من بين مئات الأصناف من الفاكهة التي يأكلها الإنسان فان عددا قليلا ذكر في القرآن الكريم، مما يدل على أن هذه الأصناف المذكورة لها أهمية خاصة في حياة الإنسان. الرمان من بين هذه الأصناف حيث ذكر في القرآن الكريم باعتباره واحدا من النعم والآيات الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته من ذلك قوله تعالى "وهو الذي أنزل من السماء ماءا فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النَّخل من طلعها قنوانًًُُُُُ دانية وجنّات من أعناب والزيتُون والرمَّان مشتبها وغيرَ متشَابه انظروا إلى ثمره إذا أثمرَ وينعه إنَّ في ذلكم لآيات لقَوم يؤمنون" (الأنعام 99) وقوله تعالى " وهو الذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات والنّخل والزّرع مختلفا أكله والزيتون والرمّان متشابها وغير متشابه" (الأنعام 141) كما ذكر باعتباره واحدا من فاكهة الجنة في قوله تعالى "فيهما فاكهة ونخل ورمان" (الرحمن 68).
الهدف من هذا البحث هو الكشف عن امكانيات هذه الفاكهة واستعمالاتها الوقائية والعلاجية على مدى التاريخ الإنساني مع التركيز على استخدامات هذه الفاكهة في الطب الحديث من خلال الأبحاث المنشورة حديثا في الدوريات العالمية مما يكشف الإعجاز القرآني في الإشارة إلى هذه الفاكهة واختصاصها بالذكر. نبذة تاريخية: حظي الرمان بتقدير كبير وغير عادي من جميع الأديان السماوية بل والديانات الأخرى صاحبة الإنتشار الكبير في الأرض والتي لاحظنا أنها جميعا بدون استثناء تنظر إلى هذه الفاكهة بتقديس واحترام كبيرين.
ففى الديانة اليهودية ذكر الرمان بإعتباره واحدا من وصايا التوراه ال 613 (1) فهو يرمز إلى الحرمة والقداسة والخصوبة لذلك فقد كان يزين أعمدة هيكل سليمان كما كان يزين ملابس ملوك اليهود وأحبارهم (2).
وفي الفنون المسيحية يعتبر رمزا للبعث والحياة الأبدية فهو يوجد في تماثيلهم المقدسة كما تحتوي عليه الصورة الشهيرة للعذراء والطفل. كما إن شجرة الرمان هي التي كبل فيها حيوان وحيد القرن في أسطورة تجسيد المسيح. (3)
وفي البوذية يعتبر الرمان واحدا من الفواكه الثلاثة المقدسة. وفي أسطورة (هاريتي) التي كانت متوحشة وتأكل الأطفال فقد شفيت من الشر عندما أعطاها بوذا رمانة لتأكلها. وشخصية (هاريتي) يقدسها اليابانيون أيضا ويتقرب إليها النساء العاقرات (4).
وفي الديانة الزرادشتية حيث أن الموطن الأصلي للرمان هو بلاد فارس فقد كان يستخدم كثيرا في الطقوس والشعائر الدينية (5) وبغض النظر عن تقديس الأديان للرمان فإن الحضارات القديمة في الأرض تكاد تجمع على أهمية الرمان وفوائدة الطبية العديدة وتنظر إليه بعين التقدير والإعتبار. في الحضارة اليونانية القديمة فإن الرمان كان يمثل الحياة والتكاثر والزواج, ودخلت حكاياته وفوائده الخارقة في كثير من الأساطير اليونانية, كما كان يعرف بإسم "فاكهة الميت" نظرا لأن المحتضر عادة ما يطلب الرمان (6).
المصريون القدماء كانوا يعتبرونه واحدا من الفواكه المقدسة. ووجد في الرسوم الموجودة في المعابد المصرية القديمة
والفرس كانوا يعتبرون أن بذور الرمان إذا أكلها المقاتل تجعله لا يهزم في الحرب (7).
