authentication required

 

 

د/ محمد ناصر الخوالده
** حكاية / محمد أبو الحاج ( أبو ألرفاعي ) ......
قسموها وأنت نايم يا أبو الغنايم !

عبر الليالي الطويلة والصمت يطبق فوق الرؤوس ذات العيون بلا تعبير .
أعين تتبادل النظر الشاخصة بحزن والوجوه الجامدة لكأنما تستطلع وجه الكارثة , كارثة ضياع الأرض والهجرة القسرية عام 1948 .
تجمع الشباب ورجال عركتهم الأيام وشيوخ يتحلقون , الهم واحد . والفكر واحد , كما كان الجرح واحدا .
لقمة الخبز غدت اليوم ضنينة والغذاء والكساء لم يعد بعد مورد رزق , أما السماء فملاذا للدعاء وأطبقت الأرض على بلوائها , وغدا الاهلون في شتى وحدة واحدة , كانت الصورة جدا كئيبة !! 
وعلى مدى السنين الطويلة وعبر الليالي والأيام كانت الحياة يملؤها الهدوء في بلدة بيت دجن _ يافا , حيث عاش أهلها في حركة دائمة يتحركون إلى الأرض إلى البيارات والمزارع , حيث يعيشون منذ أن عرفت تلك الأرض الإنسان بكل تطوراته , كانت أرضهم دائما معهم في أيامهم مع أحلامهم وعبر أمانيهم .
( أبو ألرفاعي ) , أحد سكان هذه البلدة , يافع العود , نشيط الهامة , لكنه مصاب بلوث عقلي يظهر به عندما يطيل الحديث أمام محدثه .
كان يقضي وقته مع أصاب البيارات , حيث نسائم الأرض تبعث فيهم الحياة وتشرح الصدور المثقلة بالهم فتعود وقلوبهم تتراقص فيها فرحا وحبورا . كانوا يعيشون في بلدتهم بين البيارات يرقبون نمو ثمارها , يقطفونها ... حتى حينما تدق في وجوههم فروعها وأغصانها فلا يكادوا يشعرون . 
هنا أمنية جميلة تتحقق . وهنا صورة خالدة يكررها الزمن ولكن في ظرف وأي ظرف حيث لا يعرفون ماذا يخبئ لهم هذا الزمن وكانت لقمة العيش من الأرض والبيارات والمزارع ومع استمرارية العمل كانت الحياة . 
وذات ليلة داهمهم أبو الرفاعي , يحمل تنكه وعصى يدق بها تنكته ويصيح بأعلى صوته 
- يا رجال البلدة .
- يا نساء البلدة.
- يا أهل البلدة . 
- قسموها وأنت نايم يا أبو الغنايم , كله راح يشرق والمغربّْ راح يبقى غريب .
وظل أبو ألرفاعي على هذا الحال , يحمل تنكته , ويذهب إلى حيث يعمل أهل البلدة , يطعمون من جهدهم وعرقهم بياراتهم ومزارعهم , ليكسبوا منها .
- مضت الأشهر وأبو ألرفاعي يدور ويلف ويصيح بالناس : 
- قسّموها وأنت نايم يا أبو الغنايم . 
والناس ينظرون أليه بابتساماتهم ألمملؤة بالعطف عليه وأبو ألرفاعي يصول ويدور .
- ماذا تستفيد من هذه التنكة يا أبو ألرفاعي ؟ 
- احرس بها بياراتكم وأرضكم التي هي أرضنا . 
- لكنها مجرد تنكه مهترئة . 
- لأنكم لم تعرفوا معنى نغماتها , تقولون مهترئة .

- تنكتك تزعجنا .
- سنصادرها . 
- عذبوني ... اشنقوني , اقطعوا لحمي مزقوه على كل شبر من بياراتكم , ولكن أريد هذه ألتنكة المهترئة , وأصحى يا نايم , قسموها وأنت نايم يا أبو الغنايم ... 
- صودرت التنكة , وظل أهل البلدة يبتسمون لأبو ألرفاعي وزاد الطين بلاء وتنكيل الأطفال به , وهو مع كل يوم ينادي بأعلى صوته : 
- قسموها وأنت نايم يا أبو الغنايم , كله راح يشّرق والمِغْرّب راح يبقى غريب . 
ومضت الأيام .
وذات ليلة داهمهم المحتلون الجدد , جحافل الغزاة , تنصب لأبناء البلدة والقرى والمدن الأخرى الشراك , اغتالوا الشباب وفارق الأطفال أمهاتهم , وذبل الأمل فوق الرُبى العزيز مع الرحيل القسري .
ومضت السنوات الطويلة , بأيامها سوداً وبيضا لا نكاد تميزها . 
عاد الأطفال ممن عايشوا أبو ألرفاعي وحكايته تدور في رؤوسهم , عادوا للحكاية , حكاية البيارات ليقطعوا الثمار ولكن يزرعون شتى أنواع المقاومة .
وها هم عادوا من جديد لتبدأ رحلة جديدة وأسطورة جديدة بمقاومة متذكرين أبو ألرفاعي وحكايته يكررونها لأطفالهم أيضا , قسموها وأنت نايم يا أبو الغنايم !! .

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 303 مشاهدة
نشرت فى 26 يوليو 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

366,337