"التليفزيون.. التليفزيون، كله ثقافة وعلوم وفنون.. بيسلي تمام زي السيما.. التليفزيون.. التليفزيون"! كانت هذه هي كلمات الأغنية التي كانت تروج للتليفزيون في أول بث له في مصر عام 1960، ولا شك أن عناوين "الثقافة والعلوم والفنون" هي المجالات التي أنشئ من أجلها التليفزيون بشكل عام، وتفرعت منها مجالات أخرى في كل تليفزيونات العالم، والتليفزيون المصري شأنه شأن بقية التليفزيونات، حيث كان منذ نشأته هو وسيلة الترفيه الأولى للمواطن المصري، أما الآن فالمواطن المصري ولى وجهه قِبل الفضائيات المختلفة، ولا يشاهد تليفزيون مصر إلا أقل القليل من المواطنين؛ والسبب معروف؛ ومناقشته ليست في هذا المقام.
زفاف الملك "فاروق" كان السبب في دخول التليفزيون مصر!
ورغم أن البداية الحقيقية للتليفزيون المصري كانت في عام 1960، فإن المحاولات الأولى لإنشائه كانت قبل هذه السنة بتسع سنوات أي في 1951، عندما أجرت الشركة الفرنسية لصناعة الراديو والتليفزيون أول تجربة للإرسال التليفزيوني بمصر وذلك بتصوير الحفلات والمهرجانات التي أقيمت بمناسبة الزواج الثاني للملك "فاروق"، واستغلت الشركة ذلك في الترويج لصناعتها وعرضت على الحكومة المصرية إقامة محطة تليفزيونية بالقاهرة، ولم تكتفِ بذلك بل قامت بوضع عدد من أجهزة التليفزيون في عدد من النوادي العامة على سبيل الدعاية، وقامت ببث سهرة شاهدها أعضاء هذه النوادي، ولاقت إعجابهم فكان ذلك سببا في نجاح التجربة وتنفيذها.
بدأت الدولة تستعد لإنشاء مبنى للتليفزيون، ورصدت مبلغ مائة وثمانية آلاف جنيه لإقامة مبنى الإذاعة والتليفزيون على مساحة 12 ألف متر مربع، وهو المكان الحالي بشارع ماسبيرو المطل على كورنيش النيل، وسخرت الدولة جيشا من العاملين لإنجاز المهمة وحددت منتصف عام 1957 موعدا لافتتاح المبنى إلا أنه حدث مالا تحمد عقباه وتوقف المشروع بعد وقوع العدوان الثلاثي على مصر.
وفي عام 1959 استؤنف العمل بالمشروع حتى كان الافتتاح الرسمي في 21 يوليو 1960، والطريف أنه قبل هذا الموعد بشهر واحد لم تكن استوديوهات التليفزيون قد انتهت بعد، وكانت البروفات والتجارب الأولية والبرامج المسجلة تتم على مسرح قصر عابدين واستوديو مصر.
بدأ التليفزيون إرساله في تمام السابعة مساء لمدة خمس ساعات وكانت البداية بالقرآن الكريم، ثم حفل افتتاح مجلس الأمة، ثم خطاب الرئيس "جمال عبد الناصر"، ونشيد "وطني الأكبر"، فنشرة الأخبار، والختام بالقرآن الكريم.
كانت بداية التليفزيون بقناة واحدة وهي القناة "5"! أو ما أطلق عليها فيما بعد بالقناة الأولى، وبدأت ساعات الإرسال في التزايد من خمس ساعات في البداية إلى ست، ثم إلى ثلاث عشرة ساعة، وبعد ذلك أنشئت القناة الثانية وكانت تسمى بالقناة "7"! وذلك بعد عام واحد من بداية البث الفعلي للتليفزيون وبعد عام آخر أنشئت القناة الثالثة أو قناة "9"!، التي توقف إرسالها فيما بعد وبالتحديد عام 1970 بسبب الظروف الاقتصادية، ثم أعيد بثها في عام 1985، وقد تنوعت أهداف كل قناة من حيث ما تقدمه من برامج؛ فكان اهتمام القناة الأولى بتقديم الأخبار والبرامج الخدمية وبرامج محو الأمية، والبرامج الرياضية وبرامج المرأة والثقافة والترفيه، وكان أول رئيس لهذه القناة الأستاذ "صلاح زكي".
وكان اهتمام القناة الثانية بالثقافات الأجنبية بألوانها وفنونها المختلفة، وكان أول رئيس لهذه القناة السيدة "همت مصطفى"، أما القناة الثالثة فكانت على غرار البرنامج الثاني في الإذاعة واهتمت بتقديم الثقافات الرفيعة للمتخصصين، وكان أول رئيس لهذه القناة السيدة "تماضر توفيق".
