كانت طبيعة العقل في الماضي غامضة إلى حد بعيد، وكانت من ثم علاقته بالثقافة والخبرة أيضا غامضة. وقد تبين اليوم أن العقل الأول الوهبي ليس أكثر من وسيلة إدراك وتحليل، وأن علاقته بالمعرفة والخبرة هي تماما مثل علاقة العين بالنور؛ فكما أن العين لا ترى الأشياء إلا إذا غمرها النور، كذلك العقل لا يستطيع إصدار أحكام راشدة من غير قدر حسن من المعلومات حول ما نريد التحدث فيه.

إذا فكرنا في أمر من غير معرفة ولا خبرة، فإننا نكون أقرب إلى من يَخُـضّ الماء يبتغي منه الزبد! و سيكون في إمكان العقل دائما أن يطرح الفروض، وأن يطلق التخمينات، لكن فروضه عند انحسار العلم تكون شكلية، وبعيدة عن ملامسة جوهر المشكلة.

هذا يعني أن الأزمة الفكرة على أي مستوى وفي كل مجال كثيرًا ما تكون صدى للأزمة الثقافية.

لا يعني هذا بالطبع أنَّ توفير قدر كبير من المعلومات والمفاهيم شرط ـ جوهري جدًّا ـ يترتب على عدمه العدم، ولا يترتب على وجوده وجود ولا عدم لذاته ـ كما يقول علماء الأصول.

مهما وفرنا من المعرفة فإنه ستظل هناك فراغات تحتاج إلى فك. وقد جرت العادة أن نحاول ملأها عن طريق القياس والتعليل والخبرة في الأمور المناظرة لما نقوم بمعالجته.

المطلوب من المعرفة لفهم جيد مثل المطلوب من المال.. يظل دائما أقل من المعروض.

الغريب في الأمر أننا لم نقم ببذل الحد الأدنى من الجهد المطلوب والممكن لمعالجة مشكلة الإعراض الجماعي وخاصة الشبابي عن القراءة ومصاحبة الكتاب.

اعتبارات هامة

إنني أعتقد أن هذه المشكلة لا تقل قي خطورتها عن مشكلة البطالة، أو التدخين، أو المخدرات، أو الطلاق. وإنما أقول هذا القول للاعتبارات الآتية:

1ـ لا يمكن فهم مرامي الإسلام الحضارية والتفاعل مع أطره ومفاهيمه من غير علم جيد وخلفية فكرية وثقافية راقية. وهذا ما يفسر انبعاث الصحوة الإسلامية في المدن والمراكز الحضرية أكثر من البوادي والأرياف على نحو أساسي.

2 ـ يشكل العلم اليوم المدخل الوحيد للتقدم التقني، والذي من جهته يشكل الطريق إلى امتلاك المال والقوة والمنعة. وأمتنا في حاجة ماسة إلى هذا اليوم.

3 ـ العلم يغير نوعية الحياة، ويهذب النفوس، ويجعل تربية الأبناء والتعامل مع الناس أقرب إلى السواء. وهو وإن كان لا يؤدي إلى التدين والالتزام على نحو مباشر إلا أنه يولد حساسيات خاصة من شأنها الحث على البحث عن المصير الإنساني وعن المثل والقيم الرفيعة.

لهذا فإني أرى أن علينا أن نوجد الأطر التي تساعد على تعليم القراءة الجيدة والهادفة، وتوفير الكتاب، وأن نرسي في البيوت والمدارس تقاليد ثقافية تجعل من التعليم مدى الحياة ومن السلوك الاجتماعي على أساس المعطيات المعرفية ـ شيئا حاضرا في الوعي ومجسدًا في الحركة اليومية. ولا شك أن للإعلام بوسائله المتعددة دورا أساسيا في هذا الشأن.

إنه لا تنمية اقتصادية من غير تنمية فكرية، ولا تنمية فكرية من غير تنمية ثقافية، وإننا لن نحصل على أي شيء من ذلك من غير نقلة نوعية على صعيد الوعي، وعلى صعيد الهمة والاهتمام.

MohamedYahya578

Acc. Mohamed Yahya Omer Egypt , Elmansoura ,Talkha

  • Currently 125/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
41 تصويتات / 611 مشاهدة
نشرت فى 24 نوفمبر 2007 بواسطة MohamedYahya578

MOHAMED YHYA OMER

MohamedYahya578
وارحب بكل من يزرو هذه الصفحة واتمنى ان ينتفع بما فيه من معلومات »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

223,623