يطلق عليهم مفهوم "الالتزام"؛ لأن من يطلق هذه الألفاظ والمصطلحات لا يملك سلطة دينية، فحسب الإنسان أن يرى قربه من الله تعالى، وحسن علاقته به، وحسن علاقته مع الناس، وإدراكه بما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما منكم إلا ويقف أمام ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". فالذي يجازي العباد على أفعالهم هو ربهم، وليس بشرا مثلهم. |
نشرت فى 25 ديسمبر 2007
بواسطة MohamedYahya578