منذ أقل من أسبوعين بدأت دورة برلمانية جديدة هي الثالثة في هذا الفصل التشريعي، هناك من المتفائلين من يرى أنها ستكون أقوى من سابقتيها، وهناك من يتوقع أن تكون مثل غيرها "مافيش فايدة".
سنناقش في السطور القادمة ما يريده الناس من مجلس الشعب، وما يريده نواب المعارضة من نواب الأغلبية تحت القبة، وما يريده نواب الأغلبية من نواب المعارضة، وكذلك أهم مشروعات القوانين والقضايا الشائكة التي ستناقشها هذه الدورة كما سنعرض لحصاد الدورة الماضية وأهم أحداثها ومشروعات القوانين التي نوقشت فيها لأن تأمل الماضي قد يعطي انطباعا عما سيكون عليه المستقبل.
ماذا يريد الناس من مجلس الشعب
هل يفتري الناس على مجلس الشعب ويحملونه أكثر مما يطيق؟! وهل يتحمل مجلس الشعب جزءًا من المسئولية عما وصل إليه الحال في مصر؟! وهل يريد المواطن أن يهتم نائبه بشئون السياسة وأحوال الوطن أم يريده أن يهتم بالجزء الخدمي ويكرس وقته داخل المجلس للمطالبة بمياه صالحة وصرف صحي لائق وكهرباء دائمة لدائرته؟! أزعم أن السواد الأعظم من المصريين يقيس أداء النائب الذي يمثله بعدد من الخدمات التي قدمها لدائرته وكم المصالح التي قضاها لأبنائها ذلك لأن غياب الإدارات المحلية وضعف تأثيرها وقلة صلاحياتها سحبت من النائب كثيرا من دوره التشريعي المهم الذي انتخب من أجله -أو المفترض أنه كذلك- إلى أمور أبعد ما تكون عن الدور الحقيقي للنائب.
يقول "صلاح عبد الفتاح" -موظف بالمعاش- إنه لا يهتم كثيرا بقيام نائبه بالدور التشريعي لأن مجلس الشعب أضعف من أن يفرض قانونا لا تريده القيادة السياسة أو يمنع آخر تريده وهذا أمر لابد من الاعتراف به، إذن فما لا يدرك كله لا يترك كله، فما دام النائب غير قادر على المطالبة بالحقوق السياسية وعلى التأثير في اتخاذ القرار فليحاول أن يحقق الرفاهية لأبناء دائرته من خلال الخدمات التي يقدمها لهم والمحرومون منها كالمياه النظيفة والصرف الصحي وتوفير فرص عمل للشباب العاطل وغيرها من الأمور التي تعوض إلى حد ما عجز النائب عن القيام بدوره التشريعي على الوجه الأمثل.
أما "محمد أحمد الصاوي" -طالب جامعي- فيؤكد أنه يريد أن تستمر المنافسة بين مرشحي الوطني وغيرهم من مرشحي المعارضة لأن هذا التنافس هو الذي جعلنا نرى النائب في قرى وأحياء دائرته بصورة دائمة لأنه يريد أن يتواجد في المجلس لدورات تالية، فإذا علم أنه سيواجه منافسة قوية من غيره وأن المقعد غير محجوز له فسيتبارى مع غيره في تقديم الخدمات للدائرة والظهور أمامهم بمظهر الرجل المناسب في المكان المناسب من خلال طلبات الإحاطة والاستجوابات التي يقدمها لوزراء الحكومة والمسئولين بغرض التأثير والظهور وهذا ما يجعل التجربة الديمقراطية ضرورة من أجل قيام كل نائب بدوره المنوط به ويضيف أنه يعتبر مجلس الشعب الحالي هو الأكثر حراكا ونشاطا منذ قيام الثورة لأن انتخاباته شهدت شيئا من النزاهة.
أما "محمد عبد اللطيف" –طبيب- فيؤكد أن ما يريده من مجلس الشعب في دورته الجديدة هو نفسه ما يريده من أي مسئول في أي منصب في مصر وهو أن يراعي الله فيمن يحكم وأن يعلم أنه مسئول أمام الله عن الناس الذين ولاه الله عليهم، فأقصى ما يتمناه هو أن يعمل كل نائب بالمجلس لصالح الناس بالقدر الذي يعمل به على مصالحه ومصالح أولاده وألا يكون كل ما يريده من المجلس هو الحصانة وفقط.
