د . محمد ناصر الخوالده .

فتح أمريكا .. مساءلة الآخر**

مهمة الناقد الادبي والفني ليست مهمة أحاديه معزولة عن العقل والحياة .. بل أن الناقد الحق ؛ لابد أن يكون في قلب الأشياء لكي يقدم رؤية نفديه شامله وموضوعيه .
من هنا كان الناقد البلغاري الأصل تسفيتان تودوروف يقدم سلسله من الأفكار والرؤى ؛ إذ قدم في كتابه (نحن والآخرون ) تفصيلا عن العرق البشري من خلال نظره فرنسيه ويواصل مسيرته في دراسة الجذر الإنساني من خلال كتابه (فتح أمريكا- مساءلة الآخر )
يقول مترجم كتاب (فتح أمريكا )الأستاذ بشير السباعي (أن هذا الكتاب –دعوه إلى الحرية والإنصاف والتسامح) وان رأي فالتزبنيامين (لن كل وثيقة من وثائق الحضارة ؛ هي في الوقت نفسه وثيقة من وثائق البربرية ..) صائب ؛ ألا أننا نجد في هذا (الصواب) قدرا من التجني ؛ فنحن لايمكن أن نعد كل وثقيه بربرية ؛ على الرغم من إدراكنا أن البربرية هنا ليست بمعناها التعسفي بل بمعناها المتخلف ؛فالبربرية لم تقصد ؛ ولكنها النواة البكر التي تحتاج غالى من يكشف عنها ..
من هنا يجيء إهداء المترجم إلى كل أولئك الذين يؤمنون بأن البشرية ليست مدعوه إلى سداد فاتورة (خطيه أصليه ) لم ترتكبها صادقا مع أن هذه الخطيئة في الجهل الغير المقصود الذي عاشته أقوام عده ؛ لم يقصد بقدر ما الزمت به هذه الأقوام الضعيف من أقوام غازيه قويه .. مثلما فعلت أمريكا ضد الهنود الحمر .
وتقول مراجعة الكتاب : فريال جبوري غزول : خمسه قرون مضت على اكتشاف كريستوفر كولومبس للكاره الامريكيه ؛ لكننا اليوم نتحرج من استخدام مصطلح (اكتشاف ) لان ألكلمه في هذا السياق تتضمن عنصريه وتمحورا أوروبيا ومركزيه غربيه ؛فالمكتشف أوروبي والمكتشف هو القارة التي كانت حينذاك مجهول لأوروبا والعالم القديم ؛ولكنها معروفه عند أهلها وعامره بسكانها الأصليين ذوي الحضارة العريقة مثل الازتيك والانكا والمايا وغيرهم ؛ إن (الاكتشاف ) هنا هو اكتشاف من وجهة نظر الأوربي ؛لا من وجهة نظر سكان أهل البلاد القاطنين فيها ؛وبهذا تكون كلمة (اكتشاف ) التي استخدمتها أوروبا التوسعية حامله في ثناياها أيديولوجيه تضخم الذات الاوربيه ؛وتغييب الآخر اللااوروبي ؛فهي حتما تعبير لايمكن أن يستخدمه سكان القارة الأصليون ؛لان هذا الحدث لم يكن اكتشافا لهم على الإطلاق ؛وان كان اكتشافا من وجهة نظر الآخر فقط.
وتضيف قائله : أطلق على القارة (أمريكا ) نسبه إلى امريكو فيسبوتشي (1451-1512) الذي توصل إلى هذه القارة ؛التي ظنها كولومبس امتدادا للهند ؛ ليست في الشرق الأقصى بل هي قار أخرى لم تعرف من قبل وهذا العالم بالنسبة لأهله ومواطنيه ليس جديدا ولا مستحدثا ؛ بل ضارب بجذوره في أعماق التاريخ .. وبعد عام 1492 عام اكتشاف الآخر والقضاء عليه كذلك ؛مثلما هو العام الذي سقطت فيه غرناطة وبدت اسبانيا في التخلي عن اندليسيتها والتنكر لرافدها العربي والإسلامي ؛وقامت بترحيل كل من شكل آخر في عرفها ..
