مفاهيم حول اساسيات التسويق الدولي

لقد اتسع مجال التسويق و اصبح له دورا بارزا في نجاح و فشل المشروعات المختلفة سواء كانت مشروعات أعمال تهدف إلى تحقيق أرباح أو المشروعات التي لا تهدف إلى الربح كالمؤسسات الحكومية . مما أدى بظهور مفاهيم تسويقية نتيجة كثير من التغيرات والتحديات التي واجهت كثير من المنظمات في الدول المتقدمة و التي أدت بدورها إلى تعقد المشاكل التسويقية التي تواجه هذه المنظمات .

أولا: محاولة إعطاء تعريف للتسويق والتسويق الدولي .



1 - محاولة إعطاء تعريف للتسويق :


تتباين تعاريف التسويق بدرجة كبيرة حتى لا نكاد نجد تعريفا واحدا متفقا عليه بين الباحثين و الكتاب ،و لذلك سوف نتطرق إلى مجموعة من التعاريف لمختلف الكتاب الدين تناولوا موضوع التسويق بالدراسة و البحث .

1-1: عرفت الجمعية الأمريكية ( AMA ) التسويق بأنه (2) :


"العملية الخاصة بتخطيط و تنفيذ ، و خلق ، و تسعير ، و ترويج ، و توزيع الأفكار أو الخدمات اللازمة لا تمام عمليات التبادل و التي تؤدي إلى إشباع حاجات الأفراد و تحقيق أهداف المنظمات ". ويتضح من خلال هذا التعريف أن يركز على الأنشطة التي تتضمنها وظيفة التسويق ، إلا أنه لا يعبر عند بعض الباحثين عن أبعاد وجوانب أساسية للتسويق مثل أهدافه ودوره الاجتماعي كما لا يوضح النطاق الحقيقي له . حيث يفهم من التعريف أن التسويق وظيفة لاحقة ، تبدأ بعد الإنتهاء من أداء الأعمال الفنية المتعلقة بإنتاج السلعة أو إعداد الخدمة ، بينما هو يبدأ في الواقع قبل هذه الأعمال و أثناءها و يستمر بعدها ، فالتسويق وظيفة شاملة (3).

2-1: يعرف PHILIP KOTTER التسويق كما يلي (4) :


" الميكانيزم الاقتصادي و الاجتماعي الذي عن طريقه تلبى و تشبع حاجات و رغبات الأفراد و الجماعات بوسيلة إنتاج و تبادل المنتوجات و الأشياء الأخرى التي لها قيمة عند الغير" .

أضاف كوتلر في تعريفه بعدا هاما للتسويق و هو البعد الاجتماعي و ما اشتمل عليه من بيان هدف العملية التسويقية و هو إشباع حاجات الأفراد و الجماعات من خلال خلق و تبادل المنتجات و القيم مع الآخرين . غير أنه لم يتضمن هذا التعريف الأبعاد الأساسية التي يتضمنها من الجوانب الاقتصادية و القانونية و الثقافية . و كذا علاقته بالوظائف الأخرى التي تتم في منشآت الأعمال كعملية الشراء و الإنتاج و الوظيفة المالية و غيرها. إضافة إلى عدم الإشارة للظروف البيئية ذات التأثير على العملية التسويقية في وحدات الإنتاج.

3-1: يعرف Mc.CARTHY التسويق بأنه (5) :


" العملية الاجتماعية التي توجه التدفق الاقتصادي للمنتجات و الخدمات من المنتج إلى المستهلك بطريقة تضمن التطابق بين العرض و الطلب و تؤدي إلى تحقيق أهداف المجتمع ".

4-1: أما LENDREVIE، LAUFER and LINDONفقد عرفوا التسويق بأنه (6) : مجموعة الوسائل المتاحة للمؤسسات من أجل خلق الحفاظ و تنمية أسواقها أو مستهلكيها أو زبائنها .

5-1: يعرف "PAUL MAZUR "التسويق بأنه (7) : " تقديم مستوى أفضل للمعيشة " .