من نواب المعارضة لنواب الأغلبية.. كونوا مع الشعب!
نواب المعارضة يؤكدون أن نواب الأغلبية أو نواب الحكومة هم السبب في كل "البلاوي" التي تمر بها مصر حاليا ذلك لأنهم الأداة التي تستخدمها الحكومة في تمرير القوانين والتشريعات التي تريدها أن تمر دون اعتبار لرأي المعارضة التي تحول أقليتها دون الوقوف في وجه هذه القوانين، ويرون أن نواب الوطني بذلك يضعون مصلحة حزبهم ومصلحتهم في حزبهم فوق كل اعتبار وينتظرون رضا قادتهم ورموزه بصرف النظر عن حجم القبول الذي يلقونه في الدوائر التي يمثلونها.
"حمدين صباحي" -عضو مجلس الشعب ورئيس حزب الكرامة (تحت التأسيس)- يقول إن ما يريده نواب المعارضة من نواب الأغلبية يتلخص في جملة واحدة: أن يكونوا نوابا للشعب.. لا نوابا للحزب، أن يوافقوا على القوانين ما دامت في صالح ناخبيهم لا أن يوافقوا عليها إرضاء للحكومة، وأن يتنازلوا بعض الشيء عما يسمونه بالالتزام الحزبي الذي يجعلهم يرفعون أيديهم في وقت واحد للموافقة على قانون يعرف الجميع أنه ليس في صالح الناس لأن هذا الالتزام الحزبي لا يفرض أن يغمض النائب عينيه ويصم أذنيه ويوافق أو يرفض بناء على توجيهات ورؤى عليا وهي ليست موجودة في جميع دول العالم الديمقراطي فنجد هناك نواب الأغلبية يستجوبون الحكومة ولا يتركون لها سقطة أكثر من نواب المعارضة، وهو ما يجعل نواب المعارضة واقفين أحيانا في صف الحكومة إذا كانت على حق، وهذه الممارسة وهذه العقلية البرلمانية هي التي نريد تأصيلها في البرلمان المصري والغريب أن نواب الأغلبية يقابلوننا في بهو المجلس فيثنون على أدائنا ويوصوننا بالاستمرار ويهنئوننا على الاستجوابات المهمة وطلبات الإحاطة التي نقدمها ثم يدخلون إلى القاعة فنجد أشخاصا آخرين تماما مسيرين على النحو الذي يحدده لهم النظام.
في الوقت نفسه يقول "أنور عصمت السادات" -عضو مجلس الشعب السابق الذي تم إسقاط عضويته في الدورة السابقة- إن الأغلبية تنظر إلى معارضيها على أنهم خونة وعملاء ويريدون تدمير الوطن على أن معظم أقطاب المعارضة في المجلس أشخاص يتسمون بالنزاهة ولا يستطيع أحد المزايدة على وطنيتهم ويكفي أن قضايا الفساد والمخالفات كلها تقتصر على نواب الأغلبية ولم يثبت تورط أحد النواب المعارضين في قضايا فساد أو ما شابه رغم التربص بهم وبتحركاتهم.
ومن نواب الأغلبية لنواب المعارضة.. شوية هدوء!
على الجانب المقابل يرى نواب الأغلبية أن نواب المعارضة هم السبب في كل المشكلات التي يشهدها مجلس الشعب ذلك لرغبتهم الشديدة في الظهور وميلهم إلى المعارضة كمبدأ وليس كوسيلة للنهوض بالوطن أي المعارضة لأجل المعارضة..
"حمدي الطحان" رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب يقول إن ما يريده من نواب المعارضة أن يكفوا عن إظهار أنفسهم بأنهم المدافعون عن الوطن والصائنون لأمنه ويكفوا عن محاولة إظهار نواب الأغلبية على أنهم غير مبالين بمصالح الوطن ولا يشعرون بمعاناة المواطنين. وأضاف أنه مل من الصراع الدائر بين الفريقين ومل من تصنيف النواب إلى أغلبية ومعارضة وتكفي صفة نائب لوصف عضو مجلس الشعب، وأكد "الطحان" أن مصر تمر بمنعطف خطير ينبغي فيه تضافر الجهود والتوحد خلف هدف واحد ولا ينبغي أبدا أن ننحرف إلى مهاترات جانبية في مثل هذا التوقيت الحساس.
