من أعظم النعم الإلهية بعد نعمة الإيمان والتقوى أن أنعم الله تعالي على عباده بنعمة الزوجية ، وفيها ما فيها من معانى الألفة والود والتراحم ، مما يساعد على سير الحياة سيرًا طبيعيًا كما أرادها الله تعالى ؛ لتكون معبرًا إلى دار القرار ، وطريقًا معبدًا يسلكه السائر حتى يصل إلى مراده ومقصوده ، وليس أبلغ من التعبير القرآنى العظيم فى وصف علاقة الزوجية بكونها (الميثاق الغليظ) ، وبما تعنيه الكلمة القرآنية من بلاغة وروعة من العهد والقوة والتأكيد الشديد لأهمية الحفاظ عليه والوفاء به، وقلة قليلة تفهم هذا المعنى وتحافظ عليه ، وتحوطه وتحميه، فما يزال كثير من الأزواج يظن أن الحياة الزوجية ليست إلا تصريفا لطاقة مخزونة تريحه بين حين وآخر ،
وهى - لعمر الله - نظرة سطحية بليدة باردة يولدها شعور باهت وإحساس ميت ليعيش هذه المشكلة جمع غير قليل من النساء الفضليات المرهفات الحس اللاتى صادفن فى حياتهن هذه القلوب العليلة والظلال الكئيبة ، والشخوص الباهتة التى ترقص على جراح القلوب النازفة. وليس من نافلة القول أن نكثر الحديث عن المشاعر ، أو نتحدث عن الأشواق التى تختلج فى الصدور ، فتجعل منها بركانًا يتقد أو منجاة يسمع لها دوى يفطر القلوب الحية، وهل بقى للناس غير المشاعر ؟ وقلما تصفو الحياة بغيرها، وليس من الغرابة أن نذكر - وبحق - بأن هناك لغة راقية سامية، حروف هذه اللغة أحاسيس معبرة ومشاعر مؤثرة غير أنها تحس ولا ترى ، تلك هى لغة المشاعر وصياغتها، وكيفية التعامل معها والأنس بها بما يملأ الزمان والمكان، وقليل هم أولئك الذين يحسنون التعامل مع هذه القلوب وتلك الأرواح فيبلغون فيها عبقرية جادة فيهنؤون بعيش كريم ويسعدون غيرهم بجمال الكون وما فيه. وشر البلية أن يرزأ المرء فى عواطفه ، وأن يصاب بعقم مشاعره ، وما حلو العيش ولذة الحياة إن فقدت معناها الجميل ؟ وهل يحمد العيش بغير هذا النغم ؟!
وماذا لو أن امرأة تزوجت رجلاً فإذا هو بليد المشاعر ، رتيب الحس ، فقير الشعور ، فج العبارة ، ثقيل الظل ، قليل العطاء ، تراه فى البيت مكومًا كما لو كان جزءًا من أثاث البيت وبقية من متاعه ؟ ألا ينفطر قلبها، وتشقي نفسها، ثم تذبل وتنكمش فتموت فى اليوم مرات ومرات ، كالوردة التى لا تجد من يسقيها فتذبل وتنتهى؟ وإنه مما يتميز به هذا الدين تلك المرونة والوسطية والبساطة ، فليس هو جامدًا أو حديدًا ، وإنما هو دين الرفق واللين والملاطفة ، والرقة والبلاغة ، ينهى عن الغلظة ، ويعيب على الفظاظة.
وإن الزوجة هى رفيقة الدرب ، وشريكة الحياة ، والمؤنس فى الوحدة ، وقد خلقت ليسكن الرجل إليها، والمرأة - بحكم ما أودع الله فيها من أسرار - مخلوق وديع ، وجنس لطيف تحبه النفس وتتعلق به، وتأنس إليه ، وتهشّ له لكونه مخلوقًا راقيًا يحمل من المشاعر الدافقة ، والعواطف الكامنة ، والأحاسيس الدافئة ، والعطاء المتجدد الذى لانهاية له ، مما يجعل الكون جميلاً ولطيفًا فى أجوائه وآفاقه ، فإذا ما التقت والرجل فلم تجده سوى غصن يابس ، أو غرس شائك لا طعم ولا لون ولا رائحة نفرت منه ، ورغبت عنه، وندمت أشد الندم على أنها رزئت فى شبابها، وأصيبت فى مقتل ! ولم هذا ؟! أليست هى امرأة ؟ أليست هى سرًا من أسرار هذا الكون الفسيح ؟!
من وسائل زيادة الحب بين الزوجين :
* إنَّ كلامًا جديدًا يخرج من بين ثناياك لكاف - بتوفيق الله - لأن يذيب الجليد ، ويلين الحديد ، ويقيم الجسور. * أن تسأل عنها حال مرضها أو عافيتها يشعرها بوافر السعادة ، وعظيم الامتنان لشعورها بالاهتمام بها والحب لها.
