قد لا تتوقع أن علاقة الصداقة التي تجمعك مع "شلة الأنس" يمكن أن تكون من الأهمية لدرجة أن يصدر عنها كتاب، لكن هذا أمر واقع بالفعل، فالصداقة تشغل الكثير من علماء النفس والاجتماع والفلسفة وكتبوا عنها الكثير من الأبحاث والدراسات ومنها هذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم "الصداقة من منظور علم النفس" والذي اهتم بالصداقة من المنظور النفسي والاجتماعي كما قام بتناولها من الناحية العملية والتطبيقية ولم يقف عند حدود الخبرة الشخصية وإنما قفز إلى تسجيل الأسس التي تقوم عليها الصداقة.

يقدم الكتاب صورة متكاملة تلم بمختلف جوانب الصداقة كما عني المؤلف بعرض جذور التفكير الإنساني في موضوع "الصداقة"؛ حيث قام بعرض آراء الفلاسفة اليونانيين, والمفكرين المسلمين.. كذلك قام بعرض الكثير من الكتابات الحديثة التي تناولت موضوع الصداقة في الثقافات الغربية مع التركيز على الدراسات التي حاولت الكشف عن أبعاد الصداقة وظروف نجاحها وفشلها -والعياذ بالله- والتمييز بين مفهوم الصداقة وأنواع أخرى من العلاقات الإنسانية مثل الحب والزمالة، ويقوم الكتاب بتناول موضوع الصداقة ويركز بشكل خاص على علاقات الصداقة بين أبناء الجنس الواحد ودراسة الأسس النفسية لعلاقة الصداقة بين الأشخاص، وقد اهتم المؤلف بإلقاء الضوء على ملامح ارتقاء الصداقة عبر مراحل العمر فطبيعة الظروف النفسية التي تصاحب نمو الصداقة وتعميقها والاهتمام بعرض أبرز الدراسات المتعلقة بالصداقة عبر ثقافات مختلفة.

اهتم الفصل الأول بعرض آراء "أرسطو" حول مفهوم الصداقة وعرف الصديق بأنه "الشخص الذي يعرف كيف يكون مقبولا من الآخرين كما ينبغي" كما وضع عدة تعريفات وملامح للشخصيات وصنفها كالآتي:

- الشخص الذي يبالغ حتى يكون مقبولا لدى الجميع إلى الدرجة التي تجعله لا يعارض في أي شيء حتى لا يسيء إلى الآخرين فهو "المساير".

- الشخص الذي يفعل هذا بدون سعي إلى منفعة شخصية وإنما لولع بالإرضاء فهو أيضا مساير، أما إن كان يهدف من مسايرته مصلحة شخصية فهو "المتملق" وعلى الضد يصف "أرسطو" الشخص الذي لا يكترث أو يحظى بالقبول بأنه "الشرس" أو العسر و"الصعب في المعيشة".

وعرف "أرسطو" الصداقة بأنها عطف متبادل بين شخصين أو أكثر حيث يرد الكل الخير للآخرين مع العلم بتلك المشاعر المتبادلة فيما بينهم مشيرا إلى أن الصداقة الحقة لا تتكون بسرعة أبدا وأنها لا تكتمل إلا على مدى الزمن.

ويرى "أرسطو" أن الصداقة تقوم في الأساس على المساواة في المكانة الاجتماعية حيث يتبادل الأصدقاء الخدمات ذاتها ويقرر أن الناس لا يصبحون أصدقاء عندما تتفاوت مراكزهم أو عندما تتسع المسافات بينهم من حيث الفضيلة أو الثروة أو أي شيء آخر.

اهتم كذلك الفصل الأول بالصداقة في التراثين العربي والإسلامي وآراء المفكرين العرب في تعريف الصداقة وشرح خصائصها ونقل عن "ابن المقفع" آداب التعامل مع الصديق ومنها أن انقباضك عن الناس يكسبك العداوة وأن انبساطك لهم يكسبك صديق السوء.

ويشير الكتاب أيضا إلى "أبو حيان التوحيدي" وكتابه "الصداقة والصديق" الذي يؤكد فيه "التوحيدي" اقتناعه بقيمة الصداقة فيشير إلى أنها قد تسمو على القرابة ويذكر أن من حق الصديق على صديقه القيام بأعبائه في غيابه ومعاونته عند حضوره وملاطفته إذا جفا ومكافأته إذا وفق في عمل والحديث عنه الحديث الطيب مع الأصدقاء الآخرين ودفع الظلم عنه والابتهاج لرؤيته والحفاظ على سره وعدم تصديق ما يقال عنه ومعاتبته إذا وقع خلاف معه بدلا من قطع الصلة به نهائيا، وكذلك فرق "التوحيدي" بين الصداقة الطيبة وصداقة السوء وذلك من خلال التمييز بينهما في سرعة الاتصال والانقطاع.