يشير هذا التعريف إلى الدور الاجتماعي و الاقتصادي للجهد التسويقي و ذلك من خلال إثارة الشعور بحاجات جديدة ثم توجيه النظام الإنتاجي نحو إنتاج السلع و الخدمات التي تشبع هذه الحاجات و ترشيد استخدام هذه السلع و الخدمات وصولا إلى مجتمع متكامل البناء من الناحيتين الإقتصادية و الاجتماعية .

وفي إطار تعدد هذه التعاريف للتسويق فإن ذلك يرجع إلى العوامل التالية :


أ- حداثة التسويق كعلم و ظهوره في أوائل القرن الحالي فهو يمر بمرحلة التطور و الارتقاء . و بالتالي يمثل مجالا واسعا للاجتهاد و الابتكار .

ب- اختلاف جهة نظر الباحثين للتسويق ، فهناك من يرى أنه علم له قواعده و نظرياته المحددة ، و هناك من يعتبره فنا يتصل بالجانب التطبيقي أكثر من ارتباطه بالأسس النظرية ، و هناك من ينظر إليه كمزيج من العلم و الفن .

ج- تعدد التخصصات و مجالات المعرفة الأساسية التي ينتمي إليها الباحثون في التسويق .

د- اختلاف مداخل دراسة التسويق ، فهناك مدخل الوظائف فهو يركز على الوظائف التي يتضمنها التسويق و المدخل السلعي الذي يدرس التسويق فيه وفق متطلبات السلعة التي يتم إنتاجها ، و هناك مدخل المنشآت و فيه يتم تدريس التسويق من خلال دراسة طبيعة و أنواع المنظمات التي تشترك في القيام به. ه- تبني بعض الكتاب وجهة نظر كلية لتعريف التسويق ، و تبني البعض الآخر وجهة نظر جزئية للتسويق . فأما أصحاب النظرة الجزئية يرون أن التسويق هو مجموعة من الأنشطة و التقنيات في إطار إداري و التي تؤدي إلى إشباع إحتياجات المستهلكين و تحقيق أهداف المشروع من خلال تخطيط المنتوج و التسعير و الترويج و التوزيع و التي تساهم في تحقيق الإشباع المطلوب ، و من أجل ذلك يرتكز تحليلهم على المشروع و ما يحيط به . أما أصحاب النظرة الكلية للتسويق فينطلقون من أن التسويق عملية اجتماعية و اقتصادية تهدف إلى تحقيق أهداف المجتمع من خلال الموائمة بين المعروض غير المتجانس من السلع المقدمة بواسطة المنتجين ، و بين الطلب غير المتجانس على السلع من جانب المستهلكين ، و من أجل ذلك يرتكز تحليل أصحاب النظرة الكلية على الوظائف التسويقية المؤداة على مستوى المجتمع لسد الفجوة بين المعروض و المطلوب أي يرون التسويق على أنه خلق و تسليم مستوى معيشي أفضل (8) .

تلك أهم الأسباب التي أدت إلى تعدد تعاريف التسويق ، و قد حقق هذا التعدد الكثير من المزايا ، فهو من ناحية ساعد على إبراز الجوانب الأساسية التي يتضمنها التسويق ، كما جعل هذا التعدد التسويق مجالا متشبعا يتطلب المزيد من العناء للإحاطة بكل جوانبه ، لذلك فإننا نرى أن هذه التعاريف تتكامل مع بعضها البعض لما تبرزه من الأطر العامة للتسويق و أهدافه و خصائصه. 2- محاولة إعطاء تعريف للتسويق دولي :


كما تعددت الاجتهادات في سبيل تعريف التسويق كما رأينا سابقا ، كذلك هو الأمر بالنسبة للتسويق الدولي ، فقد تعددت و اختلفت و تباينت التعريفات التي تناولته . لذلك من الضروري التطرق إلى أهم هذه التعريفات الخاصة بالتسويق الدولي :


2-1: عرفت الجمعية الأمريكية للتسويق ( AMA ) بأن التسويق الدولي هو :>> عمليه دولية لتخطيط و تسعير و ترويح و توزيع السلع و الخدمات لخلق التبادل الذي يتحقق أهداف المنظمات و الأفراد << (9).

