فاكرين...
قلنا عليه إنه لوح ثلج بارد، يعتقد بأنه سبع البرمبة، وعامل كأنه "أشعب" أبو بطن أوسع من ملعب..!
هذا ما ناقشه الزميل "محمد هشام عبيه" في الحلقة السابقة لما تكلم عن السمات التي يظن البنات أنها مشتركة في الرجال واتفقن على أنها إشكالية وأس الفساد! وأكثرها شيوعاً: أنه يعاني من مشكلة في الإحساس.. يعتقد بأنه سبع البرمبة.. ينظر للاحتياج على أنه ضعف.. يقلق من البنت المستقلة.. يفكر في نفسه وقبل ما يقدم على أي خطوة يحسب ماذا سيأتي له منها..
فاكرين؟
جميل..
أنا سأكمل الموضوع وسأتكلم هذه المرة عن كيفية استيعاب البنات للأحكام أو السمات التي تكلم عنها "محمد هشام".. فضروري جداً أن تتفهم البنت تلك الصفات ولا تتعامل معها على أنها مرض لابد من علاجه أو ورم في الرجل عليها أن تعمل جاهدة لاستئصاله.
وقبل ما أدخل في العمق، سأتفق معكم على طريقة لطيفة جداً نعالج الموضوع على أساسها.. وهي طريقة نقاد الأدب والسينما ولنكتفي بالسينما. سنتعامل مع ما نراه من الرجل على أنه فيلم معروض أمامنا على شاشة السينما. لكن ما يعرض ليس كل شيء، فهناك الكواليس، والتصوير، والديكور، والمخرج، والنص والسيناريو الذي اعتمد عليه الفيلم. وأول خطوة نأخذها لنرى ما وراء الشاشة، أن نخرج من حدود الشاشة ومن صالة العرض ومن السينما كلها. ولا ننظر لكل مشهد على أنه مقطوع من شجرة.. بل له أصل وله توابع وله صلة بالمشاهد السابقة واللاحقة. وعلى فكرة، أغلب أحداث حياتنا فيلم وعلينا ألا نأخذ بما عرض منه على الشاشة. بل نحاول أن نعي ما وراءه وكل واحد يعي على قدر إدراكه وقدارته التي مـنّ الله عليه بها.
اتفقنا؟
طيب.. جميل.. الآن سنرجع لكواليس الصفات التي ذكرها "محمد" ونتحقق منها. وأول مشهد كان أنه لا يشعر ولا يحس ولا يهتز له جفن..
لا أعتقد أنه توجد بنت لم تمر بالموقف التالي.. وحتى إن لم تكن قد أحبت وارتبطت وتزوجت فهي بالتأكيد تمر به مع والدها وأخوتها مثل حال كاتبة الموضوع التي هي أنا!!
احنا الشجر والزغاليل..
تحضر "لمياء" وهي حاملة صينية الشاي.. الصينية شيك ورقيقة.. شكلها يفرح.. عليها براد الشاي الصيني وفنجانين وقطعتين "تشيز كيك" عملتها بيديها.. واحدة صغيرة لها، وواحدة كبيرة لحبيب قلبها "أحمد".. الذي كان يشاهد برنامج (البيت بيتك) بالتحديد فقرة "محمود سعد"...
جلست بجانبه وبلمسة ناعمة من يدها نبهته لوجودها.. وباليد الأخرى ناولته الشاي والكيك وفوقهم بوسة. انتظرت ليلتفت لها أو أي حاجة.. لكنه لم يفعل ولا هو هنا أصلاً. مع أنها المسكينة كانت منتظراه يفضى لها شوية من 4 ساعات فاتوا. كان فيه ماتش... وقبل الماتش يوجد تحليل وتوقعات يديرها مذيع بلاستيك صوته مزعج مع كباتن ولعيبة خبرة.. ثم الشوط الأول وتحليل الشوط الأول.. ثم الشوط الثاني وتحليل الشوط الثاني على خلفية الماتشات السابقة منذ أن افتتحت البطولة. وتوقعاتهم للماتش القادم.. ظلت منتظرة ومستحملة كل هذا لوقت لتأكل معه "التشيز كيك" ويحكوا مع بعض..
لم تجد بدا من أنها تبدأ هي تكلمه... وبدأت......
......
...................
معايا يا "أحمد"؟؟
ويهزّ أحمد رأسه بأنه آه معها..
......................
....................................... على فكرة النقاط معناها تتكلم معه!
..........................
.............................
...........................................
إنت واخد بالك أنا باقول ايه يا حبيبي؟!
يرد عليها بسرعة وهو يخطف الكلمة من لسانه: أيوه أيوه...
