السياسة الأمريكية في الشرق العربي وفشل الحرب على الإرهاب.
قد خسر الرئيس بوش تأييد غالبية الأمريكيين فيما يتصل بشؤون الاقتصاد والبيئة والحرب فى العراق، ولكنه مازال يحظى بدعم الأغلبية فى مجال واحد بارز: وهو تعامله مع الحرب على الإرهاب.
وفى الحقيقة، فإن محللين كثيرين يعتقدون أن بوش فاز فى انتخابات 2004، لأن عددا كبيرا من الناخبين المترددين توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه قد يقوم بعمل أفضل فى هذا المجال، بما لا يستطيع منافسه جون كيرى إتيانه. وبالفعل، فإن نسبة التدنى فى شعبيته حسب استطلاعات الرأي، يلتف عليها جورج بوش بدعوى حنكته المزعومة فى مكافحة الإرهاب، وهو ما جعله يذهب إلى القول أخيرا، بأن شرعيته بين عامة الناس لا غبار عليها. ولكن هل كان بوش حقا فاعلا فى مكافحة الإرهاب؟ وباستمرار هذه الحرب على الإرهاب -دون أى علامة على النصر فى المدى المنظور- تبرز أسباب وجيهة للشك فى كفاءته إزاء هذا الأمر، والذى يظل أكثر مسؤولياته الرئاسية مدعاة للنقد والتجريح.
دعنا إذن ننظر لبعض الوقت فى وجهة نظر الرئيس بشأن "الحرب الشاملة على الإرهاب". ففى حين يستمر البيت الأبيض فى مساعيه لنشر هذه العبارة وجعلها تشمل كل شيء من الحرب فى العراق إلى حماية أنابيب النفط فى كولومبيا، فإن معظم الأمريكيين ينظرون إلى المسألة عن روية وبمفردات أكثر حصرا، كصراع عالمى ضد المتعصبين المسلمين الذين يسعون إلى معاقبة الولايات المتحدة على سلوكها المناهض للإسلام، ولتحرير الشرق الأوسط من النفوذ الغربى من خلال أعمال عنف يائسة. وهؤلاء المتعصبون- أو "الجهاديون" كما يطلق عليهم غالبا - يشملون الأعضاء الأصليين فى تنظيم القاعدة إلى جانب جماعات أخرى تعلن ولاءها وبيعتها لمعتقدات أسامة بن لادن، ولكنها ليست بالضرورة على صلة مباشرة بأعضاء قيادته الملازمين له. وفى هذا النزاع الذى يتمنى عامة الناس أن ينجح فيه جورج بوش، وفى هذا النزاع بالذات نجده خائبا فاشلا.
فلماذا يكون الأمر هكذا؟ إن ذلك يعزى فى نظرنا إلى طبيعة المسؤوليات الأساسية للقائد الأعلى فى زمن الحرب. وبالتأكيد، فإن مهمته البالغة الأهمية هى -بمساعدة كبار المستشارين- وضع استراتيجية لهزيمة أو على الأقل لكبح جماح العدو، وتعبئة القوى والموارد اللازمة لتنفيذ هذه الخطة بنجاح. واختيار أساليب المعركة - أى إدارة العمليات القتالية يوما بيوم- لا ينبغى من جهة أخري، أن يكون من مسؤوليات القائد الأعلي، وإنما يتم تفويضها إلى محترفين مجندين لهذا الغرض؛ وبوش فشل فى الأمرين معا، عندما اعتمد خطة تشوبها عيوب كثيرة، لخوض الحرب على الإرهاب، ثم عندما حشر نفسه بشكل مفجع فى الأساليب المتبعة فى تنفيذها.
العثور على مركز ثقل الإرهاب
ومثلما علّمنا كبار العارفين بالإستراتيجية، فإن وضع إستراتيجية ناجحة يتطلب أولا وقبل كل شيء، الفهم الجيد للخصم والتحديد السليم لنقاط قوته وضعفه. وحالما يتوفر ذلك، فإنه يصبح من الضرورى ابتكار طريقة للهجوم تستغل جوانب ضعف ذلك العدو وتقوض قواه. وفى لغة الحرب الحديثة، فإن هذه المهمة كثيرا ما توصف بأنها تحديد مركز ثقل العدو وتدميره.
