من الصعب -أو قل من البارد.. من المعتاد عليه!- وصف مأساة شديدة العمق.. تبدو في مجملها مصغرة وأقل من حجمها.. "حريق في جامعة الأزهر فرع الزقازيق".. -وكم عدد الضحايا؟!- يعني.. ثلاث فتيات.. لا أربع.. أو خمس.. "مش كتير يعني.. بسيطة بسيطة.. أكتر من كده وربك بيزيح!".. وبالتالي أحب أن أذكر جملتي الأثيرة "في أوربا والدول التي تمشي على أربع وبتتشعلق فوق الشجر!".. لو كانت قطة -حقها طبعا مش روح!- ماتت في حادث تدافع مثل هذا.. ربما أقيلت حكومة.. والدم أصبح للركب "دم الكراسي التيفال حداهم!".. ويتم تدارك الموقف ودراسة الظاهرة واتخاذ احتياطات أمنية.. و.. "ما بلاش غم بقى.. عادي هتعدي زي حريق بني سويف!"..
ما حدث بالضبط ليس حريقا هائلا.. بل ماسا كهربائيا -بسيطة يعني!- في كشافات الإضاءة في سقف المدرج.. طبعا متخيلين منظر "النيون" أساسا.. وبما أني خبرة فاسمحوا لي أن أصفه "قطع من الصفيح الصدئ معلقة بالسقف.. به بعض الأسلاك المدلاة.. وبعض المصابيح.. (واحد أسود.. وواحد أبيض!) -عمركم جربتم النور الأسود!.. هذا غير ميكروفون الأستاذ.. سلك طويل ملفوف بلصق الكهرباء الأحمر.. وأحيانا خطين -باتكلم جد!- والميكروفون تحفة.. كوز موديل 6600! -وبالمناسبة هذا الوصف من جامعة الزقازيق.. فما بالكم بالأزهر!".. أدى ذلك إلى ذعر الطالبات -دخان ونار وماس كهربي.. طبيعي أن تلوذ الطالبات بالفرار قبل الكارثة.. ولكن العمال -كالعادة- تركوا بابا واحدا للمدرج هو المفتوح.. رغم أن للمدرج بابين.. مما أدى للكارثة.. طبعا واحد يقول: "البنات السبب!".. طيب بذمتك.. طالبات في سن الـ17 سنة.. في الفرقة الأولى.. يقعدوا في المدرج والذعر من حريق كهربي محقق يحاصرهم..؟ حتى على رأي المثل "يا أخي نام لما أدبحك.. قال ده شيء يطير النوم!"
محافظ الشرقية في "البيت بيتك" يقول لـ" محمود سعد ": "ربنا يلطف بالشرقية وأبناء الشرقية!" -عندك حق والله!- "احنا صرفنا 5000 جنيه لكل أسرة لها ضحية.. و2000 جنيه للحالات الحرجة!" -طيب ما تصلحوا المدرجات بدل التعويضات!- "وفي الحقيقة قابلت د."أحمد الطيب" -رئيس جامعة الأزهر- و(هو راجل باسعد بلقائه كثيرا) -هو احنا في القناة الرابعة!- "كان عندنا مؤتمر عن الهجرة غير الشرعية واضطررت لتركه".... "وعموما هو فيه طالبة طلعت الإشاعة "حريقة.. حريقة!" وهم بيستجوبوها.. "محمود سعد "يتساءل: "ومسكوها ازاي؟!".. لم يعطِِ سيادة المستشار أي إجابة مفيدة!
