غزة – المؤاخاة - 2009-09-08

في ساعات الفجر الأولى يخرج الصياد \"فاروق أبو عميرة\" من بيته متوجهاً لميناء غزة حيث مصدر رزقه الوحيد منذ سنوات طويلة، وفور وصوله يعزم أمره لخوض البحر بمركبه المتواضع، ويبدأ بغزل شبكته محاولاً أن يجلب الأسماك إليها بـ\"كلمات رقيقة\" يسلي بها نفسه في عرض البحر، وعلى هذا الحال يبقى لمنتصف النهار دون استجابة منها، ليعود إلى الشاطئ لا يحمل سوى القليل من السمك والكثير من خيبة الأمل.


طوابير قوارب الصيد تنتظر حلا لازمتها


حال الصياد الحاج \"أبو عميرة\" هو حال أكثر من 6 ألاف صياد فلسطيني في قطاع غزة، أضحت حياتهم لوحة تتداخل فيها أشكال وألوان المعاناة والقسوة، ويحفها الخطر من كل تجاه، لتأتي الحرب الاسرائيلية على غزة وتحول الميناء والبحر حقلاً من الألغام يعرض كل من يحاول دخوله للهلاك.

هرباً من الأعباء !
ابوعميرة وحصيلة يوم عمل شاق

وبلغة القهر والإحباط تحدث الصياد أبو عميرة لـ\"إنسان أون لاين\" عما آلت إليه أوضاع الصيادين في ميناء غزة ، قائلاً :\"المحتلين لم يتركوا لنا سوى بعض المراكب الصغيرة والباقي أحترق وتعطل، وهذه المراكب المتبقية تدخل البحر وترجع خالية كما دخلت، لأنه لم يعد مسموح لنا أن ندخل حتى المساحة المسموحة في البحر\".

ويشكو الصياد البالغ 59 عاماً والذي امتهن الصيد منذ صغره ضنك عيشه، ويقول \"أقسم بالله أني لا أتي إلى البحر إلا لأهرب من البيت، لأني عاجز أن أوفر الأكل والشرب لأولادي، وتعبت من كثرة الطلبات وقلة الحيلة\".

ويصف الصياد أيام إبحاره في مركبه، قائلاً \"لا ندخل سوى أمتار، ومن الساعة الرابعة فجراً حتى العاشرة أو منتصف النهار أخرج بكمية قليلة من السمك لا تكفي إلا لفرد، فأقوم بشويها هنا على النار وأفطر بها، وإلا أين أذهب بها!، هذا هو حالي كل يوم\".

مراكب معطلة ومواد معدومة

واشتكى الصيادون في حديثهم مع إنسان أون لاين من عدم توفر المواد لخام اللازمة لصيانة المراكب التي دمرت بشكل جزئي، فيما تتعرض المراكب المتبقية لإطلاق نار بشكل يومي من قبل قوات الاحتلال المسيطرة على البحر، حيث تمنعهم من اجتياز الحد المسموح للصيد وهو 3 ميل وهي مسافة قليلة جداً لا تكفي لصيد أقل كمية من الأسماك.

الصياد سعد أبو ريالة الذي أحرقت صواريخ الحرب قاربه، قال :\"بعد ما حرق القارب اتفقت مع ابن عمي لإصلاح \"لنشه\" ومشاركته فيه، لكن لم نجد حتى الآن مواد خام إلا عبر الأنفاق وتأتي بأسعار مرتفعة بجنون، ومادة \"الفيبرجلاس\" التي نصنع منها المراكب وتحميها من الماء مقطوعة وغير متوفرة\".

وعبر الصيادون عن تخوفهم من تضرر مراكبهم الراسية منذ فترة طويلة دون تشغيلها، وهو ما أشار اليه الصياد عز الدين عبد الله بقوله :\"المراكب متوقفة حتى قبل الحرب، وإذا شغلناها سنواجه أعطاب فيها لأن تعرضها للشمس وعدم تشغيل مواتيرها يومياً جعلها تحتاج لإعادة صيانة كاملة، ولا يوجد مواتير بسبب إغلاق المعبر\".

وأضاف غاضباً \"الكل يأتي هنا ويعقد المؤتمرات ويصور معاناتنا، لكن لم يقدم لنا أحد مساعدة أو حل لمشاكلنا، نحن نموت جوعاً ونخاطر بحياتنا منذ ثلاث سنوات، وكل يوم يزيد وضعنا هم وغم\".

غطرسة وشلل كامل
قوارب بحاجة لاعادة تأهيل

رئيس جمعية الصيادين بقطاع غزة محمود العاصي أكد أن قطاع الصيد \"بات مشلولاً بشكل كامل منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، مستنكراً عدم تقديم أي مساعدات أو مبادرات حكومية أو أهلية لتعويض الصيادين أو عودة النهوض بقطاع الصيد\".