والبابليون اعتبروا أن بذور الرمان هي العنصر المحفز للبعث والنشور (8). وعند الصينيين القدماء فإن الرمان يرمز للحياة الأبدية. ويستخدمه الصينيون بشكل كبير في فنون الخزف حيث يرمز إلى الخصوبة والوفرة والذرية الصالحة والمستقبل السعيد (9) منشأ الرمان وأماكن زراعته موطن الرمان الأصلي في بلاد فارس وأواسط آسيا إلى جبال الهيمالايا شمال الهند وهو يزرع من قديم الزمان في بلاد حوض البحر المتوسط. ويزرع حاليا في بلاد ايران والعراق وأواسط آسيا والهند والصين وماليزيا. كما يزع في مصر والمملكة السعودية وجنوب أوروبا.
وقد أدخله المستعمرون الأسبان إلي أمريكا في سنة 1769 حيث يزرع في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا. وصف شجرة الرمان شجرة الرمان شجرة جذابة متوسطة الحجم يبلغ متوسط ارتفاعها حوالي 5 أمتار وتعيش لسنوات طويلة, تبدأ الإنتاج بعد السنة الأولي إلى 15 سنة حيث يبدأ الإنتاج في التراجع. وفي بعض الحالات التي سجلت في جنوب أوروبا عاشت الشجرة ما يزيد على مئتي عام. وهي شجرة دائمة الخضرة في كثير من المناطق ولكن في بعض الأماكن والأنواع منها تتساقط أوراقها وتتجدد سنويا. لها زهور جذابة حمراء برتقالية وأوراق صغيرة لامعة رمحية الشكل, كما تتميز ثمارها المعروفة بتيجانها الكأسية وتتراوح ألوانها من الأصفر إلى الأحمر الغامق. وتحتوي الثمرة على العديد من البذور المحاطة بحويصلات العصير المتعددة الأضلاع والمرصوصة بتداخل عجيب.
الأجزاء المستخدمة طبيا:
تقريبا كل أجزاء النبات تستخدم في الأغراض الطبية. الزهور والعصير والبذور الجافة وقشرة الثمرة واللحاء المحيط بالسيقان والجذور. والجزء المأكول من الثمرة يحتوي على 80 % عصير و 20 % بذور. والعصير يحتوي على 85% ماء, 10 % سكريات, 1.5 % بكتين وحمض الأسكوربيك والبوليفينولك فلافينويد. الكيماويات النباتية الموجودة في الرمان: العصير: يعتبر مصدرا هاما لنوعين من مركبات البوليفينولك: انثوثيانين و هيدروليزابل تاننيس البذور: تعتبر مصدرا هاما للألياف والسكريات والبكتين كماتحتوي على هرمون الإستروجين. لحاء الشجرة: يحتوي على حمض البونيكوتانيك وحمض الجاليك – مانايت – بيليتيرين – ميثيل ايزوبيليتيرين. القشرة الخارجية للثمرة: تحتوي على معظم الكيماويات النباتية. (10)
استخدامات الرمان في الطب التقليدي والشعبي:
استخدم الرمان في الطب الشعبي على مدى طويل من الزمان في معظم حضارات الأرض وأهم استخداماته: أمراض الجهاز الهضمي: الإسهال والدوسنتاريا والمغص المعوي والتهابات القولون وعسر الهضم والطفيليات المعوية وعلى الأخص الديدان الشريطية.
