محمد ناصر الخوالده 

 ماذا  كسب الإسرائيليين  من دون عرفات

 

 )   بعد سبعة (11 نوفمبر 2004) سنوات من موت عرفات يتبين أنه لم يكن إلا فزاعة بيد إسرائيل، فالحياة ما زالت صعبة حتى من دونه والتاريخ سيحكم على أفعاله ).

عندما يكون الإنسان مستمتعا يشعر أن الزمن يسير بسرعة البرق: في الشهر  الحالي - نوفمبر - سيمر  سبعة سنوات على موت الشهيد  ياسر عرفات. الحشود لن تملأ الساحات في رام الله في مسيرات الذكرى، وبيل كلينتون ومن بعده بوش وأوباما وغيرهم من زعماء العالم لن يأتوا لتدشين مركز على اسمه. وبالرغم من ذلك يمكن أن تكون ذكرى مرور عام على موته فرصة لطرح أسئلة على سلوك إسرائيل وتصرفاتها حتى موته ومن بعده.

السنوات السبع التي مرت من بعده لم تكن جميلة مثلما وعدونا، والحياة هنا من بعده لم تكن أجمل من الحياة بوجوده. عرفات كان بالنسبة إلى إسرائيل ذريعة ممتازة لمواصلة الاحتلال، والتغير الهام الوحيد تقريبا الذي طرأ منذ رحيله هو فقدان الذريعة.

السنة الست الماضية كانت سنوات فك الارتباط. لا "تقسيم البلاد" ( الكيان الصهيوني ) ولا ما يشبه ذلك ولا حتى تقدما نحو السلام - وإنما فقط عاما فرضت فيه على الفلسطينيين تسوية أحادية الجانب متجاهلة تماما لاحتياجاتهم. في هذه السنوات التي مرت لم يحدث أي تخفيف لوطأة الاحتلال - غزة بقيت مسجونة حبيسة والقيود المفروضة على حياة الفلسطينيين في الضفة تتواصل بكامل قسوتها وغلظتها، لا بل وتزداد بسبب الجدار الفاصل. كل هذا بالرغم من أن عملية التشويه والمسخ التي قام بها بعض القادة الإسرائيليين لعرفات في آخر أيامه رسمت الاعتقاد بأن العقبة الأكبر أمام السلام ستزول مع رحيله.

"سيدفننا جميعا"، تنبأ الخبير في الشؤون العرفاتية رقم واحد في إسرائيل، اللواء احتياط عاموس جلعاد قبل موت عرفات بمدة وجيزة. ولكن هذه النبوءة الجلعادية تبددت مثل سابقاتها. كان هناك كثيرون في أوساط الجمهور الإسرائيلي والحكومة متشوقون جدا لتقريب النهاية: وزير الدفاع شاؤول موفاز رغب في قتله، والحكومة التي قررت في 2001 أن "عرفات غير ذي صلة"، والمجلس الوزاري المصغر الذي قرر في 2003 طرده من المناطق. الوزراء عندنا تسابقوا فيما بينهم في الانقضاض على عرفات ومهاجمته. قائد القوات البرية في الجيش، يفتاح رون طال، دعا إلى "تغيير وضع العد التنازلي له"، وجلعاد كان مسئولا عن تدوين "كتاب ابيض" تضمن إساءات دعاية رخيصة لعرفات. وزير الخارجية سلفان شالوم التقى في أيلول 2003 خلال ثلاثة أيام مع ما لا يقل عن 30 وزيرا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وردد على أسماعهم جميعا معزوفة واحدة ووحيدة - عرفات "هو العقبة الأساسية أمام السلام"، وماذا فعل من اجل هذا السلام المنشود منذ أن زالت هذه العقبة باستثناء دعمه لفك الارتباط ولقائه مع وزير الخارجية الباكستاني؟.

