تأسست القاعدة في عام 1988م من قِبل مؤسسها "أسامة بن لادن"، وكان الهدف من ورائها آنذاك هو مقاومة الغزو السوفيتي لأفغانستان. فقد تحمس "بن لادن" لفكرة الجهاد في أفغانستان، وذهب ليكون ضمن طليعة الأفغان العرب، ويأخذ دورًا قياديًا فيهم…
وبعد استشهاد الدكتور "عبد الله عزام" أواخر الثمانينيات والذي كان بمثابة شيخ "بن لادن"، بدأ "أسامة" يميل لأفكار جماعة الجهاد المصرية، خاصة أن عددًا من زعمائها قد استقر بأفغانستان بعد طول فترة هروب، ومنهم "أيمن الظواهري" الذي أصبح المرجع الفكري لـ"أسامة"، في حين صار "أسامة" القائد والزعيم الروحي، بمعنى أنه يقود التنظيم من خلال تحديد التوجيهات العامة لأعضائه، أو بمعنى آخر أن دوره هو التحريض على قتال العدو، ومن ثم فإن دوره أشبه بالقائد الأعلى للجيش النظامي وليس قائد الأركان الذي يختص بمهام محددة، ولعل هذا يفسر أسباب وجود نوع من اللا مركزية داخل التنظيم خاصة فيما يتعلق بالمجموعات التنفيذية التي تكون في ساحة القتال.. لكن هذا لا يعني عدم معرفته المسبقة بأية عمليات ينوي أعضاء التنظيم القيام بها. ويلاحظ أن القاعدة -بالرغم من سيطرة الجانب القتالي العنيف على أنشطتها- لا تعتبر نفسها مجرد تنظيم عسكري، وإنما تنظيم عسكري- سياسي في آن واحد يضم لجاناً عسكرية، وأخرى شرعية، وثالثة مالية، ورابعة إعلامية، فضلاً عن الجهاز الأمني.
وقد أتت تسمية القاعدة من أحد نصوص المنظمة والذي يصف عمل المنظّمة بأّنها "قاعدة الجهاد" فسمّيت بالقاعدة.
وقد بدأ تنظيم القاعدة يقوى بصورة كبيرة عام 1998حيث قام الرجلان (بن لادن– الظواهري) بتأسيس الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين والتي تبنت فكر القاعدة القائم على قتال العدو البعيد "الولايات المتحدة والكيان الصهيوني" بدلاً من التركيز على العدو القريب "النظام المصري وفق مقولات حركة الجهاد". هذا التزاوج بين الحركتين بالرغم من أنه ساهم في تقوية القاعدة، إلا أنه أدى إلى حدوث انقسام داخل حركة الجهاد سواء من قبل الموجودين في الخارج خاصة في أوربا وأمريكا، أو الموجودين داخل السجون المصرية، وهو ما أدى إلى استقالة "الظواهري" من إمارة الجهاد عام 1999؛ ليصبح بعد ذلك الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بعد "بن لادن". وبعد أحداث سبتمبر 2001، تم تغيير اسم التحالف إلى تنظيم قاعدة الجهاد، وذلك لمواجهة الظروف الجديدة التي طرأت بعد أحداث سبتمبر وبدء الحرب الأمريكية ضد الإرهاب في أفغانستان، ثم في العالم كله. وبعد غزو العراق عام 2003 بدا واضحا من تصريحات "بن لادن" و"الظواهري" تبلور نظرية جديدة للعنف تعمل على المساواة بين العدو القريب "فكر الظواهري"، والعدو البعيد "فكر بن لادن"؛ حيث تم اعتبار قتال الاثنين على قدم المساواة دون تغليب أحدهما على الآخر.
مبادئ القاعدة
وتؤمن القاعدة إيماناً شديداً بإخراج كل من هو غير مسلم، بالإضافة إلى من يخالفهم من المذاهب الإسلامية خارج جزيرة العرب أو قتلهم إذا كانوا من جهة عسكرية. لذا نجد أن ألدّ أعداء القاعدة هو الولايات المتحدة لتواجدها العسكري لخدمة مصالحها ومصالح حليفتها الصهيونية في جزيرة العرب خاصّة بعد قدوم القوّات الأمريكية إلى السعودية عام 1990 في إطار عملية درع الصحراء (بعد غزو العراق للكويت). حيث صارت الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت هي العدو الأول لتنظيم القاعدة، إذ اعتبرها "بن لادن" رأس الكفر، كما اعتبر وجود جنودها ببلاد الحرمين بمثابة احتلال لبلاد المسلمين، وأن قتالهم ومن معهم ومن شايعهم (أي ناصرهم) فرض عين على المسلمين على نحو ما أشار إليه بيان تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى حيث تضمن فتوى "توجب على المسلمين قتل الأمريكيين ونهب أموالهم أينما كانوا"، وبدأت القاعدة تستهدف المصالح الأمريكية أينما كانت، فبدأت عملياتها ضد الأمريكيين في الصومال (1993) ومنطقة الخُبر بالسعودية عام 1996، مرورا بتدمير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، ثم تدمير المدمرة كول في عدن عام 2000.
وبالرغم من تأييد التنظيم لعمليات تفجير مبنى التجارة العالمي في ولاية نيويورك، ومبنى وزارة الدّفاع "البنتاجون" في ولاية واشنطن (مقاطعة كولومبيا) في 11 سبتمبر 2001، إلا أن "بن لادن" لم يعلن صراحة أنه المسئول عنهما، بل اكتفى بوصف القائمين بهما بأنهم "كوكبة من كواكب الإسلام وطليعة من طلائعه".
