الاستبداد- عبد الرحمن الكواكبي
1- المستبدُّ يتحكّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتهم،ويحكمُهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلمُ من نفسـِه أنّه الغاصبُ المتعدّي، فيضع كعبَ رجله على أفواهِ الملايين يســـدُّها عن النّطقِ بالحقِّ والتّداعي لمطالبته.
-المستبدُّ عدوُّ الحقِّ عدو الحرّيّة وقاتلهما، والحقُّ أبو البشر والحرّيّة أمُّهم، والعوامُّ صبيةٌ أيتامٌ نيام لا يعلمون شيئاً،والعلماء هم إخوتهم الراشدون،إن أيقظوهم هبُّوا،وإنْ دعَوْهم لبُّوا،وإلا فيتّصلُ نومهم بالموت.
-المستبدُّ يتجاوز الحد ما لم يرَ حاجزاً من حديد،فلو رأى الظّالمُ على جنبِ المظلومِ سيفاً لما أقدم على الظّلم كما يقال:الاستعدادُ للحربِ يمنع الحرب.
- المستبدُّ إنسانٌ مستعدٌّ بالطبع للشّرّ، وبالإلجاءِ للخيرِ،فعلى الرّعيةِ أنْ تعرفَ ما الخيرُ
وما الشرُّ، فتلجئُ الظالمَ للخيرِ على الرغمِ من طبعه، وقد يكفي للإلجاء الطلبُ وحدَه إذا علم الظالم ُأنّ وراءَ القولِ فعلاً،ومن المعلوم أن الاستعدادَ للفعل قولٌ يكفي شرَّ الاستبداد.
2-الاستبداد أصلٌ لكلّ فساد, ومعنى ذلك أنّ الباحث المدقّقَ في أحوال البشر وطبائع الاجتماع كشف أنّ للاستبداد أثراً سيئاً في كلِّ وادٍ، فالمستبدّ يضغط على العقل فيفسده، ويلعب بالدّين فيفسده، ويحاربُ العلمَ فيفسده.
3-إن الاستبدادَ و العلمَ ضدّان متغالبان، فكلُّ إدارةٍ مستبدّةٍ تسعى جهدَها في إطفاءِ نورِ العلم ِوحصرِ الرّعيّةِ في حـالكِ الجهل، و العلماءُ الحكماء الّذين ينبتون أحياناً في مضايقِ صخور الاستبدادِ يسعَون جهدَهم في تنوير أفكارِ النّاس.والغالبُ أن رجالَ الاستبدادِ يطاردون رجالَ العلم، وينكّلون بهم، فالسّعيدُ منهم من يتمكن من مهاجرةِ دياره
ساحة النقاش