" نصيحة "
يؤكد الأطباء أن المدخن يضر غيره كما يضر نفسه ، وأن الجنين في بطن الأم الحامل ينتقل إليه " النيكوتين " ويؤثر في أعصابه إذا كانت الأم مدخنة أو الأب مدخنا ، وبعد ولادته وانقطاع سم النيكوتين عن التأثير في أعصابه يرسل صرخات متشنجة نحو أربعين يوما ، حتى يتعود جسمه على الوضع الجديد !
لقد تأذيت عندما عرفت هذه الحقائق العلمية ، وأذكر أني رأيت صورة " رئة " مدخن ولاحظت أن السواد غطى حمرتها ولون القطران الذي يحتجزه في صدره قد ذهب بلونها الوردي الناضر.
ويقول الأطباء : لا يزال هذا البلاء يتضاعف: حتى يصاب المدخن بسرطان الرئة( والعياذ بالله ) لقد كنت أظن الدخان مالا يحترق ويذهب في الجو سدى ! حتى وقفت على هذه الحقائق ، فأدركت أن المدخنين يحرقون أموالهم وصحتهم معا ! وإذا كان البعض لا يبالي بهذا الانتحار البطئ ، فلماذا يفرضونه على غيرهم ممن يرفض أن يضع سيجارة في فمه ؟ يظهر أن الجار قد يؤخذ بظلم الجار ، وأن الصدر النقي قد يسود إذا نفثت عليه الدخان أفواه أخرى! وقد تدخل القانون في أوروبا وأمريكا فعزل المدخنين عن غيرهم جهد الطاقة، وجعل لهم في الطائرات والقطارات مقاعد خاصة ، ولكن ما العمل إذا كان السائق والمحصل في بعض السيارات من المدخنين؟ وما العمل إذا كان بعض الناس يرى مكتوبا بالخط الكبير" ممنوع التدخين " ومع ذلك تراه مدخنة متحركة؟ يبدو أنه لابد من عقوبات زاجرة لوقف هذا الاستهتار . والإحصاءات تشير إلى أن العالم الأول بدأ ينصرف عن التدخين بعد ما استيقن من أضراره. ولكن شركات التبغ العملاقة أخذت تعوض خسائرها في العالم الأول وتنشر الإعلانات الكثيرة عن السجائر التي تنتجها في البلاد الأخرى ، ومن الغريب أن تكتب تحتها هذه العبارة " التدخين ضار بالصحة " .
إنها تكتب التحذير بحروف صغيرة وفي مكان يثير الضحك، ويبدو أن صحة الناس في العالم الثاني رخيصة أو أنها لا تستحق المحافظة الجادة عليها ، ولذلك تقع هذه المفارقات المضحكة ، وقد لاحظت بنفسي جماعات من العمال والطلاب يشربون الدخان بنهم وتأنق، وتجاهر بما تفعل دون مبالاة فشعرت بأن مركب النقص استبد بهؤلاء الفتيان ، إنهم يحسبون أنهم أصبحوا رجالا مسؤولين بهذا المسلك ، أو أنهم ينفون عن أنفسهم تهمة الفقر والعيش من دخل محدود! والزعم بأن الرجولة هي التدخين ضلال كبير! وإذا كان الإدمان بلاء محتوما للمدخنين والسكارى وأشباههم ، فإن نتيجته فقدان الإرادة وخضوع المرء لأسوأ عادة ، وقد يبيع سمعته وشرفه من أجل سيجارة ! والاتجاه الآن في أمريكا وأوربا إلى تحريم التدخين في الطائرات كلها، وإلى تحريمه على تدرج في الأماكن العامة فهل نعي نحن ذلك ؟ لقد نقلنا عنهم هذه العادة الرديئة فهل ننقل عنهم التوبة منها والبعد عنها؟ لقد كان بعض الفقهاء يتساهلون في تحريم التدخين لعدم علمهم بأضراره وآثاره، لكن الطب الآن يجزم بخطورة التدخين على القلب والرئتين والمثانة والمعدة ؟ فهل ننتحر ببط لأن إرادتنا ضعيفة؟ أم ننتظر حتى نفاجأ ببعض السرطانات المهلكة وعندئذ نندم بعد فوات الأوان؟ أيها المدخنون أقبلوا نصيحتنا بالعافية والاطمئنان ...
بقلم فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
نشرت فى 22 ديسمبر 2007
بواسطة MohamedYahya578