وفي عام 2004، خرج المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بتقرير يؤكد بقاء تنظيم القاعدة رغم تشرذم عناصره بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان -معقل طالبان والقاعدة عام 2001-. ويشير التقرير إلى أن الحرب على العراق أعطت القاعدة دعماً أقوى بعد تنامي النفور الإسلامي والعربي من الولايات المتحدة وحلفائها.
وذكرت الدراسة أن تنظيم القاعدة موجود في أكثر من 60 دولة، وبأتباع يزيدون على 18 ألف شخص. ويستهدف التنظيم القوات الأمريكية في الأراضي العراقية بشكل مباشر، إضافة إلى توجيه ضربات موجعة لحلفاء الولايات المتحدة كإسبانيا وبريطانيا والأردن والسعودية.
أسباب ظهور القاعدة
هناك أربعة اتجاهات في تفسير ظهور القاعدة ومثيلاتها من جماعات العنف المسلح:
الاتجاه الأول يرى أن هذه التنظيمات ما هي إلا رد فعل طبيعي لسياسة الولايات المتحدة التي يصفها هؤلاء بالسياسة الازدواجية خاصة فيما يتعلق بإسرائيل ومن أبرز هؤلاء "نعومي تشومسكي".
ويورد هؤلاء النقاط التالية كتفسير لظاهرة القاعدة وجميع الحركات التي تستخدم العنف والسلاح كبديل للغة الحوار.
1- محاباة الولايات المتحدة لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين والعرب.
2- التأييد الأمريكي لبعض الأنظمة العربية الموصوفة بالديكتاتورية والتي تعتبرها القاعدة العدو القريب وفق أفكار جماعة الجهاد.
3- القصف الأمريكي لمصنع الدواء السوداني عام 1998 بزعم أنه مصنع تطوير أسلحة كيميائية.
4- القواعد الأمريكية في شبه الجزيرة العربية والتي تعدّ من أقدس البقع في العالم عند المسلمين.
5- القصف الأمريكي المستمر للعراق منذ عام 1991 وانتهاءً بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن بروز القاعدة يأتي في إطار (صراع الحضارات) الذي عمل على الترويج له "صمويل هنتنجتون"، وقد برز هذا الصراع بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن.
أما الاتجاه الثالث فيرى أن بروز هذه التنظيمات يأتي في إطار الرد على أفكار الحداثة الغربية التي تعمل على الانتقاص من قيمة الدين وتهميشه بل عدائه والمطالبة بإخراجه من شتى جوانب الحياة.
أما الاتجاه الرابع فيرى أن بروز هذه الجماعات لا يأتي كرد فعل لممارسات الغرب، وإنما انطلاقا من عالمية الإسلام، حيث تطرح بعض الجماعات الإسلامية نفسها بديلا ليس للنظم الحاكمة في بلدانها فحسب، وإنما كبديل عالمي أيضا بالنظر إلى عالمية هذا الدين والدعوة إليه عبر التبشير والجهاد.
القاعدة في مواجهة أمريكا
ومع الغزو الأمريكي لأفغانستان للقضاء على طالبان وتنظيم القاعدة المتمركز هناك عمل "بن لادن" على وضع استراتيجية دفاعية لمواجهة الجيش النظامي الأمريكي، هذه الاستراتيجية تقوم على عدة محاور أبرزها ما يلي:
ويميز المحللون لشئون الحركات الإسلامية بين القاعدة كتنظيم والقاعدة كشبكة، فالأولى تمتاز كما سبق القول -بعلاقتها الوثيقة بـ"بن لادن"، أما الثانية فهي مجموعة من الخلايا اللامركزية المنتشرة في عدة دول عربية وأجنبية تعتنق فكر القاعدة دون وجود اتصال مباشر بها، ولعل السبب في بروز هذه الشبكات الصغيرة هو ما تعرض له التنظيم من ملاحقات وضربات من قبل الولايات المتحدة خاصة بعد غزو أفغانستان عام 2001، حيث كان التوجه هو الانتشار في العديد من الدول، وإن بقي "بن لادن" ونائبه "الظواهري" في كهوف أفغانستان على أرجح الأقوال. ولقد قامت هذه الشبكات الصغيرة بمجموعة من العمليات لعل من أبرزها الانفجارين الكبيرين اللذين وقعا في أحد الملاهي الليلية بجزيرة بالي الإندونيسية في 12 أكتوبر 2002 والذي أسفر عن مصرع مائة وثمانين سائحا معظمهم من الأستراليين، فضلا عن ثلاثين بريطانيا. ومن العمليات الأخرى الصغيرة تلك العملية التي شهدها المعبد اليهودي بمدينة جربة التونسية في 11 أبريل 2002 والذي أسفر عن مصرع 21 شخصا بينهم 14 سائحا ألمانيا وفرنسيان.
مستقبل القاعدة
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في النهاية يتعلق بمستقبل القاعدة واستيراتيجياتها المستقبلية؟
ويتضح من استقراء ما حدث من عمليات بعد أحداث سبتمبر أن التنظيم لا يزال باقيا، بل يظهر كل يوم أتباع له مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وهو ما يشير إلى أن الخلايا النائمة أو شبكة التنظيم هي التي سيكون لها الدور الأكبر خلال الفترة القادمة بصورة يصعب القضاء عليها كلية خاصة وأنها تنتشر في أنحاء شتى من دول العالم. وهو ما يعني أيضا أن نمط العمليات التي ستقوم بها قد يكون محدودا من حيث تأثيره مقارنة بتفجيري نيويورك وواشنطن، ولكن عدد هذه العمليات سيكون أكبر بالنظر لحجم الانتشار الكبير لهذه الخلايا. مع العلم بأن هذه العمليات لن تطول "العدو البعيد"فقط (الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية)، وإنما "العدو القريب" أيضا (الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية).