منزل مصري- يوم وقفة عرفات.. ليلة عيد الأضحى
كما ترى "شايف انت طبعا".. البيت أشبه بخلية نحل مشتعلة النشاط، الكل يتحرك في سرعة ليقوم بمهامه القتالية.. الأم تعد حلة المحشي ليوم الغد.. وفي نفس الوقت تسوي البطة السوداني على النار من أجل إفطار صيام يوم الوقفة...
الابنة الصغرى "سوسن" تقف على الكنبة تنظف ستائر البلكونات والشبابيك وبالمرة تصبح على جارها "وائل" مشروع الزوج المستقبلي...
الابنة الكبرى "نور" تقوم بمسح أرضية الصالة والصالون.. فيما يقوم الأبناء الذكور بدورهم القتالي المفضل "النوم والفرجة ع التليفزيون"..
الأب في الخارج يشتري أشياء ولوازم العيد ولو طلعنا بره بالكاميرا لثوان هنشوفه ماشي في الشارع بيضرب أخماس في أسداس وهو بيسأل نفسه السؤال الأزلي "هو أنا اتجوزت ليه؟".. وفي حجرته المفضلة التي تدخلها الشمس الدافئة في الشتاء والنسيم العليل في الصيف يجلس "جدو أنور" متكئا على سريره وحوله يتجمع الأحفاد الصغار، يخلع نظارته الطبية ويعدل "الزعبوط" الصوف، ثم يبدأ في الحكي وعيون الأحفاد تتابعه بانبهار:
"وفي يوم شاف سيدنا إبراهيم عليه السلام رؤية في منامه.. الرؤية بتأمره أن يذبح ابنه إسماعيل طبعا كان الموقف صعب جدا على الأب.. إزاي يدبح ابنه وسنده اللي بيحبه حب كبير جدا؟ بس ده أمر من الله سبحانه وتعالى.. أمر لازم ينفذ.. وعشان كده راح سيدنا إبراهيم عليه السلام لابنه وقال له الرؤيا فرد عليه "إسماعيل" زي ما القرآن بيقول لنا (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) يعني خلاص الأمر هينفذ..
وفي ساعة التنفيذ وفي الوقت اللي سيدنا إبراهيم ماسك السكين عشان يدبح ابنه تنفيذا للأمر الإلهي، سمع سيدنا إبراهيم النبي عليه الصلاة والسلام نداء "يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا".. بيبص قدامه لقى سيدنا جبريل ومعه كبش.. خروف يعني كبير وضخم.. وبيقول ربنا في القرآن الكريم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِي) أي أنّ الله تعالى خلّص إسماعيل من الذبح بأن جعل له هذا الكبش أو الخروف تضحية له"
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
منزل مصري- ليلة شتوية
ووالده يجلس جلسته المفضلة ساعة عصاري ليشرب كوب الشاي في البلكونة، يدخل عليه "إبراهيم" ليطلب منه طلبه المعتاد:
"بابا أنا عاوز 100 جنيه عشان كتب الجامعة"
يتوقف الأب عن شرب الشاي لثانية، قبل أن يلتفت باسما إلى ابنه قال :
"تؤمر ياهيما.. عاوزهم امتى.. بكرة ينفع؟"
يحتضنه "إبراهيم" وهو يصفه بالأب "العسل"، ثم يذهب إلى حجرته سعيدا، في المساء وعندما يعمل البرد عمايله فيستيقظ من نومه في الثالثة فجرا ليذهب إلى الحمام، يسمع صوت والدته وهي تكلم والده:
- طب وهتعمل إيه يا أبو إبراهيم في الفلوس اللي طالبها إبراهيم؟
- هتتدبر؟
- منين بس؟
- ياستي ربك بيرزق هتيجي من هنا ولا هنا.. يعني أكبس الواد وأقوله مافيش.. مش مشكلة يعني لو "قرصنا" على نفسنا شوية في الأكل ولا يعني الجزمة بتاعتي تستحمل لها شهر كمان قبل ما اشتري واحدة غيرها.. المهم "إبراهيم" يذاكر وينجح.. نامي بس نامي".
يعود "إبراهيم" إلى غرفته وقد أنساه الحوار الذي دار بين والده ووالدته أنه استيقظ من نومه ليذهب إلى الحمام.. يغلق باب حجرته على نفسه.. ويفكر فيما حدث.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كتير مننا يمكن عارف قصة عيد الأضحى وحكاية سيدنا "إبراهيم" و"إسماعيل" وعارف أن لها دلالة دينية كبيرة..
لكن كتير مش بياخد باله من المعنى الكبير اللي ورا القصة
التضحية..
أيوة التضحية اللي كتير مننا بيتكلم عنها كتير من غير ما يكون عارف حاجة عنها أصلا..
ومن غير ما يكون حاسس أنه فيه ناس كتير بتضحى عشانه..
آه هتلاقي كتير والله حواليك
والدك.. والدتك.. أخوك الكبير.. ويمكن أخوك الصغير.. صاحبك.. جارك.. زميل في الجامعة ولا في الشغل
لو راجعت اللي فات..
هتلاقي فعلا فيه ناس كتير ممكن تكون قدمت تضحية عشانك..
بس السؤال بقى..
أنت قابلت التضحية دي بإيه؟
بتضحية مماثلة..
ولا طنشت وقلت ده عادي وده الواجب بتاعهم أصلا؟
ولا لما جت لك الفرصة عشان تقدم لهم تضحية مماثلة قمت بالواجب وزيادة؟
والسؤال الأهم وإحنا في عيد الأضحى..
تفتكر مفهوم ومعنى "التضحية"
لسه موجود عند المصريين..
ولا انقرض زي ما فيه حاجات تانية كتيرة انقرضت؟
من الآخر يعني التضحية زي شجر الكافور منتشرة في كل أنحاء مصر..
ولا انقرضت زي -بعيد عنك- الديناصورات؟
وتفتكر السبب في ده إيه؟