2-2 : يعرف "PHILIP KOTTER "التسويق الدولي بأنه : >> إنه التسويق الدولي لايعدو كونه عبارة عن نشاط ديناميكي مبتكر للبحث عن المستهلك القانع في سوق تتميز بالتفاوت و التعقيد ، و الوصول إلى هذا المستهلك و إشباع رغباته<< (10)

3-2 : يعرف "STANTON " بأنه : > عبارة عن نشاط كوني GLOBAL ACTIVITY ينطلق من الستراتيجية كونية لمزيج تسويقي عابر للحدود الاقليمية ، يتناغم و يتفاعل مع قدرات استهلاكية خارج نطاق و حدود المشروع الوطني ، بهدف إشباع الحاجات أو الرغبات من خلال طرح سلع أو خدمات تتناسب مع هذه الحاجات و الرغبات<< (11)

4-2 : يعرف فريد النجار التسويق الدولي بأنه >> مجموعة المجهودات التسويقية الموجهة لإشباع حاجات المستهلك خارج الحدود الجغرافية للمركز الرئيسي للشركة الأم ، أي في بيئة تسويقية غير التي تعمل فيها الشركة المنتجة ، لأغراض تحقيق الأهداف التسويقية المخططة من أرباح و مبيعات و نمو و استقرار و حل مشكلات و غيرها << (12) 5-2 : يعرفه "عمرو حسن خير الدين" قائلا : >> يشير مصطلح التسويق الدولي إلى عمليات التبادل التي تتم عبر الحدود القومية بهدف إشباع الحاجات و الرغبات الإنسانية<< (13) و هكذا تعددت تعاريف التسويق الدولي ، و يرجع هذا الاختلاف إلى عاملين أساسين (14) :

أ- الاختلاف بشأن مدى اعتبار التسويق الدولي امتدادا للتسويق المحلي .


ب- الاختلاف بشأن مدى الاعتماد على الفروق بين كل من التسويق المحلي و التسويق الدولي في تحديد هذا الأخير .

رغم الإعتراف بكون التسويق الدولي علم مستقل قائم بذاته إلا أنه يعتبر أحد الأنشطة الفرعية لمدير التسويق من وجهة النظر القديمة للتسويق الدولي ، و هذا راجع لعدم تخلص بعض الكتاب و الباحثين من هذه النظرة القديمة في بعض نظريات التجارة الدولية و تأثيرها على التسويق الدولي خاصة منها نظرية "ليندر" التي تنص على أنه ليس في مقدور أي بلد أن يصدر سلعة معينة إلى الخارج إذا لم يكن هناك طلبا محليا على هذه السلعة تلك أهم الأسباب التي أدت إلى عدم الاتفاق القائم بشأن تعريف التسويق الدولي ، غير أنه يستمد أهميته من أحد أهم العوامل الأساسية لتنشيط حركة التجارة و الاستثمار الدوليين و ما يصاحب ذلك من استفادة الدول و الشركات من عمليات التصدير و الاستثمار خارج الحدود القومية ، و تأسيسا على ذلك فإن الأنشطة التسويقية لا يمكن ممارستها إلا من خلال الظروف الدولية المحيطة بهـــا.

ثانيا : مظاهر الارتباط الأولية بين التسويق الدولي و التجارة الدولية.
تعتبر التجارة الدولية من أقدم اهتمامات كل من الفلسفة الاقتصادية و التطبيق الاقتصادي ، لأن الجذور الأولى لتفسير أسباب قيام التجارة بين الدول تقود إلى ما يعرف بالمشكلة الإقتصادية التي تتمثل في الندرة النسبية للموارد الإقتصادية بالنسبة للحاجات و الرغبات الإنسانية غير المحدودة ، و لهذا ظهرت التجارة الدولية في محاولة منها لتفسير أسباب قيام التبادل الدولي و أنماطه و معدلاته .

و للإجابة على أسئلة تفرض نفسها منها : ما هي أسباب قيام التبادل الدولي ؟ كيف تختار الدول السلع التي تتخصص في إنتاجها ؟ و لماذا تنتج هذه الدولة سلعة معينة و تلك سلعة معينة أخرى ؟ أي بلدان يختار بلد ما أن يتاجر معها ؟ …… إلى غيرها من الأسئلة للإجابة عليها.

