سحبت الكرسي ببطء وقرف وجلست بجانبي.. توقّفتُ عما كنت أقوم به لأسمعها.. هكذا يبدأ الحوار بيننا... في صمت.
لم تنتظر مني أن أسألها "مالك؟" فقد قامت عيناي بالمهمة. وبدأت هي تفشي بما يكدرها: "عيد الحب قرّب والمفروض إني كنت ناوية أجيب هدية حلوة أوي وقيمة لـ"وائل" بس الفلوس قصرت معايا... ومحتاسة ومش عارفة أجيب ايه باللي معايا ومش عايزة أستلف من ماما"..

كانت في حالة لا تسمح بأن أفرد لها آرائي عن عيد الحب من أصله. ولم يكن هناك دور آخر يسمح لي إلا أن أكون إسفنجة تمتصها تماماً بهمّها وحبها الجارف الذي لا أعقله.. وأطبطب عليها وأفكر معها في هدية متميزة.

ظللت أقترح عليها أفكارا بسيطة وعملية.. نماذج لهدايا لن تسيح في الشمس، أو تذهب للحمام، وتتحكم فيها المواسم. قلت لها على ميداليا فضة هاندميد، ولو كان له في الشعر والكلام الجميل فتكتب له عليها ما يحب. وقلت لها على أشغال الفنانين المنمنمة النادرة التي يدخل فيها الخشب مع الصدف مع الزجاج وربما تحوي على العطر أو الشمع.. ودللتها على ركن لفنان في آخر الشارع.

قلت لها تعمل له كوفية وجونتي بخيوط صوف كشميري محترم، وأنا أعرف أنها تجيد التطريز وشغل الإبرة. لم أبخل عليها بفكرة، حتى تلك الأفكار التي أحتفظ بها لنفسي "معه"، اقترحتها عليها –بس مش هاقولها هنا عشان مش تعرفوها!-.. وآخر ما مللت من رفضها لكل الأفكار، قرأت عليها كل الهدايا المعتادة والمستهلكة والتي لا أرى فيها أي قيمة. لكنها لم تقتنع وكانت ترفض الاقتراح حتى قبل أن أوضحه لها!!

المشكلة لم تكن في الميزانية البسيطة، ولم تكن في طبيعة الهدايا المتوفرة حولنا، ولم تكن في ضيق الوقت.. المشكلة كانت فيها هي؛ تريد دائماً أن تأتي له بشيء أكبر من الدنيا كما كنا نقول ونحن صغار.. حبها له أصلاً أكبر من الدنيا وقد يكون أكبر منه، ويا رب بس ينتهي على خير!

لم أصل معها إلى حل.. فتركتها تفكر براحتها في كل الأفكار أمامها بعد أن لم أجد مفراًَ لمواجهتها برأيي... وليه عيد حب أصلاً؟؟ وليه تزنقي حبك وتضغطيه في يوم واحد في السنة؟؟ مش عارفة الناس دي بتفكر ازاي؟؟
وبالطبع بمجرد ما بدأت أتكلم وجدتها غير موجودة!!

* * *

قبل ست سنين، لم أكن ألحظ أي أنوار أو أشكال حمراء في 14 فبراير ولا قبله بشهر ولا بعده، سواء على واجهة المحلات أو في أيدي الشباب. وكنت كلما سمعت إنهم في العالم الأول يخصصون يوماً للحب، كنت أسخر منهم. وبعد التفكير صعبوا عليّ وأشفقت عليهم لأنهم ناس استبدلوا المعاني بالأجهزة، واليوم عنده قصير والساعات لا تعني غير دقائق. يعني يعيشون حياتهم بلا حياة. فمن حقهم يا عيني إنهم يخصصوا يوم للحب، ويوم للأب ويوم للأم ويوم للزهور ويوم للأطفال، لكي يتذكروا المعاني الجميلة التائهة منهم في حياتهم اليومية.

نفس السخرية التي كنت أشعر بها عندما أعرف أنهم يحتفلون بالحب في يوم، أصابتني لما وجدت أن الاحتفال بدأ يتسرسب لنا في الجامعة. فقلت إن ذلك قد يكون لأننا ندرس لغة قوم مختلفين عنا، ومن الشائع أن دارسي اللغة قد يتأثرون بثقافة أهل اللغة التي يدرسونها.. إذن مفيش مشكلة لو كانت الـ "كام" محاولة التي رأيتها كانت مجرد نوع من التغيير. ولكن حل الفزع محل السخرية عندما وجدت أن الموضوع يزيد عن حده وبالفعل تسلل اللون الأحمر لواجهات المحلات، والتي-شيرتات، والقلوب القطيفة الحمراء، والدباديب، حتى الورد البلدي يا عيني اختصروه في لونه الأحمر ويوم 14 فبراير.

أنا والله مش متشددة ولا من ذوات الأدمغة المتربسة.. ولا رجعية ولا ليّ اتجاه ديني متزمت يحكم بالحرام على كل شيء جديد. ولا حتى أطالب بمصرنة عيد الحب، وبدل ما الواحدة تجيب لحبيبها قلب أحمر ووردة تذبل ودبدوب، تجيب له تمثال مصغر للملك "رمسيس" استبشاراً بالعمر المبروك والإنجازات الهايلة. أو تجيب له "مفتاح الحياة" الذي كان رمزا للحياة والبعث بعد الموت وخلود الروح عند الفراعنة. وبهذا يحمل رسالة لحبيبها تقول: "إنت حبيبي في حياتي ومماتي ولآخر الزمان" ولو عايزة تخلي الموضوع عصري تقول: "فور إفر"!!

وهو مثلاً يجيب لها تمثال "نفرتيتي" فيقصد يقول لها إنها أجمل نساء الدنيا على رأي "صابر الرباعي"... لا أبداً.. أنا كل ما أراه إنه ليس من العدل إننا نزنق الحب في يوم، ونكون كلنا شبه بعض وكلنا أحمر وكلنا شايلين ورد ودباديب. وماشيين وكأننا لابسين زّياً واحداً في طابور المدرسة.

ليه عيد الحب الأجنبي يبقى يوم 14 فبراير والمصري في 4 نوفمبر؟

ليه لأ.. لو كل واحد يتميز ويعمل له عيد حب في يوم لوحده.. ويتغير من سنة لسنة، لكي يوفر عنصر المفاجأة وقدر أكبر من الفرحة. وليه لأ.. لو كل واحد يعمل يوم حب لشريك حياته من غير ما يقول له.. فيكون لكل اثنين عيدين حب في السنة..

MohamedYahya578

Acc. Mohamed Yahya Omer Egypt , Elmansoura ,Talkha

  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 527 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2007 بواسطة MohamedYahya578

MOHAMED YHYA OMER

MohamedYahya578
وارحب بكل من يزرو هذه الصفحة واتمنى ان ينتفع بما فيه من معلومات »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

223,492