وعلى سبيل المثال، ففى كل من حرب الخليج سنة1991، وغزو العراق فى 2003، نجح مخططو الحرب الأمريكيون فى معرفة وتحديد مركز ثقل العراقيين بشكل صحيح، وذلك بحصر هذا المركز فى البنية الشديدة المركزية من أعلى إلى أسفل لقيادة نظام صدام حسين؛ وحالما تم شل هذه البنية فى بداية الحرب، أصبحت القوات العراقية المقاتلة فى الميدان، بالرغم من قدرتها وتفانيها - مكشوفة وعاجزة عن الأداء الفعال، ومن ثم تلقت هزيمة بكل سهولة. وفى الحرب الدائرة فى العراق الآن، وخلافا لذلك، عجز القادة الأمريكيون حتى الآن عن تحديد مركز ثقل العدو، وهو ما جعلهم غير قادرين على وضع إستراتيجية فعالة لهزيمة المتمردين.
فماذا يكون إذن مركز ثقل العدو فى الحرب على الإرهاب؟ إن هذا هو السؤال المحرج، الذى لم يستطيع الرئيس بوش وكبار مستشاريه العثور على جواب صحيح له. ووفقا للرئيس بوش، فإن مركز ثقل الإرهابيين كان هو الدعم والمأوى اللذين يحصلون عليهما من أنظمة "مارقة" مثل طالبان فى أفغانستان وربما من صدام حسين فى العراق، وكذلك من الملالى فى إيران. وإذا تم القضاء على هذه الأنظمة جميعا، كما جادل البيت الأبيض طويلا، فإن الإرهابيين سوف يجدون أنفسهم ضعافا معزولين، وتلحق بهم الهزيمة الساحقة. "وفى اليوم ذاته لهجمات 11/9"، كما ذكرت كوندوليزا رايس لاحقا، "قال لنا بوش نحن مستشاريه، إن الولايات المتحدة واجهت نوعا جديدا من الحرب، وأن إستراتيجية الحكومة ينبغى أن تنقل المعركة إلى حيث يوجد الإرهابيون. وفى تلك الليلة أعلن للعالم بأن الولايات المتحدة سوف لن تميز بين الإرهابيين وبين الدول التى توفر لهم المأوي". ومن هذه المقدمة الأساسية، جاء كل شيء آخر تباعا: الحرب فى أفغانستان، الحرب فى العراق، والإعداد الجارى الآن لحرب فى إيران.
إن الإطاحة بنظام طالبان قد أزالت مأوى هاما وقاعدة تدريب أساسية لتنظيم القاعدة، ولكن هل كانت الأنظمة المارقة حقا هى مركز الثقل بالنسبة للتهديد الإرهابي؟ إن أحداث السنوات القليلة الماضية تثبت دون لبس، أن الأمر لم يكن كذلك، فى ذلك الحين وحتى الآن. -وفى الواقع فنحن نعلم أنه لم تكن توجد صلات تذكر بين نظام صدام حسين والقاعدة-. وحركة طالبان ونظام صدام أصبحا الآن فى خبر كان، ولكن القاعدة مازالت توجه هجماتها إلى المصالح الغربية فى العالم بأسره، وتبرز ظواهر جديدة من النزعة الجهادية فى كل لحظة.