إن الجذور الأولى التي تفسر أسباب قيام التجارة الدولية تقود إلى أصل ما يعرف بالمشكلة الإقتصادية التي تتلخص بمحدودية الموارد الإقتصادية و ندرتها النسبية من جهة و بالاستخدامات اللانهائية لهذه الموارد بفرض إشباع الحاجات الإنسانية اللامتنامية بصورة لامحدودة ، لذلك انتهج الإنسان أسلوب إنتاج ما يمكن إنتاجه من السلع و الخدمات بأقل قدر ممكن من التكاليف .

وبالطبع فمشكلة الندرة النسبية التي نتحدث عنها في ظل انقسام العالم إلى دول متعددة تعاني منها جميع هذه الدول و إن بدرجات متفاوتة و من هنا كان لابد من ظهور النزوع المتنامي إلى التخصص في الإنتاج و ذلك في ظل معرفة الميزة النسبية لكل بلــد من البلدان (15) .
إن المدقق في حقيقة كون المشكلة الإقتصادية تتمثل أساسا في ندرة وسائل الإشباع بالنسبة للحاجات الإنسانية ، و علاقة المشكلة التسويقية بها و التي تتمحور حول كيفية إنتاج السلع و الخدمات التي تطابق حاجات ورغبات المستهلك ، يجعلنا - من وجهة نظر تسويقية – أن تحلل أسباب قيام التبادل الدولي بدلالة عاملين هامين همــــا : (16) § حاجات ورغبات المستهلك .

§ إنتاج سلع و خدمات مطابقة لهذه الحاجات و الرغبات .

فبالإضافة إلى عوامل عديدة مؤثرة في قيام و تشكيل هيكل التخصص الدولي ، فإن العاملين السابقين لهما تأثير كبير في محيط العلاقات الإقتصادية الدولية ، بل و يتوقف عليها إلى حد كبير درجة النمو في محيط هذه العلاقـات .

إن تعدد واختلاف الحاجات و الرغبات بين الدول ، و صعوبة إنتاج سلع و خدمات مطابقة لهذه الحاجات و الرغبات المتعددة و المختلفة ، تضع أساسا ديناميكيا لتفسير أسباب قيام التبادل الدولي محور هذه الحاجات و الرغبات ، و السلع و الخدمات المطابقة لـــها .

فمثلا تغير الأذواق يغير أنماط الاستهلاك و بالتالي تغيير اتجاهات التجارة الدولية و كذلك الأمر بالنسبة لتغير فنون الإنتاج ( المتعلقة بعملية إنتاج السلع المطابقة للحاجات و الرغبات ) و انتشاره بين الدول يؤدي إلى تغيير نمط التجارة الدوليـــة .

و كما هو معلوم فإن الدول مثل الأفراد لا تستطيع أن تنتج جميع ما تحتاج إليه من سلع و خدمات ، فلكل دولة حاجات و رغبات متعددة تسعى لإشباعها ، فالحاجات و الرغبات –إذن- هي التي تدفع كل دولة إلى إشباعها إما بطريقة مباشرة بإنتاج السلع و الخدمات ذاتيا وداخليا أو بطريقة غير مباشرة باللجوء إلى دولة أو دول أخرى قصد الحصول على هذه السلع و الخدمات منها لإشباع حاجاتها و رغباتها و عليه فعدم قدرة الدولة على إشباع حاجات و رغبات المستهلكين بها ، هي الدافعة إلى الاستيراد . و قدرتها على إشباع حاجات و رغبات المستهلكين الأجانب الذين لا تقدر دولتهم أو دولهم على إشباعها ، هي الدافعة إلى التصدير ، و ينبني على ذلك أن الدولة تتخصص في إنتاج السلع و الخدمات التي تلبي حاجات و رغبات المستهلكين الأجانب الذين لا تستطيع دولتهم أن تلبيها لهم ، و من أجل هذا فإن الطلب الأجنبي على السلع و الخدمات المنتجة من الدولة هو الذي يجعلها تتخصص في إنتاج هذه السلع و الخدمات لتصديرها .