ويذكر أن "الصداقة الطيبة والمودة بين الصالحين بطيء انقطاعها سريع اتصالها كآنية الذهب بطيئة الانكسار هينة الإعادة، أما المودة بين الأشرار فسريع انقطاعها بعيد اتصالها كآنية الفخار التي يكسرها أدنى شيء ولا إصلاح لها."

وأشار الكتاب إلى أهم الوظائف النفسية التي تنهض بها الصداقة مستندا إلى تجربة "شاشتر Schachter" التي قام بها عام 1959 عندما أثار قلق مجموعة من الطالبات وأوهمهن بأنهن سوف يتلقين صدمة كهربائية وقام بتنويع درجة القلق بأن أخبر بعض الطالبات بأن الصدمة ستكون مؤلمة غير أنها لن تحدث أثرا جسمانيا دائما (مجموعة القلق المرتفع) وأخبر المجموعة الأخرى بأن الصدمة ستكون خفيفة ولن تحول دون استمتاعهم بالتجربة (مجموعة القلق المنخفض) ثم أخبر الطالبات في كلتا المجموعتين بأن عليهن الانتظار لمدة عشر دقائق قبل تقديم الصدمات وخيرهن بين الانتظار بمفردهن أو مع بعضهن البعض وكشفت التجربة عن أن 62.5% من الطالبات اللاتي توقعن صدمة مؤلمة قد فضلن الانتظار معا, في مقابل 33.5% فقط من الطالبات اللائي توقعن صدمة خفيفة، بناء على تلك النتيجة افترض "شاشتر" أن الأفراد يتجمعون بهدف خفض القلق وأن مواقف الشدة تزيد الرغبة في الصحبة.

ويعتبر الفصل الخامس من أهم فصول الكتاب وذلك لاهتمامه بارتقاء الصداقة عبر مراحل العمر المختلفة، واللافت أن الكتاب يتوصل إلى نتائج مفادها أن الراشدين مقارنة بالأطفال والمراهقين يعطون أهمية أقل لعلاقات الصداقة كما تنخفض معدلات الاتصال واللقاء مع الأصدقاء وتقل الرغبة في عقد صداقات جديدة في هذه السن، وذلك بسبب المرور بخبرتي الزواج والإنجاب مما يقيد علاقات الصداقة مستندا إلى أن هناك دراسة أمريكية أشارت إلى أن الشباب غير المتزوجين يتوافر لديهم قدر مرتفع من الاتصال مع الأصدقاء بينما يقرر الراشدون المتزوجون غير المنجبين قدرا متوسطا من الاتصال، في حين يحقق الراشدون المتزوجون المنجبون أدنى معدلات الاتصال بالأصدقاء.

وفي الفصل السابع إشارة إلى الأبحاث التي أثبتت عجز الطفل في طفولته المبكرة عن فهم منظور الآخرين ولذا فإن الصداقة تتسم في المرحلة الأولى "7:3" سنوات بأنها مؤقتة يتم فيها اختيار الأصدقاء على أساس القرب المكاني, كما تتسم ألعاب الأطفال في هذه المرحلة بأنها ألعاب متوازية حيث يلعب كل طفل بمفرده بجوار طفل آخر يقوم باللعبة نفسها بدون مشاركة متبادلة أو تعاون في اللعب.

أما المرحلة الثانية "9:4" سنوات فهي مرحلة المساعدة في اتجاه واحد وتتسم بنمو قدرة الأطفال على فهم منظور الآخرين بالمقارنة بالمرحلة السابقة، في حين أن المرحلة الثالثة "12:6" سنة يبدأ فيها الأطفال في إدراك أهمية التعاون، ولكنهم يتصورون أن هدف التعاون هو إشباع الاهتمامات الشخصية فحسب ثم المرحلة الرابعة "15:9" سنة وهي مرحلة العلاقات الشخصية الحميمة والمتبادلة وخلالها يدرك الأطفال أهمية التعاون كوسيلة لإشباع الاهتمامات المشتركة لأن هذه المرحلة تتسم بالرغبة في الاستحواذ على الصديق، ثم تأتي المرحلة الأخيرة وفيها تبلغ صداقات الأطفال أعلى درجات النضج وهذه المرحلة تجمع بين الاعتماد المتبادل والاستقلال عن الآخرين.

اسم الكتاب: الصداقة وبهجة الحياة
المؤلف: د.أسامة سعد أبو سريع
الناشر: سلسلة عالم المعرفة العدد 179
تاريخ النشر: 1993

 

MohamedYahya578

Acc. Mohamed Yahya Omer Egypt , Elmansoura ,Talkha

  • Currently 81/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
28 تصويتات / 715 مشاهدة
نشرت فى 10 ديسمبر 2007 بواسطة MohamedYahya578

MOHAMED YHYA OMER

MohamedYahya578
وارحب بكل من يزرو هذه الصفحة واتمنى ان ينتفع بما فيه من معلومات »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

223,495