وقال العاصي في حديث خاص بإنسان أون لاين \"إن أكثر من 3600 صياد يعانون من غطرسة جيش الاحتلال وممارساته داخل عرض البحر، موضحاً أن عدد من الصيادين يصابوا بنيران الاحتلال بشكل شبه يومي\".

ولفت العاصي إلى أن الجمعية ناشدت ولا زالت العديد من المؤسسات الحكومية والإنسانية الدولية بالتطلع الى قضية الصيادين وإعادة إحياء قطاع الصيد دون أي استجابة منها، مضيفاً \"إن آثار الحرب تتسبب بخسارة مليون دولار يومياً في قطاع الصيد، نظراً لعدم قدرة الصيادين على نزول البحر وعدم وجود سوق للأسماك داخل القطاع\".

وأوضح العاصي أن الجمعية تحاول تقديم المساعدة للصيادين في إعادة إصلاح مراكبهم وتوفير الشباك ومواد الصيد إلى حين توفر الأموال، مضيفاً أن أغلب الصيادين يعانون من ديون متراكمة بسبب ذلك\".

وأشار رئيس جمعية الصيادين إلى أن كافة أنواع الأسماك معدومة بشكل كامل في الأسواق، وأن ما يتوفر هو أسماك إسرائيلية لمياه عذبة وليس من البحر، وأفاد أنه من المفترض أن يخرج 60 طن من الأسماك يومياً إلى الأسواق\".

المخاطرة و(موسم الذهب)
قوارب مدمرة

ويمثل فصلي الربيع والصيف \"موسم الذهب\" بالنسبة للصيادين من حيث كمية ونوعية الأسماك، حيث يعرفون أماكن تجمع الأسماك التي تلقى قبولاً بين الناس والمرتفعة الأسعار، كسمك \"السردين\"، لكنهم لا يستطيعون التقدم ولو خطوة واحدة تجاه أماكن هذه الأسماك في البحر.

وأمام إطلاق النار اليومي الذي تقوم به بوارج الاحتلال صيادي غزة، لا يجد الصياد \"أمير كسكين\" مفر من المخاطرة بحياته سعياً للوصول إلى مناطق تجمع أسماك السردين رغماً عن الاحتلال، بعد تجربة صعبة واجه فيها موتاً محققاً خلال الحرب.

يقول \"كسكين\" الذي أصيب خلال الحرب برصاص جيش الاحتلال \"الاحتلال لا يسمح لنا بالدخول إلا أمتار قليلة وبهذا نحن ندور حول أنفسنا لأنه لا يوجد أسماك، ولا أجد أمامي حل إلا المخاطرة،، لم أعد أهتم بالزوارق الاسرائيلية ورصاصها، لأني أريد أن أخرج لأحصل رزقي رغم عنهم\".

ويسرد الصياد حادثته التي تعرض لها واستشهد خلالها زميله وأصيب آخر، قائلاً \" لن أتعرض لأكثر ما شاهدته في الحرب، حينها أطلقت البوارج علينا النار رغم أننا في المساحة المسموحة، واستشهد الصياد محمد جربوع وأصبت أنا وصياد آخر اسمه ونضال النجار\".

ويضيف \"نجوت أنا بأعجوبة لأني قفزت من المركب وأنا مصاب في صدري، ولولا الماء كان بارداً وتجمد الدم لبقيت أنزف حتى مت، لكن بحمد الله استطعت أن أصل سباحة إلى الشاطئ\".

وقبيل حديثه مع \"ائتلاف الخير\" كان الصياد \"كسكين\" تعرض لإطلاق نار أثناء محاولته الوصول لتجمع الأسماك وعاد وقد تضررت مركبه، ليقول \"سنرجع في المساء، ليس أمامنا حل فكل الأسماك تتجمع في المناطق الغير مسموح لنا بدخولها، لا حل سوى المخاطرة فهي موتة واحدة\".

تحذير ومناشدة

مدير جمعية الصيادين حذر في حديثه من مخاطر إهمال ميناء غزة من قبل الجهات المسئولة، لافتاً إلى أن مياه الميناء تعاني من طمم رملي سيؤدي إلى عدم قدرة المراكب على الإبحار منها أو الإرساء فيها.

وأوضح أن \"أي ميناء يحتاج إلى حفر سنوي، وميناء غزة مهمل ولم يتم حفره منذ 12 عاما، وهذا سيجعل من الميناء مكان رملي لأن الرمال ترسبت إلى طبقة تزيد عن ال6 أمتار تحت مياه الميناء، وبذلك لا تستطيع المراكب أن ترسو فيه لأنها سترسو على رمال وتتعطل بذلك\".

وناشد العاصي الجهات المعنية بالتدخل السريع وتوجيه أنظارها نحو إعادة إصلاح ميناء غزة ومساعدة الصيادين، مؤكداً على وجود توجه بين كافة الصيادين لوقف البحر وترك الصيد بسبب تفاقم معاناتهم\".



MedSea

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

889,691