طيب، إنت رأيك إيه؟؟
وتكون الكارثة لما يقول لها: رأيي في إيه؟؟؟؟
يعني أنا عمالة أتكلم وإنت ولا إنت هنا؟! مش كفاية مش قلت لي حتى تسلم إيدك وكلت التشيز كيك ولا كأنها ساندوتش جبنة!! مش حرام عليك؟ إنت بتعمل فيّ كده ليه؟؟ يعني مفيش أي تقدير ولا أي.......... ويحدث الانفجار
بينما الباشمهندس "أحمد" محتاس وواقع في حيص بيص ولا يعرف ما اقترفه ليكون رد فعلها على هذا النحو.
إحباط يقصر العمر.. مش كده برضه؟!
أبداً لو عرفنا أن هذا الموقف وغيره كثير يحدث دائماً... وسيحدث. ولكي نفهم –احنا الزغاليل- ما وراءه فتحوا لي قلبكن وعقولكن..
وهو خط مترو بمحطات!
قلنا من قبل أن تفكير الرجل يختلف عن تفكير البنت.. فتفكير البنت مثل الشجرة.. متفرعة وكل غصن طالع منه كذا فرع وكل فرع طالع منه كذا ورقة. ممكن وهي تذاكر تسمع موسيقى، وتكتب رسالة لصاحبتها على الموبايل، وفي نفس الوقت تكون منتبهة لغلاية اللبن حتى لا يفور.. ومفيش مانع لو وهي واقفة سمعت أطراف حديث أخواتها في الريسبشن! لكن الرجل عكسها تماماً يعني كل حاجة لوحدها وتأخذ طريقها براحتها ولها وقتها مثل المترو يمشي من محطة لمحطة في توقيت معين ولا يتوقف في نصف الطريق ليقوم بشيء آخر حتى لو كان إنه يفتح أبوابه لراكب فاتته المحطة!!
طبعاً هذا لا يعني إنه مستحيل يعمل كذا حاجة مع بعض لأن صعب أن نقوم بما تطلبه منا الحياة بالتقسيط وقطاعي بهذا الشكل المتعسف. لكنها الأعمال الروتينية العادية التي يؤديها أتوماتيكي بدون تركيز شديد.. لكن لو كان يلعب "فيفا" أو يشاهد ماتش و"فيفي" صاحبتك مضايقاكِ وتريدين أن تفضفضي له، يبقى بلااااااااااااااش.. انتظري إلى أن ينتهي الماتش ويدوسBack to Windows ويقوم من على الكمبيوتر أو من أمام التليفزيون. وإن لم تفعلي فتأكدي إنك اخترت تكلمي نفسك وتضيعي وقتك..
حاجة تحرق الدم.. مش كده برضه؟!
بس هم كده!!
ومن كلمة "هم كده" نقدر نعرف خلاصنا. يعني.. لو كل واحدة وضعت في اعتبارها إن تصرف حبيبها وشريكها ليس نابعاً من إهماله لها، أو عدم حبه، أو تطنيش، أو عدم تقدير لما تفعله، ولو انتبهت إلى أنه لا يفعل ذلك... هو لا يفعل على الإطلاق سترتاح.
تاني.. يعني إيه الكلام ده؟؟
يعني علينا نحن الزغاليل ألا نأخذ تصرفاته على محمل شخصي. ونكون متأكدات أن تلك هي طبيعته يعني أفعاله تخرج طبيعية منه ولا يقصدها على الإطلاق. ولكي تتقبل الواحدة منا طريقة تفكير الرجل الخطية، لازم نهيئ أنفسنا لتغيير أسلوبنا في التعامل معه من وجهة نظرنا الخاصة بنا. يعني لا أحاسبه على شيء غير موجود في طبيعته. يعني تخيلي إنك اشتريت جهاز موبايل نوكيا 6030 وكل شكواكِ منه إنه لا يصور! لو وضعت في اعتبارك أنه لا توجد به كاميرا من الأصل، فلن يضايقك أنه لا يصور، ولن تشتكي منه وستحبينه كما هو. طبعاً كان هذا مجرد مثال حتى يؤخذ عليّ من أصدقاء جمعية "الرجل الخشن خشن"..
أما عن تحويل الكلام لفعل حتى لا نصير كائنات تكلم نفسها، علينا أن نعرف ما يشغله الآن ونتحين الوقت المناسب فلا نحشر أنفسنا وسط أشياء أخرى تستحوذ على انتباهه فنتهمه بعدم التقدير وأنه لا يسمع ولا يشعر ولا أي حاجة من حاجات البني آدمين. وفي هذا ظلم بيّن له.. نتأكد الأول أنه خالي البال وأن الخط عنده متاح وإلا سيظل كل واحد في وادٍ مع حاله.