صحيح أن العمليات قد قلت جدا وان الجيش الإسرائيلي مع ذلك لم يقلل من عمليات القتل. ولكن ليس من الممكن ربط ذلك بموت الرئيس: الانخفاض بدأ في عهده. منذ عام 2002 سجل هبوط تدريجي من 184 قتيلا إسرائيليا في 2002 إلى 104 في 2003، والى 13 في السنة التي أستشهد فيها. الشهر الأخير من حياة عرفات بالتحديد حيث كان يحتضر في باريس، كان شهرا دمويا مع أكبر عدد من القتلى الفلسطينيين منذ عملية "السور الواقي" - 140 قتيلا في شهر واحد. في الشهرين التاليين لذلك قتلت إسرائيل 100 فلسطيني آخر. أي أن وقف إطلاق النار إذا حدث فعلا لم يتم لأن عرفات لم يعد في المقاطعة.

الزعيم الأكثر اعتدالا الذي شهده الفلسطينيون في تاريخهم حل محل عرفات، وبالرغم من ذلك ما زال آلاف السجناء الفلسطينيين يذوون في السجون وبعضهم من دون محاكمة. في الأيام الأخيرة فقط اعتقلت إسرائيل 400 شخصا آخرين - ومن دون سبب واضح. رئيس الوزراء لم يكلف نفسه عناء تعزيز العلاقات مع الزعيم الفلسطيني الجديد باستثناء اللقاءين اللذين كان عباس يأتي فيهما مع طلباته     - وشارون يرفضها - وهو بالتأكيد لم يتعامل معه كنِد مساوٍ له. إذا كان شارون قد نذر نذرا على نفسه بعدم الالتقاء مع عرفات فلماذا لا يلتقي مع خليفته في أحيان متقاربة؟.

في معظم السنوات الماضية هذه  لم يقف الأمر عند عدم قيام إسرائيل بأي شيء لتوطيد حكم أبو مازن - بل إنها بذلت كل ما في وسعها لإضعافه، وها هي الآن تشتكي من ضعفه في نفس الوقت. إسرائيل تتحمل مسؤولية تعاظم قوة حماس في غزة ومن بعدها في الضفة. التصفيات عادت والحواجز لم تُرفع وظروف الحياة أصعب من أي وقت مضى مع العمليات ومن دونها ومع عرفات ومن دونه. التغير الوحيد الذي طرأ هو ضعف وربما زوال عملية الإساءة والتشويه للزعيم الفلسطيني.

المشتاقون لعرفات كُثر . الفلسطينيون يعلمون أنه بذل ما يكفي من الجهد لتخليصهم من حياتهم البائسة، وأنه لم يتنازل عن الثوابت وبالخصوص القدس ، وتحدى الرئيس الأمريكي كلينتون ، حينما قال بأنه يعترف بوجود هيكل سليمان تحت الأقصى ، وكان رد عرفات بأن الأقصى كان وسيبقى إسلامياً .   أما في نظر الإسرائيليين فقد تحول منذ زمن إلى شيطان. أولئك وهؤلاء ينسون الطريق الطويل الذي قطعه من عدم الاعتراف بإسرائيل إلى اجتياز الخطوط الفاصلة التاريخي وعقد العلاقات معها. إسرائيل هي التي ضيعت عرفات الذي كان الزعيم الوحيد ربما القادر على التوصل إلى تسوية معها.

التاريخ سيحاكم الشخص - سواء لنجاحه في بلورة هوية الشعب الفلسطيني وطرح قضيته على جدول الأعمال العالمي أو بسبب العنف الدموي والفساد الذي كان مسئولا عنه. ولكن بعد موته  مع مضي كل هذه السنوات ، يصعب القول أن فجرا جديدا قد بزغ على الشرق الأوسط. الشعب الفلسطيني لم يعد مُهدد بالحرب الأهلية، وهذا أمر سيء جدا لإسرائيل. هذه الحرب التي سعى عرفات ومن بعده الرئيس أبو مازن جدا إلى منعها ولم تكن لتندلع في عهدهم. إسرائيل لا تبذل أي جهد لإجراء مفاوضات مع خليفته نحو التسوية العادلة التي تضمن نهاية العنف. يتبين أن موت عرفات لم يتمخض عن الحياة لأحد خلافا للتوقعات. وـأن خليفته أبو مازن لم يكن يرضي التوقعات الإسرائيلية  ، فبات هو الأخر مهدداً ومطعون في نزاهته التفاوضية من قبل الصهاينة وحتى البيت الأبيض .

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 10 نوفمبر 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

356,818