و لهذا ظهرت عدة نظريات للتجارة الدولية "كنظرية الميزة المطلقة" "لآدم سميث" التي تؤكد على مزايا التخصص بين الأفراد و الصنائع على ميزة المنافسة الحرة داخل القطر ، و على ذلك يقوم مبدأ الميزة المطلقة على أنه إذا كانت في استطاعة دولة ما أن تنتج من سلعة معينة أو أكثر من غيرها بنفس الكمية من قيمة العمل ، فإنها تكون متمتعة بميزة مطلقة في إنتاج السلعة .كما اشتهرت كذلك "نظرية الميزة النسبية" "لدافيد ريكاردو" الذي يوافق "آدم سميث" على أن قاعدة الميزة المطلقة تعطي ميزة مطلقة لجزء من الدولة بالنسبة للأجزاء الأخرى من نفس الدولة فيما يخص إنتاج سلعة معينة ، و لكنه يحدد تلك القاعدة بالنسبة للتجارة الداخلية في نفس الدولة ، أما التجارة الخارجية فإن قاعدة الميزة المطلقة لا تسري و لا تفسر قيام التجارة بين الدول المختلفة (خاصة بالنسبة للدولة التي لا تتمتع بالميزة المطلقة ) .


كما أن هذه النظرية تظهر لنا الدوافع إلى إقامة علاقات تجارية بين الدول استنادا إلى اختلاف التكاليف النسبية دون محاولة البحث عن أسباب هذا الاختلاف كما أنها لا تبين بوضوح أثر التجارة الخارجية على أسعار عناصر الإنتاج .. و لهذا ظهرت نظريات لتشير إلى هذا النقص كنظرية " نسب عناصر الإنتاج " للاقتصادي ( أولين ) الذي يرجع إليه الفضل في صياغتهـــا .

حيث يرى أن كل دولة سوف تصدر السلعة التي تستخدم في إنتاجها قدر كبير من عامل إنتاج وفير و رخيص نسبيا ، و تستورد السلعة التي لا تمتلك عامل إنتاجها بسبب ندرته و كلفته المرتفعة نسبيا و كنتيجة سوف تزيل أو تخفض التجارة الفرق المطلق لما قبل التجارة في سعر العوامل الإنتاجية المتجانسة بين الدول (17) .

أما الذي يعاب على هذه النظرية هو استخدامها للتحليل السكوني ( الاستاتيكي ) الذي يقارن بين وضع التوازن في الاقتصاد القومي قبل قيام التجارة ووضع التوازن بعد قيام التجارة بدون أي إعتبار لفترة و كيفية الانتقال من توازني إلى آخر أي بدون استخدام التحليل الحركي ( الديناميكي ) . وعلى هذا الأساس ظهرت نظريات أخرى قدمت تفسيرا للتجارة الدولية على أساس الطلب كتلك التي قدمها " ليندر " مستخدما تحليلا ديناميكيا للتجارة الدوليـة حيث يرى أن و جود طلب محلي على السلع ( سواء لأغراض الاستهلاك أو لأغراض الاستثمار ) يعتب شرطا ضروريا و ليس كافيا لتكون هذه السلع صادرات محتملة كما يدعم " ليندر " مبدؤه الأساسي حول وجود الطلب المحلي وهو وجود فكرة أساسية واحدة و هي أن الدراية بظروف السوق المحلية تكون أكبر من الدراية بظروف السوق الخارجية (18) .

هذه أهم نظريات التجارة الدولية التي أثرت على الفكر الاقتصادي علما بأن هناك نظريات أخرى تكميلية لم يتم التطرف إليها ، و على الرغم من التفسيرات المختلفة لكل النظريات للعوامل و الأسس التي تحكم التجارة الدولية ، إلا أنه ليست هناك نظرية مطلقة يمكن أن تعمم نتائجها و تطبيقاتها على جميع السلع في الأوقـات .

ثالثا : الأعمال الدولية ونظريات الاستثمار الأجنبي وعلاقتهما بالتسويق الدولي .


لقد قدم "سيموندس" وروبوك "SIMONDS and REBOCK" عدة تحفظات (انتقادات) حول نظريات التجارة الدولية أهمها (19):

1- أن نظرية التجارة الدولية لم تقدم بدائل أخرى لأنشطة ( غير الاستيراد و التصدير ) يمكن لأي شركة ممارستها خارج حدود الدولة مثال ذلك عقود الترخيص و الاستثمارات المباشـرة .

