البريد الالكتروني

 

ـ دراسة قانونية-

 

 

 

 

إعداد

 

الاستاذ المساعد  اسعد فاضل منديل الجياشي

المدرس عقيل سرحان محمد النصري

 

كلية القانون – جامعة القادسية

 

 

 

 

المقدمة

يشهد العالم اليوم تطوراﹰ كبيراﹰ في استخدام الحاسب إذ دخل هذا المخترع الجديد إلى كافة مجالات الحياة حتى أطلق على العصر الحاضر عصر المعلومات أو الثورة المعلوماتية ونتج هذا بفضل تطور الاتصالات وتقنية المعلومات والتي أدت إلى تحويل العالم إلى قرية صغيرة متصلة مع بعضها البعض من خلال نقل ما يجري في كافة بقاع العالم عن طريق الأجهزة الالكترونية المتطورة .

والبريد الالكتروني بالذات أصبح الوسيلة الأولى للتواصل والتراسل حول العالم ومع ظهور الحجوم الكبيرة للتخزين التي بدأت الشركات المزودة لخدمة البريد الالكتروني بعرضها أصبح من الممكن أن يلجأ المشتركون لدى هؤلاء المزودون بتخزين جزء كبير من وثائقهم ومستنداتهم ومراسلاتهم ضمن بريدهم الالكتروني .

أهمية البحث

 

لما شهد العالم تقدما مذهلا في التقنيات العلمية وخاصة في مجال الاتصال الفوري الذي أصبح استخدامها يتزايد بشكل كبير في انجاز مختلف أنواع المعاملات وإبرام الصفقات وبما أن البريد الالكتروني واحد من أهم هذه الوسائل الحديثة التي يتم عبرها نقل الرسائل والمعلومات بين عدة أشخاص أو جهات سواء داخل البلد أو خارجه لذا فان استخدام مثل هذه التقنية في إبرام العقد وإرسال الرسائل والمعلومات يثير جملة مشاكل قانونية يمكن تحديدها بالآتي :

  • مشكلة استخدام السندات الالكترونية في الإثبات خاصة وان البريد الالكتروني واحد من أهم وسائل الاتصال الحاوية على مثل هذه السندات .
  • ضرورة تهيئة وسائل أمان للأطراف المتعاقدة تمنع من التدخل غير المشروع وتبديد الشكوك حول هوية كل طرف وأهليته .
  • ما هو الموقف القانوني للورثة بشان محتويات البريد الالكتروني للمتوفى لمعرفة ممتلكاته وما هو دائن به أو مدين للغير خاصة وان الشركات المزودة لهذه الخدمة تلتزم مع المستخدم ببنود اتفاقية تحتم عليها ضرورة الالتزام بالسرية أو الخصوصية وعدم السماح للغير من الاطلاع على محتويات البريد الالكتروني للمستخدم .

منهجية البحث

 

من كل ما تقدم حدا بنا الأمر إلى طرق باب تقنية البريد الالكتروني في محاولة منا في البحث من وجهة قانونية تساندها وجهة النظر التقنية عن ماهية البريد الالكتروني من حيث التعريف به وبيان مزاياه وعيوبه والبحث في نشأته وتطوره ومن ثم بيان مقبولية البريد الالكتروني في الإثبات وكذلك بيان الحماية القانونية ( المدنية والجنائية) إضافة إلى الحماية التقنية للبريد الالكتروني وأخيرا عرجنا لبحث مشكلة ملكية البريد الالكتروني وكل ذلك كان في أربعة مباحث كان الأول منها لدراسة ماهية البريد الالكتروني وإما الثاني لبيان القوة الثبوتية للبريد الالكتروني والثالث تضمن الخوض في حماية البريد الالكتروني أما الرابع فعقدناه لملكية البريد الالكتروني وانهينا بحثنا بخاتمة توصلنا فيها إلى أهم النتائج والمقترحات المسجلة حول موضوع البريد الالكتروني .

 

 

المبحث الأول

ماهية البريد الالكتروني

تقوم فكرة البريد الالكتروني على تبادل الرسائل والملفات والرسوم والصور وغير ذلك بطريق الكتروني حيث يتم إرسالها من المرسل إلى المرسل إليه شخص كان أو أكثر وذلك باستعمال عنوان البريد الالكتروني للمرسل إليه بدلاً من عنوان البريد العادي .

لذلك ينبغي التعرض لماهية البريد الالكتروني من حيث التعريف به فقها وتشريعاً وتقنياً ثم بيان كيف نشأ ومدى التطور الذي تشهده هذه التقنية وبعد ذلك نوضح أهم مزاياه وعيوبه وذلك في المطالب الثلاثة الآتية :  

المطلب الأول

تعريف البريد الالكتروني

لأجل إعطاء صوره واضحة عن البريد الالكتروني ارتأينا بيان تعريفه فقهاً وتشريعاًً ومن ثم تعريفه فنياً أو تقنياً وذلك في الفروع الثلاثة الآتية :

الفرع الأول

التعريف الفقهي للبريد الالكتروني

لقد وضع الفقه جاهداً العديد من المفاهيم التي حاولوا من خلالها الوصول لمعنى واضح للبريد الالكتروني ، حيث عرفه البعض  بأنه مكنة التبادل الالكتروني غير المتزامن للرسائل بين أجهزة الحاسب الآلي(1) . كما عرفه آخر بأنه طريقه تسمح بتبادل الرسائل المكتوبة بين الاجهزة المتصلة بشبكة المعلومات(2). وعرف أيضا بأنه مستودع لحفظ الأوراق والمستندات الخاصة في صندوق البريد الخاص بالمستخدم شرط أن يتم تامين هذا الصندوق بعدم الدخول إليه وذلك من خلال نظام التشفير أو كلمة المرور وغيرها من تقنيات الحماية الفنية(3).كما عرف بأنه تلك المستندات التي يتم إرسالها واستلامها بواسطة نظام اتصالات بريدي الكتروني وتتضمن ملحوظات مختصره ذات طابع شكلي حقيقي ويمكنه استصحاب مرفقات خاصة مثل معالجة الكلمات وأية مستندات أخرى يتم إرسالها رفقة الرسائل ذاتها (4) .