لا سوبرمان.. ولا سبع البرمبة
أكيد كان واضح فوق إن "لمياء" تذوب حباً في "أحمد".. كفاية شكل الصينية واللمسة الناعمة والتشيز كيك وانتظارها 4 ساعات كاملة كورة واحتمالها لمذيع الماتش الذي لم يخرج من جلابية والدته فيتكلم مثلها بالضبط ويميل صوته وينغمه كالستات وهو يقول: يا خااااااابر ااااااابيااااض!
ولأنها نفسها تفرش له رموشها بـُساط، فهي لا تحب أن تحمله أي هم خصوصاً وإنها شطورة وذكية ومستقلة وتعتمد على نفسها وسنرى ذلك في الموقف التالي:
"لمياء" تقول لـ"أحمد" إن عيد ميلاد مامته يوم الخميس، وهو لم يكن يعلم ولم يتذكر. ويوم الخميس كان مخصصا للتجمع الأسبوعي عند أسرة "لمياء"، ويوم الجمعة عند أسرة "أحمد":
لمياء: أنا اتصلت بماما وقلت لها إننا مش هنقدر نروح لها الخميس ده وقلت لها معلش بقى المرة دي.. علشان نروح لطنط بدري ونقعد معاها.. وأكيد كل اخواتك هيبقوا موجودين النهارده..
هـزّ "أحمد" رأسه نصف هزة وهو يغمز لها بعينه ويزمّ طرف شفته ليصدر صوتاً شقياُ تعبيراً عن الانبساط جداً من أنها فاكرة وعاملة حسابها.. وقبل ما ينطق أكملت هي كلامها:
لمياء: وكمان أنا فكرت أجيب لها هدية.. لما كنا لسه مخطوبين يا حبيبي سمعتها مرة بتقول قدامي إنها بتتضايق من الطرح الكريب لأنها بتدخل الهوا وتبردها في الشتا.. وأنا أول ما سمعتها بتقول كده نويت إني أجيب لها طرح ثقيلة في عيد ميلادها الجاي اللي بالمناسبة بيكون في عز الشتا في يناير..
انبسط "أحمد" أكثر ومال على يدها وقبلها من شدة امتنانه وعرفانه..
قال لها: مش عارف من غيرك كنت عملت إيه.. لولاكِ إنت كان موقفي هيبقى محرج جداً.. قولي لي بقى الطرح دي تتجاب منين عشان أجيبها..
ردت "لمياء" بحب وحزم: لا يا حبيبي مش تتعب نفسك.. أنا لما أطلع من الشغل هابقى أعدي على المحل وأجيب لها على ذوقي.. وبعدين أنا كمان عارفة النوعية وكده..
نبض جانبي خد "أحمد" كإشارة للغضب والنرفزة المكتومة.. وقال لها محاولاً كبت غضبه:
- أنا قلت أنا اللي هاجيبهم.. بس قولي لي المحل فين وألوان إيه"..
ولأن لمياء بجد تحبه ولا تريد أن تشغله قالت: ما أنا اللي عارفة يا بيبي.. وبعدين مش تتعب نفسك إنت.. المحل جانبي. وينفلت غضب أحمد من عقاله وتحمر عيناه ويعلو صوته وهو يقول لها: أنا قلت أنا اللي هاجيبهم.. يعني أنا اللي هاجيبهم..!
عروستي...!
أكيد السؤال التالي هو أول ما يطرأ على بالنا في موقف مثل ذلك: فيه حد يطول أن يجد من يفرش له رموشه بساط، ويولع له صوابعه شموع ويرفض؟!
في الحقيقة... نعم. لما يتعارض الرمش والشمع مع فكرة الرجل عن نفسه. فكل رجل داخله كائن خرافي بأجنحة يقدر ينقذ الكون كله ومن يحبها قبله، لأنه بطبعه يظن أنه حلال المشاكل وأنه يتمتع بنفوذ وسلطة. ويحب أن يشعر بأن وجوده له أهمية قصوى وأن لديه ما يقدمه لحبيبته. لذلك، لما أحس "أحمد" أن "لمياء" عاملة حسابها من مجاميعه ولا تحتاج له في أي شيء، تعصب وكان رد فعله متعسفا. صحيح هو مقدر كل ما فعلته زوجته من ترتيبات لكنه لا يرضى أن يكون خارج الموضوع بتلك الدرجة. بل لازم يكون له دور حتى ولو بالفرض من رجولته اللي وجعته.
لذلك، نجد الرجال تتوجس من البنت المستقلة التي لديها شغل، ومرتب، وحياة اجتماعية ناجحة، ويا سلام لو زادت وكانت مثقفة أو لها نشاطات! يحبونها من بعيد لبعيد لكن عند الارتباط ينفضوا لأن ما يرونه فيها لن يعطيهم فرصتهم للقيام بدورهم. ويتساءل الأفندي: أمال ايه اللي هتعوزه مني؟! وإيه اللي ممكن أقدمه لها لما هي كاملة من مجاميعه ومش ناقصها حاجة؟! ولا إيه اللي هيخلي واحدة زيها تهتم بيّ؟؟!