2- أن حماية و فتح الأسواق الأجنبية لشركة ما يمكن أن يتم من خلال أشكال أخرى غير التصدير ، مثلا : فالاتفاقيات و الأحلاف الإقتصادية بين الدول تزيل الكثير من المعوقات أمام حرية التبادل التجاري و الاستثماري . ليس فقط أمام التصدير و الاستيراد و لكن أمام أي شكل من أشكال الاستثمار الأخـرى.

3- بساطة الافتراض الذي قامت عليه النظرية ، فمن ناحية تفترض توافر معلومات كافية عن فرص التجارة بين البلدان المختلفة و عدم حرية انتقال عوامل الإنتاج المختلفة بين الدول ، أما من الناحية الأخرى فهي تفترض عدم استقلال الشركات العاملة في الدول المختلفة وتمتعها بمركز قانون مستقل بالإضافة إلى افتراض المنافسة الكاملة و تجاهلها لحالات الاحتكار أو المنافسة الاحتكارية بين دول العالم.

4- تجاهل النظرية للفروق بين الدول فيما يتعلق بالتكنولوجيا في المجالات الاقتصادية المختلفة ( الإنتاج ، الإدارة ، التسويق…)باعتبارها عوامل إنتاجية تؤثر في التكاليف و من ثم على المزايا أو القدرات التنافسية للدول فيما بينها . و من أجل هذا فإن التسويق الدولي بالإضافة إلى علاقته بالتجارة الدولية – له علاقة وطيدة بإدارة الأعمال الدولية لأن مجاله ( التصدير و الاستثمار الأجنبي ) من مجال الأعمال الدولية ولأنه أحد وظائف إدارة الأعمال الدولية .وعلى هذا تعرف الأعمال الدولية بأنها :"معاملات وإجراءات الأعمال الخاصة والحكومية التي تحصل بين منظمات و شركات أعمال تستهدف الربح أو مؤسسات عامة وأجهزة حكومية لا تستهدف الربح بالضرورة بـين بلدين أو أكثر << (20) .

و في هذا المجال سوق نتطرق إلى نظريات الاستثمار الأجنبي ، أي لماذا تستثمر الشركــات بالخارج ؟ أي البلدان مصدره ؟ و أي البلدان تجذبه ؟ و ما نوعية الشركات و السلع التي يشملها ؟ … .

إن الإجابة على هذه الأسئلة و مثلها يعني تناول موضوع المحددات الرئيسية و دوافع الشركات الخاصة بالاستثمارات الأجنبية ، و حيث توجد الكثير من الآراء و النظريات التي تناولت هذا الموضوع بالتحليل و الدراسة ، فإننا سنقتصر على عرض خمس (05) نظريات تعتبر أكثر شيوعا في الأدب الاقتصادي و هـــي : 1/ نظرية عدم كمال السوق (MARKET IMPERFECTIONS THEORY).

تقوم هذه النظرية على افتراض غياب المنافسة الكاملة في أسواق الدول المضيفة بالإضافة إلى نقص العرض من السلع فيها . كما أن الشركات الوطنية في الدول المضيفة لا تستطيع منافسة الشركات الأجنبية في مجالات الأنشطة الاقتصادية و الإنتاجية المختلفة أو حتى فيما يختص بمتطلبات ممارسة أي نشاط وظيفي آخر لمنظمات الأعمال ، أي أن توافر بعض القدرات أو جوانب القوة لدى الشركة التي تقوم بالاستثمار الأجنبي ( توافر الموارد المالية ، التكنولوجيا ، المهارات الإدارية ...إلخ بالمقارنة بالشركات الوطنية في الدول المضيفة يعتبر أحد العوامل الرئيسية التي تدفع هذه الشركات نحو الاستثمارات الأجنبية ، أو معنى أخر أن إيمان هذه الشركات بعدم قدرة الشركات الوطنية بالدول المضيفة على منافستها تكنولوجيا أو إنتاجيا أو ماليا أو إداريا سيمثل أحد المحفزات الأساسية التي تمكن وراء قرار هذه الشركات الخاص بالاستثمار أو ممارسة أي أنشطة إنتاجية أو تسويقية في الدول المضيفــة (21) .