لقد كشفت القاعدة بوضوح عن مدى "خفة حركتها ومرونتها وقدرتها على التكيف"، هذا ما لاحظه خبير الإرهاب بروس هوفمان من "مؤسسة راند" فى مقال له فى مجلة "التاريخ المعاصر" Current History : "وبالنظر لقدرة الجماعة الرائعة على الاستمرار، فإن ضياع أفغانستان لا يبدو أنه أثر على قدرة القاعدة فى شن هجمات إرهابية بالقدر الذى كانت ترومه الولايات المتحدة". فأفغانستان مكنت بن لادن من الحصول على مرافق للتدريب ومسالك للإمداد وما شابه ذلك، "ولكن هذه المعسكرات والقواعد هى أبعد ما تكون صلة بتنفيذ حملة إرهابية دولية - مثلما أثبتت ذلك الأحداث مرارا منذ 11/9".
وبعيدا عن عرقلة القاعدة وفروعها، فإن الإطاحة بحكم طالبان وبنظام صدام حسين بوجه خاص، كان بمثابة النعمة التى أسبغت على جهود القاعدة وأتباعها؛ فالحرب والفوضى فى الشرق الأوسط، بوجود قوات أمريكية تعمل كقوة احتلال- قد أثبتت أنها توفر الأوضاع الأمثل، التى تغذى حركة جهادية متعددة الجنسيات غايتها هى معاقبة الغرب. وكما ورد فى تقرير حديث العهد للسي.آي.إيه، فإن جهاديين مفترضين من جميع أنحاء العالم يتدفقون الآن على العراق لمقاتلة الأمريكيين واكتساب خبرات قتالية حساسة يمكن استخدامها لاحقا فى بلدانهم. وحسب خلاصة لتقرير منسوب إلى السي.آي.إيه أوردتها صحيفة النيويورك تايمز، فإن الوكالة استخلصت نتيجة مفادها "أن العراق ربما يثبت أنه ساحة لتدريب الإسلاميين المتطرفين أكثر فاعلية مما كانت عليه أفغانستان فى الأيام الأولى للقاعدة، لأنه -أى العراق- بات بمثابة المختبر العالمى الحقيقي" بالنسبة لمقاتلين يرغبون فى تحسين مهاراتهم فى حرب المدن. ويتبين من ذلك أنه كلما امتد بقاء الجنود الأمريكيين فى العراق، كلما تعاظمت استفادة الإرهاب العالمي. وفى الحقيقة، فإن كبار المسؤولين فى السي.آي.إيه قد أبلغوا زعماء الكونغرس بأن الحرب فى العراق "من المرجح أن تنشأ عنها عواقب خطيرة، بالانتشار إلى بلدان أخرى لمقاتلين عراقيين وأجانب أشد مراسا وأفضل تنظيما مما كانوا عليه قبل بداية النزاع".
وهذا التكهن لم يلبث أن تأكدت صحته فى الأشهر الأخيرة بحصول هجمات إرهابية فى الأردن وأفغانستان تحمل العلامات المميزة لأسلوب القتال الجارى فى العراق، بما فى ذلك استخدام التفجيرات الانتحارية فى المناطق الحضرية وزرع العبوات الناسفة المصنعة يدويا على حافة الطرق. وعلى سبيل المثال، فإن التفجيرات القاتلة فى العاصمة الأردنية عمان، يوم 9 نوفمبر-تشرين الثانى 2005، قد وصفها مسؤولون فى المخابرات الأمريكية بمثابة جهد بات يبذله أبو مصعب الزرقاوى -قبل مصرعه- زعيم قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين على طريقته الخاصة، من اجل أن يصار إلى تطبيق الأساليب القتالية التى جرى حذقها وتطويرها فى العراق، وذلك على أقطار أخرى تحكمها أنظمة موالية لأمريكا. وبالمثل، وفى أفغانستان، فإن مسؤولين أمريكيين ذكروا للصحافيين أن المقاتلين هناك يتزايد اقتباسهم من دليل العمل الذى يسترشد به المتمردون فى العراق، ويتزايد استخدامهم للقنابل على حافة الطرقات وللهجمات الانتحارية.