طيب، كيف التعامل؟
بسيطة جداً.. مهما كانت البنوتة منا شاطرة مثل "لمياء" ومنظمة ومفكرة ومبدعة، ومهما كانت تحبه ولا تريد أن تحمله هم أي شيء، ومهما.. ومهما.. ومهما.. لازم تعرفه إن وجوده أساسي في حياتها. قولي له إنك لا تعرفين أن تقومي بفعل ما بدون ما تأخذي رأيه، وإنك لا تستطيعين أن تفعلي كذا بدونه.. يهمه جداً أن يعرف أنه يمثل لك الأمان والاستقرار وأن ذلك ما تحتاجين إليه. وتكونين حذرة معه وتفهمينه أن كونكما متكافئين ومتساويين فهذا لا يعني أنك مستغنية عنه..
لكن ذلك لا يعني أن يكون هو البيج بوس أو أن الواحدة منا احنا الزغاليل لازم تدمع. ولو لم تجد الدموع تضع قطرة وتطأطئ رأسها وتغرق نفسها في شبر مية لتريه كم هي محتاسة بدونه!
الرجل الغامض بسلامته متخفي في نضارة!!
مـرّ عيد مامة "أحمد" بسلام.. وبعدها أصيب بالإنفلونزا في وقت صعب جداً لأن كان فيه تجديدات في عمله ومشغول جداً. هذا غير المشاكل والنفسنة التي تحدث.. مع التجديدات والترقيات.
تسأله "لمياء" إذا كان محتاج أي حاجة أو "مالك" ورده في كل مرة "مفيش".. وهي يا عيني هتتجنن منه.. تقول له:
- طيب، ريحني وقل لي إنه فيه بس مش عايز تقول لي دلوقت.. وصدقني مش هالّح عليك. بس طمني عليك على الأقل"..
وهو رده.. "مفيش"!!!
السبب أن الرجل اتربى على أنه لا يبكي ولا يتصرف كالبنات. ولا يوجد ولد لم يسمع في طفولته: إوعى تعيط.. لو عيطت تبقى مش راجل..
ومن النهي عن البكاء يكون إخفاء المشاعر والاحتياجات لأنها في وجهة نظره تتعارض مع رجولته وممكن تصل لدرجة أنه ينكر أنه محتاج من أصله. و"أحمد" لما رفض إن "لمياء" تساعده ورفض إنه يحكي لها تعبه في شغله لأنه استكثر على نفسه أن يكون مريضا وهي تطببه وتعتني به، وفوق ذلك يكون محتاجا لها لتلك الدرجة!
وعلى فكرة، ذلك مجرد مشهد وليس مرض أو ورم في حاجة للاستئصال كما قلت فوق حتى في نفس الوقت، "أحمد" كان يفكر في التجديدات الحاصلة في شغله وما الفائدة التي سيخرج بها. فهو -مثله مثل معشر الرجال- يكره الخسارة ويحسب للخطوة قبل ما يأخذها.
إذن على كل "لمياء" أن تتعامل معه بذكاء وتكون حريصة وتفرق بين الشفقة والعطف. وتأكدي أنك لو أظهرت شفقتك عليه سيرفع في وجهك كل ما يثبت أنه رجل وليس في حاجة لأي مخلوق. وعلى هذا الأساس كان تصرف "لمياء" فبعد ما سألت كذا مرة فهمت وتوقفت عن الإلحاح وعن إظهارها الشديد لشفقتها عليه. وبدلا من السؤال المباشر بدأت هي تحكي له عن متاعبها في شغلها والحكي كالعادة يجـرّ حكي.. فبدأ يشكي لها همـّه بدون ما تسأل.. وبدأت تساعده بدون ما تطلب منه.
ولم تتعامل مع قلقه وحسابه لكل شيء يجد في حياته وشغله على أنه طمع. ولم تفكر في أنه "أشعب" زمانه.. بل ربطت بين حرصه وبين كرهه الخسارة وارتباط النجاح عنده برجولته.
آخر سطر في الروشتة..
أعتقد لو لم تتعامل كل بنت منا مع حبيبها وشريك عمرها من منظورها هي.. ولو لم تقل في كل موقف إنه "المفروض كان يعمل كذا" وكذا تعني أن يتصرف مثلما تتصرف هي، ولو لا تأخذ تصرفاته على أنها موجهة لذاتها هي، ولو فكرت فقط في مسألة أن كل ما بيننا –احنا الزغاليل- وبينهم من مشاكسات ومشادات يرجع إلى كوننا مختلفين فقط، لو حدث كل ذلك سنرتااااااااااااااح.. وأنا هنا قصدت بالجمع الكل سواء هم أو -احنا الزغاليل.