ويمكننا تعريفه بأنه خط مفتوح على كل إنحاء العالم يستطيع الفرد من خلاله إبرام التصرفات القانونية وإرسال واستقبال كل ما يريده من رسائل بطريق الكتروني .

                                      

 

                                       الفرع الثاني

التعريف التشريعي للبريد الالكتروني                                                                                

لقد بذلت جهود دولية لحل المشاكل القانونية الناجمة عن استخدام التقنيات العلمية الحديثة(5) ومنها البريد الإلكتروني ، فقد عرفه القانون الأمريكي بشأن خصوصية الاتصالات الإلكترونية بأنه ( وسيلة اتصال يتم بواسطتها نقل المرسلات الخاصة عبر شبكة خطوط تلفونية خاصة أو عامة وغالباً يتم كتابة الرسائل على جهاز الكومبيوتر ثم يتم إرسالها الكترونياً إلى كومبيوتر مورد الخدمة الذي يتولى تخزينها لديه حيث يتم إرسالها عبر نظام خطوط التلفون إلى كومبيوتر المرسل إليه(6) ).

وقد عرف في القانون العربي النموذجي(7) بأنة ” نظام للتراسل باستخدام شبكات الحاسبات ” أما في فرنسا فقد عرفه القانون الفرنسي بشأن الثقة في الاقتصاد الرقمي الصادر في 22 يونيه 2004 بأنه ” كل رسالة سواء كانت نصية أو صوتية أو مرفق بها  صور أو أصوات ويتم إرسالها عبر شبكة اتصالات عامة وتخزن عند أحد خوادم تلك الشبكة أو في المعدات

الطرفية للمرسل إليه ليتمكن هذا الأخير من استعادتها(8) “.                                                     

أما عندنا في العراق فأن المشرع العراقي لم يورد ثمة تعريف للبريد الإلكتروني ألا أننا يمكننا الإشارة إلى موقف المحكمة الاتحادية العليا التي أكتفت بإضفاء صفة المشروعية على التعاملات التي تجري من خلال البريد الإلكتروني حيث نصت المادة (21) من النظام الداخلي لأجراء سير العمل في المحكمة رقم (1) لسنة 2005 على أنه ( يجوز للمحكمة الاتحادية العليا أجراء التبليغات في مجال اختصاصها بواسطة البريد الإلكتروني و الفاكس و التلكس إضافة    لوسائل التبليغ  الأخرى المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية(9)) .

الفرع الثالث

التعريف الفني أو التقني للبريد الإلكتروني

نقصد بالتعريف التقني للبريد الإلكتروني التعرف على آلية أو ميكانيكية عمل البريد الإلكتروني حيث يتكون من جزأين رئيسيين هما ((Header)) ونص ((Body)) ويحتوي الرأس على معلومات حول المرسل والمتلقي ( المرسل إليه) و المعلومات اللازمة لتوصيل الرسالة إلى العنوان المناسب ، ويحتوي النص على الرسالة التي تم تكوينها , وعندما يرسل شخص ما رسالة إلى شخص آخر فإنها تنتقل من كومبيوتر المرسل عبر خط تليفون إلى كومبيوتر الخادم (مزود الخدمة) أو ما يسمى ملقم البريد (Server Mail) والذي يوجد به صندوق بريد المرسل ومن ثم تنتقل على نحو مباشر إلى كومبيوتر خادم آخر يخزن صندوق بريد المرسل إلية وعندها يستطيع المرسل إليه أستر جاع محتويات صندوق بريده الالكتروني عند اتصاله بالخادم الخاص به وفق ما يسمى بالتحميل التحتي(10) (Down Loading) ويتم ذلك وفق برتوكولات عدة مثل برتوكول (Pop) أو(I map(11) ).

وبفضل البريد الالكتروني يتاح للحائزين على عنوان بريد الكتروني من الاتصالات فيما بينهم بالطريقة ذاتها التي تتم بها المراسلة عن طريق البريد الاعتيادي سوى إن إرسال الرسائل الالكترونية تتم من داخل العلبة الالكترونية العائدة إلى كل من المرسل والمرسل إليه الموصولين بشبكة الانترنيت(12) . وتتماثل العناوين البريدية في شكلها إذ تتكون من مقطعين يفصل بينهم الرمز (@) وتكون على الشكل التالي (……@yahoo.com) ويلاحظ من ذلك أن الجزء الأول من العنوان الذي يقع على يسار الرمز @ يدل على اسم المستخدم والذي يكون عادة اسمه الحقيقي أو مجرد رمز له أو اسماً مستعاراً وهذا الجزء هو الذي يميز المستخدم عن غيره من المستخدمين لدى مقدم خدمة البريد الالكتروني ويتبعه إشارة (@) وتنطق بالعربية  (آت) أما الجزء الواقع على يمين الرمز @ فيشير دائماً إلى مقدم الخدمة(13) ، ويستطيع الشخص بمجرد الحصول على عنوان بريد الكتروني(14) بتبادل الرسائل الالكترونية مع الآخرين في فترات متعددة إضافة إلى ذلك يستطيع الشخص صاحب البريد الالكتروني القيام بكافة التصرفات القانونية كإبرام العقود والرد على المخاطبات الإدارية وكذلك إتمام بعض الإجراءات القضائية(15).