طبعا لا توجد لدينا سياسة للتعامل مع الكوارث.. رغم أننا عالم مرزقة كالمنشار "طالع بكارثة.. نازل بكارثة!".. -عادي كلام إنشائي بقى ودشي مقال تاني!- وكما هو واضح لا أحد يعرف العدد الحقيقي للضحايا.. الطريف والمؤلم أن موقع الـ CNNالعربي نقل الخبر بطريقة تثير الحنق -الغيظ يعني- والتمرد على كل المسئولين الآبقين -هربانين يعني!- من ساطور العدالة -العيد فرحة بقى!- فذكرت الـCNN أن هذه الواقعة تأتي "بعد أقل من أسبوع من حريق آخر اندلع بباخرة سياحية بمدينة "الأقصر"، في جنوب مصر الأحد الماضي، أسفر عن مصرع خمسة عمال، فيما تم إنقاذ نحو 43 سائحاً فرنسياً كانوا على متن الباخرة، في طريقهم إلى مدينة "أسوان" جنوبي مصر"! وبالمناسبة -ولأن اللمة والهيصة حلوين- ذكر الموقع عدة كوارث "حرائقية" حدثت في مصر.. اختتمها بحادثي بني سويف "سبتمبر2005" وقطار الصعيد "فبراير 2002" وهو أكثر حرائق مصر دموية حسب وصف الموقع.. "هندخل الموسوعة تقريبا!"..
ذهبنا كمجموعة طلابية من جامعة الزقازيق إلى مستشفى الجامعة في السابعة مساء -يوم الحادث نفسه- على أساس إذا كان هناك تبرع بالدم أو حتى للإلمام بالموقف ككل.. وبمناسبة الكوارث رفضت أمي أن أخرج أساسا -رغم إني O موجب!- ليس لعدم اقتناعها بالمبدأ لكن لسبب تراه جوهريا.. "تتبرعي يحطوا لك كيس دم ملوث نلف بيكِ على المستشفيات!".. حاولت إقناعها بأن الأنيميا نفسها اشتكت مني.. ولو لا قدر الله حدث لأحد منا شيء لن تمنعني من التبرع.. قالت "لا.. ساعتها احنا هنشتري من بره أكياس وإبر نظيفة!"-من خبراتها عندها مع الأسف حق!- خرجت بعد أن وعدتها بعدم التبرع!
لحسن الحظ لم يطلبنا أحد للتبرع.. فقط وجدنا الأمن يحاصر المستشفى.. دخلنا قسم العظام وجدنا طالبة واحدة.. أحب أوصف لكم إني عندما دخلت وجدت قمامة -لا مؤاخذة زبالة!- وكسر بلاط ومنظر أسمنتي مقزز قبل الدخول للغرفة الشبيهة بالمقابر!.. كانت الفتاة حزينة حقا لضياع كتبها وعلى المذاكرة -طالبة بالفرقة الأولى- أخبرتنا أنهم.. "كتير.. كتير ماتوا!".. ربما من هول الصدمة قالت هذه العبارة!.. أخبرتنا بأنه ماس كهربائي، كما قالت الأخبار.. كان أحد الحراس يستحثنا "يلاّ بسرعة.. اطلعوا" -دخلنا بعد تحايل!- وعندما خرجنا انتابنا شعور واحد "إذا كنا احنا كويسين وحسينا بإننا مرضى من مجرد الزيارة فما بالكم بالعيانين!".. عجبي!
إلى متى الإهمال والكروتة؟.... كل مقالات زملائي تقطر أحرفها "محلول إلى متى!".. هل أصدق كلمة صديقتي التي بكت عندما قال لها شقيقها "الشعب المصري خلاص.. مات؟!".. لا طبعا لا أصدق! -بدليل مظاهرات العمال وموظفي الضرائب العقارية و.. و..!- ليس ادعاء للتفاؤل.. لكن المشكلة الفعلية تكمن في تساؤل طرحه الزميل "محمد هشام عبيه" في مقاله "كم شيراك فيكِ يا مصر؟!" عن أن مصر -سمباتيك- وتمشي على الطريقة الفرنسية "فيما لا تسير مصر -اللي هي هي بتاعة الطريقة الفرنسية الرئاسية- على القانون والديمقراطية الفرنسية اللذين لا يفرقان بين أي شخص وقع في الخطأ سواء كان رئيسا أو غفيرا..".. يعني الإجابة واضحة يا سيدي.. "نحن حكومة إذا أرادت يوما الحساب.. فالحساب يوم الحساب"!!