* أن تشاركها الحديث ، وتحسن الإصغاء إليها من غير أن تقاطعها يشعرها بوجودها وقيمتها.
* أن تربت على كتفها وتضغط على يدها بين حين وآخر.
* أن تشيع فى البيت جوًا من الأنس والبهجة والمرح ، فإن ممازحتها ومضاحكتها وإدخال السرور عليها أمر منصوص عليه مرغوب فيه. * الاعتزاز بخبراتها والثناء عليها يعود عليها بنضارة فى الوجه والبدن.
* لفت الانتباه باحتياجك إليها أكثر من احتياجها إليك ، وبأنها لك حسنة الدنيا التى وهبها الله لك مما يزيد من ثقتها بأنها مرغوبة محبوبة.
* الرفق بها ومعاونتها فى خدمة البيت، ورعاية الأبناء يخفف الكثير من آلامها.
* تجنب العبارات المؤذية، والجمل الفجّة والكلمات القاسية ، فربما جرح لم يفلح في تضميده شىء على الإطلاق . وذلك الذى ذكرناه لن يؤتى ثماره إلا إذا كان ينبوعًا حقيقيًا يصدر عن القلب والنفس والروح . ومما يعين على ما ذكرنا أن ينظر الزوج بين الفينة والأخرى فى:
1 - سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه خير القرون ، وسيرة التابعين والتأسّى بهم فى معاملتهم لزوجاتهم.
2 - كثرة تلاوة القرآن الكريم الذى يرقق القلب، ويقوّم اللسان ويثرى به العقل بعظيم المعنى والمبنى. 3 - السير فى الأماكن التى تنشط الذهن، وتوحى بالتأمل والنظر كالحقول والبساتين، والليالى القمرية، والنظر إلى الجبال الشاهقة، والأمواج المتلاطمة كل ذلك يزيد من إحساس الفرد، ويدربه على استثمار العاطفة وتنشيط الخيال وإثرائه.
4 - أن يمسح بيده رؤوس اليتامى لعلّ قلبه أن يلين كما جاء فى الحديث الصحيح. 5 - أن يدعو ربه الكريم الجواد بأن يطلق عقله بالمعرفة ولسانه بالجميل ، وفؤاده بالنظر والتأمل، وأن تدعو له زوجه بظهر الغيب أن يكون خير زوج لها، ويأنس كل منهما بصاحبه، وكلا الزوجين مطالب بأن يحصِّن الآخر فيسكن القلب وتستريح النفس، وليس المقصود بالإحصان إفراغ ما فى الجسد من شدة فوران الشهوة واتقّادها بل هو أعم من ذلك ، وأوسع لما يشتمل عليه من المناغاة، والمناداة، والملاعبة والمؤانسة، والتواصل والقرب والعطاء، وارتباط القلوب بعضها ببعض، بإشارات ولمحات بما يبين المعنى ويفسر المقصود، ويحقق المراد من اللباس المشتمل على صاحبه فى قوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. فما الفائدة من لباس لايستر صاحبه ولا يقيه عوارض الحر والقر؟! وما المعنى من لباس لايحس صاحبه فيه بدفء أو قرار؟!
ولهذا أقام علماء الشريعة بالدخول بالزوجة قرينة على تحقيق الإحصان كشرط من شروط إقامة الحد على الزانى، ومن ثم كانت الألفة أقوى من المحبة وأحكم لاستدامة العشرة الزوجية لما فيها من القرب والوصل ما ليس فى المحبة المجردة، ولذا كان فى مفارقة الأحبة من عظيم الكدر الذى يصيب النفس ، ويهلك البدن ما فيه، وسر ذلك أن المحبة المجردة يهيج شوقها الخيال المجرد بعيدًا عن الواقع ، لكن (المعايشة الصادقة) وفيها من الجوار والقرب واللطف مافيها تسعد القلب وتحرّك الشجن ، وتؤنس الجارحة فيتبدد ليل القلق ، ويسعد الحال ، ويروق البال ، وتلك حسنة الدنيا التى وعدها أهلها. فيا قوم : من قبل أن تظلل بيوتنا كآبة لازمة ، ومن قبل أن نسح الدموع المدرارة التى لا تجف ، أو ينهار البيت على ساكنيه : أقيموا فى بيوتكم مشروعًا صغيرًا للحب ينمو مع الأيام، ويثرى حصاده عقولاً سليمة، وأبدانًا ندية، ووجوهًا سمحة كريمة.. فهلا وافقتمونى؟.
|