المطلب الثاني

نشأة وتطور البريد الالكتروني

ظهر البريد الالكتروني وانتشر في جميع أنحاء العالم تحت التسمية الانكليزية (E-Mail ـ

الايميل(16) ) ويرجع الفضل في ظهور البريد الالكتروني إلى العالم الأمريكي(                                        

Ray Tomlinsonـ راي توملينسون(17)) والذي يعتبر وبحق مخترع البريد الالكتروني حيث صمم على شبكة الانترنيت برنامج لكتابة الرسائل يسمى (send message) وذلك لغرض تمكين العاملين بالشبكة من تبادل الرسائل فيما بينهم ثم ما لبث أن اخترع برنامجاً آخر سمي (Cypnet ) يسمح بنقل الملفات من جهاز كمبيوتر إلى آخر ثم قام بدمج البرنامجين في برنامج واحد ونتج عن هذا الدمج ميلاد البريد الالكتروني(18) .                                                                                 

وقد صادف هذا العالم مشكلة تمثلت في أن الرسالة لا تحمل أي دليل على مكان مرسلها ففكر بابتكار رمز لا يستخدمه الأشخاص في أسمائهم يوضع بين اسم المرسل والموقع الذي ترسل منه الرسالة وكان اختياره للرمز(@) وذلك في عام 1971 وبذلك أصبح أول عنوان بريدي الكتروني في التاريخ هو Tomlinson @ bbn. Tenexa(19) .

هذا وقد شهد البريد الالكتروني ثورة في وسائل تنظيمه وإرساله وربطه التفاعلي بوسائل التقنية الحديثة فتم تطوير البريد الصوتي الذي يمكن من خلاله ترك رسائل صوتيه أو استقبال رسائل مكتوبة بشكل صوت وجرى ربط البريد بمواقع الشركات عبر الانترنيت لتسهيل عمليات الإرسال والاستقبال أثناء الوجود على مواقع الانترنيت وطورت تقنية استقبال البريد الالكتروني بواسطة الكمبيوترات المفكرة المحمولة باليد وأيضاً عن طريق الهاتف النقال (Mobil Phone ) كنصوص مكتوبة ومسموعة مع إمكانية التحويل من شكل إلى آخر              بينها(20).

أضف إلى ذلك انه تم استخدام وسائل الأمن والحماية التقنية لرسائل البريد الالكتروني في كافة مراحلها بما في ذلك التشفير وتوثيق مواعيد الإرسال والاستقبال والتحميل وغير ذلك(21) .

المطلب الثالث

مزايا وعيوب البريد الالكتروني

 

لقد بات معروفاً اليوم أن البريد الالكتروني يتمتع بمزاياه التي ينفرد بها في إطار الثورة المعلوماتية فله خصائص تميزه على نحو واضح وجلي ومن هذه المزايا أو الخصائص انه وسيلة اتصال غير متزامن ونعني بذلك أن ليس هناك من تزامن في وجود الأشخاص على طرفي الاتصال وذلك لان المتصل عبر الانترنيت ومن خلال البريد الالكتروني يستطيع الاتصال والحصول على بغيته من الجهة المقابلة متى شاء دون أن يتدخل في ذلك شخص ما(22) ، لذلك فان إرسال رسائل عبر البريد الالكتروني لا يحتاج إلى وجود المرسل إليه ومن    ثم الاضطرار إلى الاتصال مره أخرى في حالة عدم وجوده إذ يمكن للمرسل ترك ما أراد   

إيصاله من نص أو رسم أو صوت أو صورة في جزء من ذاكرة حاسوب المرسل إليه 

مخصص للبريد الالكتروني يسمى صندوق البريد الالكتروني(23).

إضافة إلى ذلك أن خدمة البريد الالكتروني توفر درجات متعددة من الاتصال تتفاوت قوة وضعفاً في قدرتها على نقل المعلومات وهو أمر ينعكس بدوره على مدى القدرة المتوفرة للمتصل في إيصال تعبيره عن إرادته إلى الطرف الآخر حيث أن الاتصال يقتصر على إرسال نص يظهر على شاشة حاسوب المرسل إليه بشكل كتابه باستخدام بروتوكول ينقل الرسائل الالكترونية من جهاز إلى آخر وهو بروتوكول البريد الالكتروني(24). 

ويرى البعض أن البريد الالكتروني هو أفضل ما في الانترنيت ذلك أن له مزاياه تجعله أفضل من الهاتف والفاكس ذلك أن المرسل لن يضطر إلى مراعاة فروق التوقيت والأبعاد الجغرافية إذ يمكن لشخص مقيم في بريطانيا أن يبعث برسالة إلى صديقه في العراق بمجرد معرفة عنوان بريده الالكتروني وفي أي وقت خلال ثوان ودقائق تصل الرسالة(25).