و لهذا يمكن اعتبار هروب الشركات المنافسة من المنافسة الكاملة في الأسواق الوطنية بالدول الأم و اتجاهها للاستثمار أو نقل بعض أنشطتها لأسواق الدول المضيفة يمكن أن يحدث في كل أو بعض الحالات الآتية على سبيل المثال (22) :

أ- حالات وجود فروق أو اختلافات جوهرية في منتجات الشركة التي تقوم بالاستثمار الأجنبي و الشركات الوطنية( أو الأجنبية الأخرى ) بالدول المضيفــة .

ب- حالة توافر مهارات إدارية و تسويقية و إنتاجية … إلخ متميزة لدى هذه الشركات عن نظيرتها بالدول المضيفة .

ج- قيام حكومات الدول المضيفة بمنح امتيازات و تسهيلات جمركية و ضريبية و مالية لهذه الشركات كوسيلة لجذب رؤوس الأموال الأجنبيــة .

د- تشدد إجراءات و سياسات الحماية الجمركية في الدول المضيفة و الذي قد ينشأ عنها صعوبة التصدير لهذه الدول ، و من ثم تصبح الاستثمارات الأجنبية الأسلوب المتاح أو الأفضل لغزو مثل هذه الأسواق .

ه- الخصائص الاحتكارية ، التكنولوجية ، التمويلية ، الإدارية و التنظيمية… لهذه الشركات و التي ترتبط بشكل أو بآخر بحالات عدم كمال السوق في الدول المضيفة .

2/ نظرية الحماية (PROTECTION THEORY) :


تقوم هذه النظرية على أساس أن الشركة التي تقوم بالاستثمار الأجنبي تستطيع تنظيم عوائدها إذا استطاعت حماية الكثير من الأنشطة الخاصة مثلا بالبحوث و التطوير و الابتكارات و أي عمليات إنتاجية أو تسويقية أخرى جديدة ، و لكي تحقق الشركة هذا الهدف ، فإن هذا يستلزم قيامها بممارسة أو تنفيذ الأنشطة المشار إليها داخل الشركة أو بين المركز الرئيسي و الفروع في الأسواق أو الدول المضيفة بدلا من ممارستها في الأسواق بصورة مباشرة .

و يقصد بالحماية هنا الممارسات الوقائية من قبل الشركات لضمان عدم تسرب الابتكارات الحديثة في مجالات الإنتاج أو التسويق أو الإدارة عموما إلى أسواق الدول المضيفة من خلال قنوات أخرى غير الاستثمار المباشر و غير المباشر و ذلك لأطول فترة ممكنة ، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى لكي تستطيع هذه الشركات كسر حدة الرقابة و الإجراءات الحكومية بالدول المضيفة و إجبارها على قنوات للاستثمار المباشر لشركات داخل أراضيها (23) .

3/ نظرية دورة حياة المنتوج الدولي . ( international produc .life cycle ).


إن دواعي تناول هذه النظرية هو ما يلي :

أ- تقدم هذه النظرية تفسيراً لأسباب انتشار ظاهرة الاستثمارات الأجنبية في الدول المضيفة .

ب- تلقي الضوء على دوافع الشركات التي تقوم بالاستثمار الأجنبي من وراء هذا الاستثمار من ناحية و من ناحية أخرى توضح كيفية أو أسباب انتشار الابتكارات و الاختراعات الجديدة خارج حدود الدولة الأم .

ج- تقدم تفسيرا للسلوك الاحتكاري للشركة واتجاهها إلى الإنتاج في دول أجنبية للاستفادة و التمتع بفروق التكاليف الإنتاجية أو الأسعار أو استغلال التسهيلات الممنوحة من قبل الدولة المضيفة و كسر حدة الحماية الجمركية التي تفرضها هذه الدولة على الاستيراد .

و طبقاً لهذه النظرية ، يجري خروج الشركة من دولتها الأم ، نتيجة لإضافة فروع جديدة في البلدان المضيفة بصورة منتظمة ، و نمو مبيعات هذه الفروع في الأسواق الخارجية مع استخدام التكنولوجيا و التصاميم المعدة في بادئ الأمر من قبل الشركة الأم (24).
4 – نظرية الموقع ( LOCATION THEORY ) :


ترتكز هذه النظرية على العديد من العوامل بعضها دولي و الآخر محلي ( على مستوى الدولة الأم ) و التي تتمثل فيما يلي :


أ – تهتم هذه النظرية بقضية اختيار الدولة المضيفة التي ستكون مقراً لاستثمار او ممارسة الأنشطة الإنتاجية أو التسويقية …….الخ الخاصة بهذه الشركة.

