يعيش الشباب المصري حالة من اليأس والإحباط يمكن أن يلحظها المتفحص من خلال أحوال الشباب وأقوالهم بل ربما تكاد تنطق بها نظرات عيونهم.
ورغم أن كل دولة في العالم، وكل صاحب فكر وعقل يتيقن أن مستقبل أي دولة أو أمة في شبابها؛ ولذلك ينصب الاهتمام عليهم تثقيفا وتجهيزا وإعدادًا لقيادات المستقبل، إلا أن شباب مصر يرى أنه بعيد تماما عن اهتمامات دولته، بل ويتحدث الكثير منهم بحسرة شديدة عن إهمال الدولة لشبابها، وعدم رعايتها لهم، أو الالتفات لحاجاتهم ومطالبهم التي يرى أكثرهم أنها مطالب عادلة لكل شاب في مقتبل العمر وفي بداية الحياة من توفير فرص العمل، وتيسير سبل المعيشة الكريمة، وفتح المجالات أمامهم لخوض معترك الحياة وخدمة دولتهم.. ولكن نظرة الشباب لدور الدولة نظرة في غاية التشاؤم ...يظهر ذلك من خلال أقوال الشباب أنفسهم والتي نشرت جريدة "المصري اليوم" "المصرية" بعضها على ألسنتهم:
يقول أحمد إبراهيم 25 سنة: "الحكومة لا تفعل أي شيء للشباب، فهي تتحدث فقط عن المشاريع التي تقيمها لهم وعن فرص العمل التي توفرها بالآلاف في الوقت الذي لا نري فيه أي شيء من هذه الفرص".
وتقول نورهان الفقي 23 سنة: "بصراحة الدولة لا تقدم أي شيء للشباب ولا تلتزم نحوهم بأي التزام".
ويقول فارس حمدي: «أنا لا أري أن الحكومة تهتم بالشباب في أي شيء، ولا تسعي لتخفيف الأعباء عنهم، بالإضافة إلي أن فرصة الحصول علي أي وظيفة بأي جهة حكومية أصبحت شيئا شبه مستحيل في ظل الإعلان الدائم عن عدم توافر فرص عمل أو أماكن شاغرة".
وتقول مريم أحمد 26 سنة: «في رأيي الحكومة لا تريد أن تلتزم تجاه الشباب بأي شيء سوي الوعود التي لا تتخطى حاجز الوعود».
وتقول دعاء السيد: «الحكومة لا تلتزم تجاه الشباب لأنها لا تقدر قيمتهم الحقيقية ولا تعرف أهميتهم في النهوض بمصر إلا في خطب الزعماء والقادة فقط أما دون ذلك فلا يوجد أي التزام تجاه الشباب».
صفعات موجهه للشباب
والمراقب لحال الدولة وواقع تعاملاتها فيما يخص الشباب من أمور التوظيف والتعيين والتكليف يحس بنوع جفوة وتوتر في العلاقة بين الحكومة والشباب، وقد استغرب الكثيرون من بعض القرارات الوزارية والحكومية الخاصة بالشباب، فقد اتخذت الحكومة بعض القرارات التي وصفتها جريدة المصري اليوم " المصرية " بأنها صفعات وجهتها الحكومة للشباب:
أولها : "كما نقلت الصحيفة" قرار وزارة التنمية الإدارية بقيادة الدكتور أحمد درويش إلغاء تعيين المعيدين في الجامعات الحكومية مبررة ذلك بعدم قدرة ميزانية الدولة علي تغطية مرتبات الجيل الجديد من المعيدين في ظل تكدس الجامعات بالطلاب والمتفوقين والأوائل.
وثانيها: ما صرح به الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في ندوة أقامتها جامعة القاهرة خلال الشهر الماضي بأنه إذا كانت الجامعات بحاجة فعلية لهؤلاء المعيدين فعليها أن تلجأ لمصادر تمويل أخري غير الدولة التي لم تعد قادرة علي تحمل تكاليف الجامعات وعليها تنويع تلك المصادر بين الرسوم الطلابية وأرباح بيع الكتب الدراسية والمنح المقدمة من الجامعات الأجنبية في ظل القانون.
وهاهي وزارة التنمية الإدارية مرة أخري تقدم علي قرار إلغاء نظام تكليف الأطباء الجدد الذي سينفذ خلال سنوات قليلة بزعم عدم الاحتياج إلي أطباء جدد في ظل تزايد أعداد خريجي الجامعات الحكومية والخاصة في حين يعاني الكثير من القرى والنجوع المصرية من عدم وجود أدني أشكال الرعاية الصحية!