أما عن عيوب البريد الالكتروني فتتمثل بان الاتصال عبره له سلبياته التي من  أهمها دخول البرامج الضارة أو ما يسمى بـ (الفيروسات ) وهذه تقوم بإتلاف البرامج والملفات جزئياً أو كلياً وبأساليب مختلفة(26) ، وقد تمت مواجهة الفيروسات بالبرامج المضادة للفيروسات فهذه تقوم باكتشاف الملفات والبرامج الحاوية على الفيروسات وتمنعها من الدخول إلى النظام وذلك لتأمين سلامة المعلومات والبيانات الموجودة في ذاكرة الحاسوب(27).                                                                          

وكذلك تتجلى خطورة البريد الالكتروني أيضاً بان الدخول إليه من غير صاحبه يؤدي إلى فضح أسراره على نحو يصيبه بضرر جسيم وهو في ذلك يشبه موزع البريد الذي يستولي على خطابات القراء ويطلع على الأسرار التي تحويها ويقوم بإذاعتها على نحو يسبب الضرر والخسارة لذوي الشأن(28)، ونذكر في هذا الشأن قضية تم فيها اختراق البريد الالكتروني للمشتركين لدى الـ (Hotmail ) وإذاعة أسرار المشتركين حيث كانت شركة مايكروسوفت ـ مالكة الموقع ـ قد أهملت في احتياطات الأمن وذلك بنسيان حذف كلمة المرور إلى الموقع أو إلى برنامج الصيانة الخاص بالموقع والتقطه المخترقون وعاثوا به فسادا لكن الشركة اعتذرت لزبائنها رسمياً عن اختراق بريد الـ (Hotmail ) وقالت على لسان مدير التسويق في الشركة أن احد المخترقين استطاع أن يكتب شفرة متطورة مكنته من تخطي إجراءات الدخول إلى الموقع(29) .

أضف إلى ذلك أن هناك سلبيه أخرى غير موجودة في رسائل الفاكس مثلاً وهي أن بعض رسائل البريد الالكتروني لا تظهر توقيع صاحبها ذلك أن ارتباط البريد الالكتروني بشبكة متشعبة كالانترنيت لا يمكن العلم مسبقاً بالطريق الذي سوف تسلكه الرسالة أو التأكد من حسن استلامها أو إثبات استلامها إذا أنكر الطرف الآخر الموجه إليه هذه الرسائل(30).

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

الحجية القانونية للبريد الالكتروني في الإثبات

يمثل البريد الالكتروني صورة من صور التقنيات الحديثة المستخرجة منها السندات الالكترونية التي تمثل بيانات ثبوتية يقع خزنها ونقلها بشكل رقمي وتتميز هذه السندات بغزارتها ويمكن الحصول عليها بسرعة هائلة وهي بذلك تتفوق على السندات الورقية الاعتيادية وتختلف عنها بوصفها مسجله على دعائم مغناطيسية لا يمكن قراءتها أو الاطلاع عليها إلا من خلال عرضها على شاشة الحاسب الآلي أو طبعها على ورق بواسطة الطابعة الملحقة بهذا الحاسب بعكس السندات الورقية الاعتيادية إذ يسهل قراءتها بالعين المجردة لأنها تكتب على كيان مادي ملموس(31).                                                                 

وقد عرف قانون الاونسترال للتجارة الالكترونية(32) لعام 1996 السند الالكتروني بأنه ( المعلومات التي يتم إنشاءها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل الكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة بما في ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر تبادل البيانات الالكترونية أو البريد الالكتروني أو التلكس أو النسخ البرقي ) . ونتيجة لاستخدام الوسائل الالكترونية من خلال شبكة الانترنيت وإتمام معظم التصرفات القانونية عبرها أصبحت المراسلات والتعاقدات تتم في الغالب عن طريق هذه الشبكة عبر البريد الالكتروني ومن خلال الحاسب الآلي أو أي جهاز آخر ، وقد حددت القوانين الخاصة بالتجارة الالكترونية عدة مسميات للبيانات التي يتم إرسالها مثل رسالة البيانات أو المحررات الالكترونية أو أي مصطلح آخر يتم من خلالها انعقاد العقد وإبرام اغلب التصرفات الخاصة في التجارة الالكترونية(33).

وقد تعرض قانون الاونسترال النموذجي وكذلك بعض القوانين العربية لمفهوم السند الالكتروني الذي يتم تبادله بين طرفي العلاقة العقدية ، لذا سنحاول توضيح المقصود به طبقا لهذه القوانين ومعرفة ما هي الشروط التي يتوجب توفرها في السند الالكتروني حتى تكون له الحجية الكاملة في الإثبات وذلك في المطلبين الآتيين :

المطلب الأول

تحديد المقصود بالسند الالكتروني

من دراسة القوانين الخاصة بالتجارة الالكترونية نجد أن قانون المعاملات الالكترونية لإمارة دبي رقم (2) لسنة 2002 انفرد عن بقية التشريعات بتعريف السند الالكتروني في المادة الثانية منه إذ عرفه بأنه (سجل أو مستند الكتروني يتم إنشاءه أو تخزينه أو استخراجه أو نسخه أو إرساله أو إبلاغه أو استلامه بوسيلة الكترونية على وسيط ملموس أو أي وسيط الكتروني آخر ويكون قابل للاسترجاع بشكل يمكن فهمه ) أما قانون التوقيع الالكتروني المصري رقم (15) لسنة 2004 لم يعرفه بصريح العبارة وإنما وصفه في المادة (1/ب) بأنه (رسالة بيانات تتضمن معلومات تنشأ كلياً أو جزئياً بوسيلة الكترونية أو رقمية أو ضوئية أو أية وسيلة مشابهة ) وكذلك الأمر بالنسبة لقانون المعاملات الالكترونية الأردني رقم (85) لسنة 2001 فقد وصفه أيضاً في المادة الثانية منه بالقول (المعلومات التي يتم إنشاءها أو إرسالها أو تسلمها أو تخزينها بوسائل الكترونية أو بوسائل مشابهة بما في ذلك تبادل البيانات الالكترونية أو البرق أو التلكس أو النسخ البرقي ) أما قانون التجارة الالكترونية البحريني رقم (29) لسنة 2002 فاسماه بالسجل حيث عرفه بأنه (السجل الذي تم إنشاءه أو إرساله أو تسلمه أو بثه أو حفظه بوسيلة الكترونية ).              