ومع مرور السنين أخذت أشكال البرامج في تطور وازدياد، وتم عمل تصنيف لهذه الأشكال في أربعة قوالب؛ وهي "القالب الإعلامي" ويتضمن برامج التوعية والخدمات الإخبارية، و"القالب الثقافي" ويتضمن برامج ثقافية عامة وبرامج فنية مثل برنامج "فن وفكر" وبرامج خاصة بالأدب، والعلوم مثل برنامج "عالم الحيوان"، والقالب الثالث وهو "تعليمي" يعنى بالبرامج التعليمية وكانت البداية لمدة نصف ساعة يومية تقدم فيها دروس لمحو الأمية، أما القالب الرابع والأخير فكان "القالب الترويحي" تقدم من خلاله المنوعات والرقص الشعبي ومباريات الكرة والبرامج الرياضية والأغاني.
ومن خلال هذه القوالب نبتت برامج الأطفال، وبرامج التوعية السياحية "السندباد المصري" والبيئية، وبرامج خاصة بالقوات المسلحة "العين الساهرة"، وبرامج التوعية الاجتماعية "في بيتنا مشكلة"، "مسلسل عادات وتقاليد"، والبرامج الدينية "نور على نور".
القنوات المحلية.. قناة لكل محافظة على القمر الصناعي!
كان إنشاء إذاعة القاهرة الكبرى باعثا للتفكير في إنشاء قنوات تليفزيونية على غرارها تتمتع بمركزية التوجه، فتكون موجهة في الأساس إلى مواطني الإقليم الذي تبث فيه وتقدم له الخدمات المختلفة فكانت البداية بالقناة الثالثة التي كانت قد توقفت عام 1970، فأعيد بثها لتكون أول قناة إقليمية تغطي محافظات القاهرة الكبرى القاهرة والجيزة والقليوبية، وكان لها طابع جديد، حيث قدمت العديد من البرامج الخدمية للمواطنين وأهمها برنامج (ريبورتاج) الذي كان يتناول يوميا المشكلات التي تواجه سكان هذه المحافظات ويعرضها على المسئولين، ويساهم بشكل كبير في حلها، كذلك كان هناك برنامج (إنجاز وإعجاز) الذي كان يتناول المشروعات الكبيرة التي أنجزتها الدولة في هذه المحافظات!
وبعد القناة الثالثة تتابعت القنوات الإقليمية فكانت القناة الرابعة عام 1988 والخاصة بمدن القناة.. السويس والإسماعيلية وبورسعيد وكذلك محافظة الشرقية. وإضافة إلى الهدف السابق ذكره من القنوات المحلية كان هناك هدف آخر لإنشاء القناة الرابعة وهو مواجهة القنوات الإسرائيلية التي كانت تصل بوضوح في هذه المدن بحكم التقارب الجغرافي، من أهم برامج هذه القناة (أفراح بلدنا)، (معاك ع الخط)، (أنا والقناة)، إضافة إلى برنامج رياضي هو (صفارة الحكم)، وبعد ذلك كانت القناة الخامسة الخاصة بالإسكندرية والبحيرة ومطروح وكفر الشيخ، وبدأت عام 1990، وتتميز القناة الخامسة عن الثالثة والرابعة بالنشرات الإخبارية حيث تقدم نشرتي أخبار باللغتين الإنجليزية والفرنسية إضافة إلى نشرة باللغة العربية، ومن أهم برامجها (الدين والحياة)، (بحور الفن)، (بين الأدب والفن)، (دعوة للنجاح) وهو برنامج تعليمي ومن البرامج الترفيهية (الخسران كسبان).
وفي عيد الإعلاميين من كل عام كانت تولد قناة إقليمية جديدة ففي عام 1994 ولدت القناة السادسة والسابعة، فكانت القناة السادسة قناة وسط الدلتا حيث تخدم مدن هذا الإقليم في محافظاته الخمس الغربية والمنوفية والدقهلية وكفر الشيخ ودمياط، أما القناة السابعة فكانت لمحافظات شمال الصعيد المنيا وبني سويف والفيوم وأسيوط، وبعد عام واحد ولدت القناة الثامنة لتخدم محافظات جنوب الصعيد سوهاج وقنا وأسوان، وبعدما تم بث هذه القنوات على القمر الصناعي "نايل سات" لعدة سنوات وحققت فشلا ذريعا. طبعا انتبه المسئولون أخيرا إلى أن هذه القنوات "محلية" يبقى إيه اللي طلعها للعالم كله!.. فكان أن توقف بثها هناك لتعود إلى جماهير الأقاليم وتنزوي في ركن بعيد عن اهتماماتهم بعد أن استولت على الجزء الأكبر منها الفضائيات بأنواعها وأشكالها.