عجايب التوظيف:
المفترض عند أهل الإدارة فضلا عن غيرهم أن الشباب إنما يخطط لمستقبله حسب رغبته وميوله ومن ثَمِّ يختار الشاب طريق التعليم الذي يوصله إلى هدفه المنشود ليحقق مأموله، فصاحب الميول الهندسية يختار طريق الهندسة ليتخرج بعد ذلك مهندسا في الفرع الذي يأمله ويحبه ويظن أنه ينتج فيه وينفع بلده ونفسه، وكذلك ذوو الميول الطبية والتجارية والسياسية وغيرها...لكن الحقيقة أن كثيرا من هؤلاء بعد بذل المجهود المضني دراسيا، وتحمل التكاليف التي تثقل الكواهل، وبعد السهر والجد والتعب والتخرج من الكليات التي أرادوها يصطدمون بالواقع المرير، إما لعدم وجود وظائف أصلا، وإما لأن المتاح لا علاقة له بما درس، وأن الموجود لا يمت بصلة إلى المأمول وهذه وحدها كافية لأن تقضي على أمال الشاب ومستقبله.
كثيرة جدا النماذج التي اصطدم أصحابها بواقع لم يكونوا يظنون لحظة أنهم سيواجهونه، لكنها الحقيقية:
أحمد إبراهيم تخرج من كلية التربية وبدلا من أن يعمل مدرسا إذا به يؤول به الحال إلى العمل في انترنت كافية. يقول أحمد : "أنا تخرجت من الكلية منذ 4 سنوات وحتى الآن لا أجد فرصة عمل".
وفارس حمدي: حصل على ليسانس آداب لغة عربية ويعمل "كاشير" بأحد المقاهي. ويقول فارس بمرارة: «لا أعرف السر الحقيقي وراء ما تفعله الحكومة بالشباب ولا أستطيع أن أفهم ما يحدث». ويقول: "إن فرصة الحصول علي أي وظيفة بأي جهة حكومية أصبحت شيئا شبه مستحيل".
ودعاء محمد تعمل كمندوبة مبيعات في حين أنها تخرجت من كلية التجارة منذ قرابة عامين ونصف.
وأما معتز فبدلا من أن يكون معيدا في كلية الآداب انتهى به الأمر إداريا بأحد كافيهات جامعة الدول العربية.
وواقع الحال أن أكثر الشباب بمجرد التخرج يبحث له عن باب رزق يتكسب منه يستطيع أن يعيش، وكثير منهم ما زال يأمل أن يُحَصِّل شقة ليتزوج فيها ويكون أسرة كبقية شباب العالم. ولذلك نسي كثير منهم موضوع الوظيفة الحكومية ووضع هذا التفكير جانبا بعد أن أصبحت من المعجزات أو المستحيلات كما يقول هشام سعيد (26 سنة بكالوريوس طب): «أشعر بأن الوظائف الحكومية خلقت لاشخاص معينين".
أحسن من غيرهم:
على أن بعض الشباب ينظرون إلى هؤلاء الذين حصلوا على وظائف، ولو في غير تخصصهم، بأنهم أحسن حالا من غيرهم ممن لم يجدوا هذه الفرصة أصلا، خصوصا وأن العديد من الدراسات تكشف عن ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وأنها وصلت أو تخطت الثلاثين بالمائة مما دفع الكثير من الشباب العاطلين إلي البحث عن أي فرصة عمل متاحة حتى لو كانت علي حساب كرامتهم وحياتهم وعلى حساب ما تقدمه من ضمانات في المستقبل.. كما كتبت ذلك علا عبد الله في نفس الصحيفة بتاريخ 2/6/2007.
هل يا ترى؟
وبعد عرض هذا الواقع لا ينبغي أن يستغرب المسؤولون وبقية المجتمع من زيادة نسبة العطالة وأعداد الشباب على المقاهي التي زاد عددها بصورة كبيرة جدا لتستوعب العدد الكبير من الشباب الذي لا يجد عملا، ولا ينبغي أيضا أن يتعجب من تزايد أعداد المتعاطين للمخدرات ومن الانحدار الأخلاقي المتفشي في مصر بين الشباب خصوصا، ولا شك أن لحالة الإحباط والبطالة والمستقبل المظلم أمام عيون الشباب دورا كبيرًا في هذه الأمور مع عوامل أخرى لا ينبغي أن تغفل أفرزت مجتمعة هذه الحالة بين الشباب.
فهل يا ترى ينتبه المسؤولون في الدولة لما آل إليه واقع شبابنا؟! وهل يمكن أن يتداركوا ما فرط قبل أن تتفاقم الأمور أكثر مما هي عليه؟! وهل يا ترى ستلتزم الدولة بواجباتها تجاه الشباب وتوفر لهم فرص عمل حقيقية بدلاً من تلك التي لا توجد فقط إلا في الأحلام أو في تصريحات السادة المسؤولين؟!