أما بعض الفقه(34) فعرف السند الالكتروني بأنه ما هو مكتوب على نوع معين من الدعامات سواء أكانت ورقيه أم غير ذلك من الوسائل الالكترونية ، والبعض الآخر فذهب إلى تعريفه من خلال رسالة البيانات الالكترونية بأنها معلومات الكترونية ترسل أو تستلم بوسائل الكترونية أياً كانت وسيلة استخراجها في المكان المستلمة منه(35).                                                

                                    المطلب الثاني

الشروط الواجب توافرها في السند الالكتروني

لكي يكتسب السند الالكتروني الحجية الكاملة في الإثبات وإمكانية مساواته بالسندات التقليدية من حيث القوة القانونية يجب أن تتوافر في هذا النوع من السندات شروط أساسية يمكن أن نستخلصها من واقع حال هذه السندات وذلك على النحو الآتي :

أولاً :الكتابة الالكترونية

      لم يعد مفهوم الكتابة بعد انتشار التقنيات العلمية واستخدامها في إبرام العقود ينصرف إلى الكتابات التي يتم وضعها وتدوينها على الورق عادة أو ما يشابهه وبالوسائل المعروفة للكتابة سواء بخط اليد أو بالآلات الطابعة وغيرها وإنما أصبح للكتابة مفهوم واسع وحديث يشمل الكتابات المستخرجة من الوسائل التقنية الحديثة وخاصة من الحواسيب المرتبطة

بشبكة المعلومات العالمية لذلك شاع استعمال تعبير الكتابة الالكترونية(36).

والكتابة الالكترونية تتخذ شكل معادلات خوارزمية تنفذ من خلال عمليات إدخال البيانات وإخراجها من خلال شاشة الحاسب أو أية وسيلة الكترونية أخرى بحيث تتم من خلال تغذية الحاسب بهذه المعلومات عن طريق وحدات الإدخال التي تتبلور في لوحة المفاتيح أو أية وسيلة تتمكن من قراءة البيانات واسترجاع المعلومات المخزونة في وحدة المعالجة المركزية أو أي قرص مرن مستخدم وبعد الفراغ من معالجة البيانات يتم كتابتها على أجهزة الإخراج التي تتمثل في أجهزة الحاسب أو طباعة هذه المحررات على الطابعة أو الأقراص الممغنطة أو أية وسيلة من وسائل تخزين البيانات(37) .

وقد انفرد المشرع المصري في تعريف الكتابة الالكترونية عن باقي التشريعات العربية حيث عرفها بأنها (كل حروف أو أرقام أو رموز أو أية علامات أخرى تثبت على دعامة الكترونية

أو ورقية أو صوتية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للإدراك(38)) .

فالكتابة بالمعنى الواسع إذن ، تشمل كل السندات الالكترونية المستخرجة من وسائل الاتصال الحديثة إذ إنها مجموعة من الحروف والأرقام أو الكلمات أو حتى الرموز التي تعبر عن معنى محدد دقيق أياً كانت مادتها أو شكلها وأياً كانت وسيلة نقلها وحتى ولو لم تظهر بصورة مادية محسوسة أو مجردة للقارئ ودون الاستعانة بوسائل أخرى .

ثانياً : التوقيع الالكتروني

     إضافة إلى وجود الكتابة الالكترونية وحتى يكون للسند الالكتروني القوة الثبوتية اللازمة لابد أن يشتمل على توقيع من صدر عنه إذ انه الشرط الجوهري في السند الذي يقصد به إقرار الموقع لما هو موجود أو مدون في السند ، وفي السندات الالكترونية لا يمكن تصور وجود الأساليب التقليدية للتوقيع ألمتمثله بالإمضاء اليدوي أو الختم أو بصمة الإبهام لذلك وانسجاماً مع التطور التكنولوجي ظهر ما يسمى بالتوقيع الالكتروني الذي تتضمنه السندات الالكترونية سواء بالتثقيب أو الختم أو الرموز أو بأية وسيلة الكترونية أخرى(39) .

وقد قدم الفقه عدة تعاريف للتوقيع الالكتروني منها انه كل ما يوضع على سند الكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها يكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخصية الموقع ويميزه عن غيره (40)، وعرفه البعض بأنه الرمز المصدر أو الرقم السري الذي يتم إدخاله في جهاز الحاسب عن طريق وسائل الإدخال ليتم من خلاله انجاز بعض المعاملات بإتباع إجراءات محددة متفق عليها بين طرفي الالتزام وضمن الحدود التي تم الاتفاق عليها بين طرفي العلاقة القانونية (41)، وعرفه جانب آخر من الفقه بأنه مجموعة من الإجراءات التقنية التي تسمح بتحديد شخصية من تصدر عنه الإجراءات وقبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع بمناسبته(42) .