وفي (فتح أمريكا) يكشف تودوروف لم يبتعد عن الدافع الأخلاقي والتوجيهي في دراسته لتاريخ الغزو الأوروبي للقارة الامريكيه بوصفها سردا وقصا ذا مغذى .
وهذا يعني أن تودوروف لم يبتعد عن حقله الأهم في دراسة السرديات وأبعادها ..ولا اهتمامه في المناهج التاريخية ولا ريادته المعرفية .. بل هو يعمقها ويوغل في تفاصيل جذورها .. حتى أن إهداء هذا الكتاب الصادر في فرنسا عام 1982م :اهدي هذا الكتاب إلى ذكرى أمراه من المايا التهمتها الكلاب . لايخرج عن تفاصيل الفن القصصي .. بل يعيش في صميمه .
وفي رحلة كولومبس الأولى في القرن السادس عشر ..كان اقتراف أوسع اباده في تاريخ الجنس البشري .
فهل يمكن أن تعد مثل هذه (المرحلة)/ (اكتشافا) إذا ما علمنا أن إبادة الجنس البشري كان من ابرز أساليبها ؟
يقول تودوروف : لايوجد من دافع من وراء رحلة كولومبس غير الجشع المبتذل .. كولومبس ؛يعرف قيمة الثروة المغرية ؛وقيمة الذهب خصوصا ؛وهو على طريق وعد الوصول غالى الذهب يعيد الاطمئنان للآخرين في الأوقات الصعب .
كذلك كانت هذه الحملة لا تحقق الفائدة لكولومبس وصحبه بل لحكام اسبانيا الذين سهلوا أو غامرو وشاركوا في ألرحله ..
أما دوافع ( الفتح) فتقوم على : دافع بشري / الثروة ودافع قدسي ؛ ودافع الابتهاج بالطبيعة .. في عالم تتألف ستة أجزاء منه من اليابسة ؛ ويتألف جزء واحد من الماء ..
وتعد (القدسيه ) هنا من الدوافع التي يراد من خلالها كسب ود الآخر وثقته ؛ في حين تشكل حقيقتها العكس تماما ؛بل هو دافع موغل في الشر والعدوانية .صحيح أن ما ذهب إليه كولومبس في كتابه (النبوءات ) 1501ويعترف فيه : لقد عشت من الصغر حياة البحارة ؛ وهو شي ما زلت افعله حتى اليوم ؛ وهذه المهنة تقود من يرتبط بها إلى الرغبة في معرفة أسرار العالم ؛ إلا أن معرفة الأسرار .. لا تتطلب إبادة الآخر؛ ولا الجسارة على قطع جذور الآخر ومحاولة إنبات جذور بخلق لا صله لهم بالأصل .. وإنما هم غرباء عنهوحتى يبعد هذه ألغربه ؛ لجا إلى معرفة الطقوس التي يؤمن بها السكان الأصليون .. فعرف موعد خسوف القمر ؛وهددهم بسرقته وحدد موعدا للتنفيذ أمام زعمائهم ؛الآمر الذي أذاع الرعب واقر النجاحوتصرف كولومبس كما لو انه كان يوازن فعل الدين والذهب ؛وبات الأسبان يقدمون الدين ويأخذون الذهب ؛في حين يعود الهنود في حالة مساواة أمام (الرب) فكيف إذا لم يكونوا في حالة استعداد لتسليم ثرواتهم ؟
في هذه الحالة ولدت فكرة إخضاعهم بالقوة 
..
وهكذا يحرق الأسبان كتب المكسيكيين حتى يتمكنوا من محو ديانتهم ويهدمون آثارهم حتى يتسنى لهم القضاء على أية ذكرى لعظمه سابقه ؛ إلا انه قبل ذلك بمائة سنه ؛خلال عهد اتزكواتل ؛ كان الازتيك أنفسهم قد دمروا جميع الكتب القديمة حتى تتسنى لهم كتابة التاريخ بطريقتهم .
من هنا تبين أن محاولة إلغاء الآخر ؛كانت محاوله قائمه ومستمرة لذلك برزت ظاهرة تغيب الآخر بشتى السبل ..
والعمل على قطع جذوره كليا !.