ب- تركز على المحددات و العوامل الموقعية أو البيئية المؤثرة على قرارات استثمار الشركة في الدول المضيفة والتي ترتبط بالعرض والطلب تلك العوامل التي تؤثر على الأنشطة الانتاجية أو التسويقية ، والبحوث والتطوير ونظم الإدارة وغيرها.

ج- تهتم هذه النظرية بكل العوامل المرتبطة بتكاليف الإنتاج والتسويق والإدارة ….الخ ( COST- FACTORS ) بالإضافة إلى العوامل التسويقية ( MARKETING FACTORS ) و العوامل المرتبطة بالسوق ( INMARKET FACTORD ) .

و من العوامل الموقعية التي تؤثر على الشركة هي كمايلي (25) :


أ – العوامل التسويقية و السوق مثل : درجة المنافسة ، منافذ التوزيع ، و كالات الإعلان ، حجم السوق ، معدل نمو السوق . ودرجة التقدم التكنولوجي ، الرغبة في المحافظة على العملاء السابقين ، احتمالات التصدير لدول أخرى…إلخ. ب – العوامل المرتبطة بالتكاليف مثل : القرب من المواد الخام و المواد الأولية ، مدى توافر الأيدي العاملة ، مستوبات الأجور ، مدى توافر رؤوس الأموال ، مدى انخفاض تكاليف النقل ، المواد الخام و السلع الوسيطة ، و التسهيلات الإنتاجية الأخرى … إلخ .

جـ الإجراءات الحمائية ( ضوابط التجارية الخارجية ) مثل : التعريفة الجمركية ، نظام الحصص ، القيود الأخرى المفروضة على التصدير والاستيــراد .

د ـ العوامل المرتبطة بمناخ الاستثمار الأجنبي ( INVESTEMENT CLIMATE ) مثل : الاتجاه العام نحو قبول الاستثمارات الأجنبية أو الوجود الأجنبي ، الاستقرار السياسي ، القيود المفروضة على ملكية الأجانب الكاملة لمشروعات الاستثمار ، إجراءات تحويل العملات الأجنبية والتعامل فيها ، مدى ثبات أسعار الصرف ، نظام الضرائب ، مدى التكيف مع بيئة الدولة المضيفة بصفة عامة .


هـ - الحوافز و الامتيازات و التسهيلات التي تمنحها الحكومة المضيفة للمستثمرين الأجانب .


و عوامل أخرى مثل : الأرباح المتوقعة ، المبيعات المتوقعة ، الموقع الجغرافي ، مدى توافر الثروات الطبيعية و القيود المفروضة على تحويل الأرباح و رؤوس الأموال للخارج ، إمكانية التجنب / التهرب الضريبي … إلخ .

5 – نظرية الموقع المعدلة ( MODIFIED LOCATIONAL THEORY ) :


تتشابه هذه النظرية مع نظرية الموقع السابق عرضها في الكثير من الجوانب ، غير أنها تضيف بعض المحددات أو العوامل الأخرى التي قد تؤثر على الاستثمارات الأجنبية و يمكن تلخيص هذه العوامل من واقع إسهامات " ربوك سيموندس " ( REBOKC and SIMONDS ).

 

المصدر: ا/ محمد ابراهيم شحات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1068 مشاهدة
نشرت فى 19 أكتوبر 2014 بواسطة MohamadIbrahim

د / محمد ابراهيم شحات

MohamadIbrahim
ا/ محمد ابراهيم شحات . - استشارى مبيعات وتسويق دولى . ‏‎International Sales Consultant -‎‏ - ‏ماجستير ادارة الاعمال MBA‏ . World Trade Organization Institute -‎‏. Human Resource Development -‎‏. - مؤسس مجموعه نم فكرك -رئيس مجلس ادارة Free Training For Sales‎‏. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

122,946