أما تشريعياً(43)، فقد عرفه قانون الاونسترال الصادر بشان التواقيع الالكترونية لسنة 2001 في المادة (2/ا) بأنه (بيانات بشكل الكتروني مدرجة في رسالة بيانات أو مضافة إليها أو مرتبطة بها منطقياً يجوز أن تستخدم لتعيين هوية الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات ولبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات ) ، وكذلك عرفته المادة (2) من قانون المعاملات الالكترونية الأردني بأنه (البيانات التي تتخذ هيئة حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها وتكون مدرجة بشكل الكتروني أو رقمي أو ضوئي أو أية وسيلة أخرى مماثله في رسالة معلومات أو مضافة عليها أو مرتبطة بها ولها طابع يسمح بتحديد هوية الشخص الذي وقعها ويميزه عن غيره من اجل توثيقه وبغرض الموافقة على مضمونه ) .

ويشترط في التوقيع الالكتروني جملة شروط لكي يعتد به ومنها وجوب توثيق التوقيع لدى جهة معتمدة يتم تحديدها من قبل الحكومة كذلك يجب أن يكون التوقيع علامة مميزه للموقع وان يسيطر هذا الأخير وحده على وسيلة التوقيع الالكتروني وكذلك يجب أن يكون كافياً للتعريف بشخصية الموقع أضافه إلى ذلك يجب أن يكون التوقيع الالكتروني مرتبط بالسند أو المحرر ارتباطاً وثيقاً لكي يقوم التوقيع الالكتروني بالوظيفة المرجوة منه وهي إثبات إقرار

الموقع بما ورد في متن السند من خلال التوقيع على السند(44).

ثالثاً : التوثيق(45)

     إن إصدار أي سند الكتروني مهما كان لابد من توثيقه لدى جهة معتمدة يتم تحديدها من قبل الحكومة ولا يشترط أن تكون هذه الجهة واحدة بالنسبة لكافة الدول إذ أن عمل هذه الجهة ينحصر بالتحقق من صحة السند الذي تم إصداره ومن شخصية مصدره وكذلك القيام بتتبع التغيرات والأخطار التي حدثت بعد إنشاء السند سواء من خلال استخدام وسائل التحليل للتعرف على الرموز والكلمات والأرقام وفك الشفرة أو أية وسيلة يتم استخدامها في التحقق من صحة السند ليمنح صاحب السند شهادة التوثيق التي تؤكد صحة السند لتكون حجة على من يدعي بعدم صحة السند الذي صدر(46).                                                                                                                                                                                                                                                                          

كل ذلك عندما يتضمن البريد الالكتروني سندا الكترونياً في المعاملات التجارية والمدنية ، ولكن قد يتضمن البريد الالكتروني رسائل الكترونية تتصف بالسرية لتعلقها بالحياة الخاصة الشخصية لكل من المرسل والمرسل إليه كما في مسائل المراسلات بين الزوجين بصفة عامة ومسائل الطلاق بصفة خاصة فهناك قاعدة حرمة الأسرار الزوجية حيث تثار مسألة السماح باستخدام الرسائل في إثبات الضرر الجسيم الذي يبرر الطلاق ففي مثل هذه الحالة يسري على هذه الرسائل ما يسري على الرسائل العادية من أحكام تتعلق في الإثبات حيث أن مما لاشك فيه أن ملكية الرسالة تعود للمرسل إليه لذا فان له أن يتخذ منها دليلاً إن كان له في ذلك مصلحة مشروعة ولكن حق المرسل إليه في هذا الصدد خاضع لشرط عدم إفشاء ما تحويه الرسالة من أسرار ويعود لقاضي الموضوع كامل السلطة في تقدير سرية الرسالة وفق معايير موضوعية(47) ، وهنا قد يقوم تناقض بين حق المرسل في عدم إفشاء ما ضمن الرسالة من سر وحق المرسل إليه في الاحتجاج بالرسالة وللتوفيق بين كل هذا يجب على المرسل إليه أن يخير المرسل بين أن يقدم الرسالة للقضاء أو ييسر له الإثبات بوسيلة أخرى(48) . أما بالنسبة للغير ـ غير المرسل والمرسل إليه ـ فلا يجوز له أن يستند على الرسالة في إثبات ما يدعيه إلا إذا أذن له المرسل إليه ويكون ما عليه ما على المرسل إليه من التزامات وما له من حقوق في استعمال الرسالة وإذا استخدم الغير الرسالة في الإثبات بدون إذن المرسل إليه كان لهذا الأخير أن يعترض ويطلب سحب الرسالة من أوراق الدعوى إلا إذا كانت الرسالة مشتركة بين الغير والمرسل إليه فيحق للغيران يقدمها للقضاء بدون إذن المرسل إليه إن كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة(49) .   

 

 

 

 

المبحث الثالث

حماية البريد الالكتروني

نقصد بالحماية هنا الضمانات التي يمكن الركون إليها في مواجهة الخروقات التي يمكن أن تطال عمل تقنية البريد الالكتروني ، وهذه الضمانات مره تكون قانونية وأخرى تكون فنية أو تقنية تعمل على المحافظة على امن وسلامة البريد الالكتروني ، لذلك ورغبة منا في بيان هذه الضمانات ارتأينا تقسيم البحث فيها إلى مطلبين نتناول في الأول منهما الحماية القانونية للبريد الالكتروني وفي الثاني نبحث في الحماية التقنية له .