حتى تمثل (الفتح الديني ) في إزالة صور معينه من مكان مقدس وإحلال صوره أخرى محلها .. مع الاحتفاظ بأماكن العبادة وحرق الأعشاب العطرية أمامهاوالهدف الخفي في مسح الآخر ؛لا ينجز ما هو معلن .. فالعلن شيء أخر وقد يكون خداعا وفعالا ؛لكنه من جانبه الخفي ..هو ما كان ينجز .
في حين تذهب إحدى الأساطير إلى أن الهنود الحمر شعب يجهل الكذب .. وان الرهبان الأوائل رصدوا بشكل خاص سمتين لدى الهنود ؛؛إنهم أناس صادقون للغاية ؛ وإنهم لايمكن لهم أن يأخذوا ثروة الآخر حتى وان بقيت في الشارع على مدار عدة أيام . والصادق في العادة يعتقد أن الناس كلهم لا يعرفون الكذب الأمر الذي يسهل الأمر على الكذب لممارسة دوره بشكل غاية في الاطمئنان .
وعلى وفق مفهوم ( أن الحظ يحالف دائما الجسورين ) وان المرء عندما يكون ضعيفا ؛ هو أن يجعل الآخرين يتصورون انه قوي ؛ولا يدعهم يكشفون الحقيقة .. كانت مغامرة ( فتح أمريكا ) وكان من الإجراءات البارزة .. ان يشطر الرجل بضربه واحده ، والمعاملة وكأن الآخرين مجرد بهائم حتى تم إلقاء أربعين من بينهم إلى الكلاب وتم تقطيع الأيدي والأنوف والألسن والأعضاء الأخرى .. مثلما يقطعون أثداء النساء أو أيدي الأطفال وأذرعهم وأرجلهم لأنهم لم يكونوا يمشون بالسرعة التي تمشي بها أمهاتهم .. هذا ما فعله الراسبان بالهنود الذين يكرهونهم وسلبهم ذهبهم .
وذلك انطلاقا من الطموح إلى السلطة والثراء والسيطرة على قوم يعدونهم أدنى منهم وأنهم يحتلون مرتبه متوسطه بين البشر والحيوانات ..وان شحمهم يساعد على علاج جراح الأسبان ، وان دمهم يستخدم لري البساتين وثمن المرأة يزيد تبعا لحملها ام لا .. وتجميل الهنديات للحصول على أثمان أعلى ،حتى ان استخدام الشعائر اتخذ حجه للتنديد بهم .
ويخلص تودوروف في كتابه إلى ان : اسبانيا تلعب الدور الأول في حركة استعمار الآخرين وتدميرهم ، وهي ليست الوحيدة ، إذ يلحق بها عن قرب كل البرتغاليين والفرنسيين والانجليز والهولنديين وينضم إليهم كل من البلجيكيين والايطاليين والألمان .
ان هذا الشخص يؤكد رغبة الآخر في الاستحواذ على مقدرات سواه وثرواته بشتى السبل .. من دون ان مراعاة للإنسان حسب ...
ان كولومبس (1452-1506 ) الايطالي الأصل كما هو شائع – عمل مع الأسبان ومع أقوام مختلفة ودرس الطبائع من اجل الهيمنة على الهنود الحمر .. وظهور أمريكا على أراضيهم وجعلهم في حالة مستضعفه ومهينه وهامشيه بين الأقوام كافه التي استوطنت ما يسمى الآن ( أمريكا ) هذا المواطن الذي يعود في أصله إلى الهنود الحمر ، الذين باتوا شعبا مغلوبا على أمره .. وقد كشف تودوروف حقيقة هذا ( الفتح ) الأمريكي الذي قام به كولومبس من اجل السلطة والمال على حساب شعب امن .. حتى تسود أمريكا وتغتني وتصبح ألدوله التي لا ترى للآخر وجودا .. ولا تعد وجوده مسألة تذكر !
*******************

**
فتح أمريكا / مساءلة الآخر ، تأليف : تسفيتان تودوروف ، ترجمة : بشير السباعي ، مراجعة ، فريال جبوزي غزول ، الناشر : دار سينا للنشر ، القاهرة ، ط1/1992- ص 283 .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 303 مشاهدة
نشرت فى 12 أكتوبر 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

366,363