أمراض الأجهزة التناسلية:
التهابات الجهاز التناسلي و الإفرازات البيضاء وفرط الطمث. امراض الجلد والأنسجة الرخوة: تستخدم القشرة كدهان خارجي في حالات التهابات الجلد التحسسية - حب الشباب والتهابات الثدي أمراض الجهاز العصبي: الشلل – الصداع – الهيستريا حالات الشرج الجراحية: البواسير وسقوط المستقيم أمراض العين والأذن: آلآم الأذن وضعف الإبصار أمراض الفم والأسنان: التهابات اللثة وآلآم الأسنان (11) و (12)
الاستخدامات الطبية الحديثة للرمان:
هناك العديد من الأبحاث المنشورة حديثا في الدوريات الطبية العالمية (وعلى الأخص في السنوات القليلة الماضية) والتي تدل على الأهمية الفائقة للرمان في العديد من المجالات الطبية منها:
فعاليته كعنصر مضاد للأكسدة: يحتوي الرمان على عناصر ذات فعالية عالية كمضادات للأكسدة (التي تعمل على الحفاظ على صحة الخلية الإنسانية وتقاوم الأمراض). فالرمان يحتوي على المئات من المركبات المعروفة من بينها مركبات البولي فينول القابلة للذوبان soluble polyphenol compounds والتي ثبت أن لها كلها فعالية عالية كمضادات للأكسدة مثل حمض الإيلاجيك ellagic acid وحمض الجاليك gallic acid والأنثوثيانين anthocyanins و الكاتيتشين و catechins والإيلاجيك تاننيس و ellagic tannisب(8) , (13) , (14), (15) وقائي وعلاج كيماوي للسرطان: ثبت أن خلاصة الرمان في الجرعات العلاجية تسبب موتا طبيعيا للخلايا السرطانية apoptosis دون أن تؤثر على الخلايا السليمة: استخدم بنجاح في علاج سرطان الثدي حيث ثبت أنه يوقف نمو الخلايا السرطانية ويمنع انتشارها ويزيد من معدلات الموت الطبيعي apoptosis للخلايا السرطانية (16) كما ثبتت فعاليته العالية في علاج والوقاية من سرطان المثانة البولية حيث أنه يوقف نمو الخلايا السرطانية كما يتدخل في العوامل الوراثية للخلايا السرطانية بما يؤدي إلى موتها في النهاية (17).
علاج أمراض القلب والأوعية الدموية: ثبتت فعاليته العالية كمضاد لتصلب الشرايين وقد تمت تجربته فى الفئران والإنسان بنجاح ووجد أنه يقلل من نمو البؤر التصلبية وذلك لآثاره المضادة للأكسدة على الليبوبروتين وآثاره على الخلايا اللاقمة macrophages والصفائح الدموية (18).
واستعادة الوظائف الطبيعية المضطربة للعضلة القلبية (19) مضاد للميكروبات ومضاد للإلتهابات ثبتت فعاليته العالية كمضاد للفيروسات ومضاد للبكتيريا وكمضاد للإلتهابات (20) و (21) مضاد للعوامل المسببة للتشوهات الوراثية (22) مقوي لجهاز المناعة (23) يمنع تليف الكبد (24) يحفز التئام الجروح ويقوي الأنسجة الرخوة وهذا أيضا يمكن أن يساهم في منع الخلايا السرطانية من الإنتشار (25).
استخدام الرمان في شعارات الهيئات الطبية العالمية:
الجمعية الطبية البريطانية British Medical Association وثلاث من الكليات الطبية الملكية: (الكلية الملكية للأطباء (Royal Collage of physicians )الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد (Royal Collage of Obstetricians and Gynaecologists )الكلية الملكية للقابلات Royal Collage of Midwives) تضًمن الرمان في شعاراتها مما يعكس أهميته الكبرى في الممارسة الطبية وقناعة هذه المؤسسات الطبية العريقة بفوائده الكبيرة
الخلاصة: هذا الإستعراض التاريخي وهذه الدراسات الطبية الحديثة والموثقة لتدل على أهمية الرمان المؤكدة في الحفاظ على حياة الإنسان وعلاج الكثير من الأمراض ومن هنا تأتي الإشارة القرآنية المعجزة لهذه الفاكهة باعتبارها من النعم والآيات الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته وحيث أن هذا القرآن قد نزل على نبي أمي في أمة تفتقد أسباب العلم والحضارة فإن هذا يدل على صحة نسبة هذا القرآن لله رب العالمين
ساحة النقاش