المطلب الأول

الحماية القانونية للبريد الالكتروني

يقتضي البحث في الحماية القانونية للبريد الالكتروني التطرق إلى الحماية المدنية والحماية الجنائية له وذلك في الفرعين الآتيين :

الفرع الاول

الحماية المدنية للبريد الالكتروني

لما كان البريد الالكتروني محتوياً عادة على رسائل معلومات تتضمن أسرار شخصية لا يسمح محررها أو لا يرتضي لأي كان الاطلاع عليها إلا بموافقته وهذا هو الحق في السرية الذي أصبح الحفاظ عليه من المسلمات البديهية التي طالما سعى إليها المستخدم وكذلك الشركة مزودة خدمة البريد الالكتروني ، فالحفاظ على هذا  الحق يعد من الأمور الهامة باعتباره جانباً من جوانب الحقوق الشخصية التي تمثل انعكاساًً لشخصية المرسل فكما يجب احترام شخصية المرسل كإنسان له كيان في نفس الوقت احترام سرية مراسلاته التي تعتبر من جوانب شخصيته إذا لم تكن مكمله(50) .

وتعتبر الرسائل والبيانات التي يتضمنها البريد الالكتروني ترجمة لأفكار شخصية أو آراء خاصة لا يجوز لغير مصدرها ومن توجه إليه الاطلاع عليها وإلا كان ذلك انتهاك لحرمة المراسلات وبالتالي انتهاك للحياة الخاصة لذا فان حرية المراسلات تعد من العناصر المهمة  في الحياة الخاصة والحريات الشخصية لان الرسالة مستودع للسر ولخصوصيات الإنسان وعليه فان حرية المراسلات لا تحمي الخطابات فقط بل تمتد إلى كل وسائل المراسلات الأخرى كالمحادثات التلفونية أو البريد الالكتروني أو أي وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة فالقاعدة أذن لا يجوز انتهاك سرية هذه المراسلات ولا يجوز أن يسترق إلى هذه المحادثات أو يفشى سرها بأي طريق كان تقليدي أو الكتروني إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون لذا فان الاعتداء على سرية المراسلات ينشأ لصاحبها الحق في أن يطلب التعويض عما قد لحقه من ضرر مادي كان أم معنوي وهذا طبقا للقواعد العامة في المسؤولية المدنية(51).                                                                          

ويعتبر حق المرسل إليه على محتويات البريد الالكتروني من وقت تسلمه لهذه المحتويات حق ملكية(52) عليها فيكون له وحده الحق في الانتفاع بهذه المحتويات والتصرف فيها وكل ذلك منوط بقيد يتمثل في عدم المساس بالحياة الخاصة للمرسل أو غيره وذلك لان مشروعية حق المالك بالتصرف في ملكه تنتهي عند المساس بحقوق الغير أو إلحاق الضرر الفاحش بالغير وان خروج المالك عن حدود المشروعية جزاؤه أن يتحمل دفع الضرر وإزالته عملاﹰ بالقاعدتين (لا ضرر ولا ضرار ) و(الضرر يزال ) المنصوص عليهما في المادة (216/1) من القانون المدني العراقي .

كل هذا لو كان التعدي على سرية المراسلات قد تم من قبل المرسل أو المرسل إليه أو الغير

ولكن تنهض مسؤولية أخرى على عاتق الكاتب العدل الالكتروني(53) عن أية أضرار تنتج عن عدم صحة الشهادة التي أصدرها أو تعيبها أو الأضرار التي تصيب الغير نتيجة لوثوق هذا الغير بحسن نية في الضمانات التي يقدمها الكاتب العدل الالكتروني(54).

ومسؤولية الكاتب العدل الالكتروني مسؤولية تقصيرية لأنها ناتجة عن علاقة ناشئة بين الكاتب العدل الالكتروني وبين طالب شهادة التصديق على التوقيع (المرسل إليه  المتعاقد مع الموقع ) لان المسؤولية التقصيرية تقوم لجبر ضرر ناتج من خطأ احد الأشخاص لشخص آخر دون أن يكون هذا الضرر ناتجا عن التزام تعاقدي بين المخطأ والمتضرر ويقع إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما على عاتق المرسل إليه وان مقدم الخدمة ملتزم بالتعويض إذا اخطأ (تعمد أو تعدى في القانون العراقي ) وسبب هذا الخطأ ضرراً للمرسل إليه وكذلك تثور المسؤولية التقصيرية إذا أصيب المرسل إليه بضرر نتيجة إصابة برنامج التشغيل بأحد الفيروسات أو عطل يصيب شبكة الانترنيت فيؤدي إلى محو بعض البيانات(55).

 

 

 

 

 

الفرع الثاني

الحماية الجنائية للبريد الالكتروني

يعد البريد الالكتروني ـ كما قدمنا ـ من أهم تطبيقات شبكة الانترنيت فقد أصبح الآن بالإمكان لشخص أن يرسل رسالة عبر الانترنيت ومن خلال البريد الالكتروني لإغراض تجارية أو تعليمية أو حتى لمجرد التسلية ويمكن كذلك إجراء محادثات بالصوت والصورة مع أصدقاء ربما تعذر لقاءه بهم وكل ذلك من خلال جهاز الكمبيوتر أو أية وسائط الكترونية أخرى ، ومن هنا تأتي خطورة اطلاع الشباب والأطفال على ما تتضمنه هذه التقنية حيث يمكن عن طريقها تزويدهم بخبرات ضاره بهم ودفعهم إلى أفعال تقع تحت طائلة التجريم كارتكاب أفعال السب والقذف وكذلك تبادل الرسائل التي تتضمن المغازلة والكلام المبتذل وربما الشتائم وكذلك الرسومات التي تحمل هذا المعنى(56).