أما النائب "أحمد سيف" فقال إن ما يريده نواب الأغلبية من نواب المعارضة هو الهدوء وأن تكون مناقشتهم ونظرتهم للأمور موضوعية، وأن تقع أعينهم على الإيجابيات وألا تقع دائما على السلبيات وأن يكفوا عن الهجوم على كل شيء. ويضيف أنه في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر يقتضي المنطق اعتدالا في المعارضة وتعقلا في المواقف وألا تكون المعارضة من أجل المعارضة بدون سياسة واضحة. ويؤكد أنه من غير المنطقي أن يكون كل ما تفعله الحكومة أو ما تقترحه خاطئ كما حدث مثلا في قانون الإجراءات الجنائية الذي نوقش خلال الدورة الماضية واحتوى على تعديلات إيجابية للغاية ورغم ذلك رفضته المعارضة دون تبرير واضح.
الإرهاب... أهمها!
وتنتظر الدورة الجديدة للبرلمان قضايا ساخنة ومشاريع قانون مهمة من أهمها قانون الإرهاب الذي سيتم تطبيقه بديلا عن قانون الطوارئ ومن المنتظر أن تشهد المناقشات التي ستعقد تحت قبة البرلمان جدلا واسعا بين نواب الأغلبية ونواب المعارضة حول بنود هذا القانون، خاصة أنه من المتوقع أن يضم بنودا مقيدة للحريات، ويمكن اعتبار هذا القانون هو التحدي الأكبر أمام نواب الشعب في الدورة الجديدة.
كذلك هناك مشروع قانون المرور الجديد الذي وعدت الحكومة بمناقشته خلال هذه الدورة وهو الذي سيتم فيه مناقشة ترخيص "التوك توك" وكذلك مناقشة إجراءات تضمن نزاهة المخالفات المرورية وبعدها عن أهواء عساكر المرور وهناك كذلك مسألة ضم موظفي الضرائب العقارية إلى إشراف وزارة المالية بعد عدة اعتصامات وإضرابات نظمها الموظفون للمطالبة بهذا الأمر وهناك كذلك قانون المحليات المثير للجدل والذي من المنتظر أن يعطي للإدارات المحلية صلاحيات أوسع بعد عدة مطالبات من المعارضة وكذلك قانون المباني الموحد أي أننا ننتظر دورة برلمانية ساخنة جدا.
الحصاد.. تعديلات دستورية وجنائية!
وقد شهدت الدورة الماضية الكثير من الأحداث المهمة وربما تكون التعديلات الدستورية هي أهم هذه الأحداث بعدما امتلأت الأروقة بالمناقشات والتحليلات وانقسم الناس بين مؤيد للتعديلات ومعارض لها وانسحب ما يزيد على مائة نائب من أعضاء المجلس، من أولى الجلسات المخصصة لمناقشة التعديلات الدستورية، التي وضعتها الحكومة، على خلاف ما تطالب به الكثير من القوى السياسية وجماعات المعارضة المختلفة.
كذلك يعتبر كادر المعلمين من أهم القضايا المثيرة للجدل التي شهدها مجلس الشعب في دورته الفائتة وأيضا وافق مجلس الشعب على كادر المعلمين الجديد بعد التعديلات الجوهرية التي أدخلتها لجنة التعليم بالمجلس على قانون التعليم، كما تمت الموافقة على أن يطبق القانون على شاغلي وظائف التوجيه الفني والمعلمين وشاغلي وظائف الإدارة والإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين ومن يدرسون التكنولوجيا بالمدارس، أسوة بالمعلمين الذين يقومون بالتدريس المباشر داخل المدرسة. أيضا هناك التعديلات التي أضيفت إلى قانون الإجراءات الجنائية؛ حيث وافق المجلس على منح النيابة العامة, والمتهم الحق في استئناف الأمر الصادر بالإفراج أو الحبس في قضايا الحبس الاحتياطي, مع وجوب نشر كل حكم بات بالبراءة لمن سبق حبسه احتياطيا في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار, بناء على طلب النيابة العامة, أو المتهم, أو ورثته. كما وافق المجلس على أن تكون سلطة المنع من السفر كتدبير بديل للحبس الاحتياطي صادرة من المحامي العام.