ومن تطبيقات إساءة استعمال البريد الالكتروني ما قام به حزب العمل الإسرائيلي من بث صور عارية لزوجة (نتنياهو ) رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق على شبكة الانترنيت عن طريق البريد الالكتروني(57)، كذلك ما حدث في دولة الإمارات العربية المتحدة عندما قام احد

المشتركين بشبكة الانترنيت بأمارة أبو ظبي ببث صورة لامرأة عارية إلى المشتركين في البريد الالكتروني والتي تبدأ أسماءهم بحروف (xxz ) وذلك من خلال البريد الالكتروني وقد عرضت القضية على محكمة أبو ظبي فأصدرت قرارها القاضي بتغريم الجاني عشرة آلاف درهم حسب المادة (46/2) من القانون الاتحادي رقم (1) لسنة 1991 في شأن مؤسسة (اتصالات ) بدولة الإمارات العربية المتحدة مع مصادرة الصورة المضبوطة حسب المادة (82) من قانون العقوبات الاتحادي(58) ، ومن التطبيقات الأخرى ما قامت به إحدى الشركات التجارية باستخدام البريد الالكتروني في سرقة الإسرار التجارية(59).

ولعل قصة الشاب ـ ديفيد سمث ـ مع فيروس (ميليسيا) وهو فيروس البريد الالكتروني الأكثر شهره يمثل صوره أخرى من صور الاعتداء على خدمة البريد الالكتروني فقد اعتقلت الشرطة في ولاية (بنيوجرسي ) بالولايات المتحدة الأمريكية المتهم المذكور والذي أنشأ فيروس البريد الالكتروني الذي عرف باسم (ميليسيا ) واحدث اضطراباً عالياً في البريد الالكتروني وقد قضي ضده بالسجن لمده تصل إلى 40 عام وغرامه نقدية قيمتها (80) ألف دولار(60) .

ونتيجة لهذه المخاطر وغيرها التي تنتاب شبكة الانترنيت عموماً والبريد الالكتروني خصوصاً الأمر الذي تطلب تدخل تشريعي من قبل الدول يرمي إلى تجريم مثل هكذا أفعال ووضع العقوبات الرادعة لكل من يحاول الاعتداء وبأي صورة على الحياة الخاصة لكل من يستخدم هذا النظام الالكتروني ، لذا يمكننا بيان الكيفية التي تعاملت بها بعض القوانين الغربية والعربية مع الجريمة المعلوماتية وبالشكل الآتي :

أولاً : موقف القوانين الغربية من الجريمة المعلوماتية

 

    أثارت مسألة الحماية الشخصية وخاصة في مجال الحياة الخاصة قلقاً في مواجهة أخطار المعلوماتية في مختلف الأنظمة القانونية حيث لم تسلك الدول مسلكاً موحداً لحماية الحق في حرمة الحياة الخاصة في مواجهة الأخطار الناجمة عن استخدام الحاسب الالكتروني كبنك

للمعلومات ، إذ يمكننا تقسيم موقف التشريعات إلى اتجاهين(61):

الاتجاه الأول : وفيه اكتفت الدول في مواجهة أخطار بنوك المعلومات في النص دستورياً على حماية الحياة الخاصة ومن هذه الدول اسبانيا والبرتغال والنمسا حيث كفلت دساتير هذه الدول حماية البيانات الشخصية التي تخضع للمعالجة الالكترونية .

الاتجاه الثاني : والذي مثل دول وضعت تشريعات خاصة لحماية الحياة الخاصة في مواجهة أخطار المعلوماتية ومن هذه الدول :ـ

1ـ الولايات المتحدة الأمريكية

   حيث أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية تشريعاً خاصاً لحماية الحياة الخاصة في عام 1974 وكان الهدف من هذا القانون هو تقرير الحماية لكل فرد ضد الاعتداء على حياته الخاصة ووضع قواعد لحماية الفرد من الاطلاع على المعلومات الخاصة والمحفوظة في الكمبيوتر(62)، وكذلك فرض المشرع الأمريكي حماية لخصوصية الأفراد أثناء عملية الاتصال وتبادل المعلومات وذلك بإصداره لقانون خصوصية الاتصالات الالكترونية لعام 1986 حيث يجرم فيه الدخول غير المشروع إلى الاتصالات الالكترونية المخزونة والمثبتة وهي بدورها

تتضمن البريد الصوتي والبريد الالكتروني حيث أن الدخول إلى بريد الكتروني لشخص ما بدون أذنه يمثل انتهاك لقانون خصوصية الاتصالات الالكترونية(63).

 

 

2ـ فرنسا

   اصدر المشرع الفرنسي القانون رقم (17) لسنة 1978 والخاص بالمعالجة الالكترونية للبيانات الاسمية والذي اشتهر باسم قانون معالجة المعلومات والحريات والذي بينت المادة الأولى منه (إن معالجة المعلومات يجب أن تكون في خدمة كل مواطن ) ، وقد توالت بعد هذا القانون إصدار عدة تشريعات جاءت تأكيدا للمبدأ المذكور ومنها قانون 12 يوليو 1980 والمتعلق بإثبات التصرفات القانونية ذات المعالجة الالكترونية وكذلك قانون 29 يونيو 1982 والذي اقر فيه مبدأ حرية الاتصال السمعي والبصري وكذلك قانون 30 سبتمبر 1986 المعدل بقانون 17 يناير 1989 بشأن الاتصالات السمعية والبصرية

المصدر: الموقع التالي http://profasaad.info/?page_id=106
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 766 مشاهدة
نشرت فى 3 ديسمبر 2015 بواسطة MUSTAFAJAWAD

مصطفى جواد الشمري

MUSTAFAJAWAD
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

9,941