والمسؤولون الأوروبيون أصبح يساورهم القلق إزاء هذه الظاهرة بوجه خاص؛ فهم يخشون عودة مقاتلين إسلاميين إلى أوروبا بعد أن تسللوا إلى العراق لاكتساب خبرة قتالية ممتازة. فقد صرح أحد كبار الضباط فى المخابرات الفرنسية أواخر 2004 بقوله: "نحن نعتبر أن هؤلاء الناس يمثلون خطورة فعلية، لأن من يذهبون سوف يعودون حالما تنتهى مهمتهم. ثم إنهم قادرون على الاستفادة مما تعلموه هناك واستخدامه فى فرنسا، وأوروبا أو الولايات المتحدة. فالأمر لا يختلف عما حدث بالنسبة لأولئك الذين ذهبوا إلى أفغانستان أو الشيشان".
ترقيع الحرب على الإرهاب
وبوضوح، فإن تعريف بوش للأنظمة المارقة بأنها تمثل مركز الثقل للإرهاب المعادي، قد ثبت بطلانه؛ كما تبين على ضوء هذا الفشل، أنه كان عاجزا عن تحديد هذا المركز تحديدا صائبا. ومثلما يذهب معظم العارفين المتميزين بالرصانة والراسخين فى علم التطرف الإسلامي، فإن الجانب الأهم فى قوة الجهاديين يكمن فى قدرتهم على التعبير والتبشير برسالتهم فى الكفاح الذى لا يلين، بما من شأنه أن يلهم ويثير همة آلاف الشبان المسلمين الذين تقطعت بهم الأسباب فى سائر أرجاء العالم. وعلى غرار ما أوجزه الباحث هوفمان من مؤسسة راند، فإن القاعدة تطورت باتجاه جعلها تصبح "حركة غير منتظمة الشكل ذات صلات ضعيفة بين أعضائها ويرتبطون بقيادة فضفاضة، أكثر مما هى منظمة واحدة متجانسة على المستوى العالمي، على رأسها قيادة معروفة وجهاز صارم للرقابة والتحكم، وإنما انتهت إلى نوع من المؤسسة الواسعة المتشعبة - أو حركة عالمية عابرة للحدود القومية ولها ممثلوها المحليون، الذين لا تقوم بينهم سوى صلات عقائدية لا تخضع لمركزية معينة أو قاعدة تعبوية محددة، وإنما يتولى كل تشكيل أو فصيل وضع برامجه وأهدافه بصفة مستقلة".
وبجلاء لا تشوبه شائبة، فإن هزيمة هذه "الحركة" يقتضى وضع إستراتيجية تختلف جدا عن هذه المتبعة الآن من قبل الولايات المتحدة. فبدلا من الهجمات العسكرية على الدول المارقة، فإن الأمر يستوجب توفر القدرة على الوصول والتعرض إلى من يعينون أنفسهم غالبا "ممثلين محليين" للقاعدة، حتى يتم القضاء بالعجز على الجهاز الدعائى للحركة، والاهم من أى شيء آخر، نزع الثقة عن خطابها الموجه عبر رسائلها. وعلى مستوى أشمل، فإن هذا يستدعى أن تتخذ الولايات المتحدة موقعا لها فى صف القوى التقدمية بالشرق الأوسط بالانسحاب من العراق وإنهاء الدعم الأمريكى للأنظمة الرجعية والقمعية، والتى على شاكلة النظامين المصرى والسعودي. وعلى صعيد تكتيكى خالص، فإن ذلك يعنى تطوير علاقات متجانسة مع المسؤولين الاستخباريين المحنكين فى البلدان الأخري، والنهوض بإستراتيجية للاتصالات تستهدف نزع الشرعية عن دعوات الجهاديين العنيفة فى أنحاء العالم الإسلامى - وهو جهد لا يمكن أن ينجح إلا إذا حظى بمساعدة المسلمين المعتدلين القابلين للتعاون مع الولايات المتحدة.
والحاجة إلى إستراتيجية من هذا القبيل جرى الإفصاح عنها على الأقل، من جانب بعض خبراء الإرهاب فى الولايات المتحدة، وعدد كبير من المسؤولين ذوى المعرفة والمصداقية فى أوروبا. ولكن أولئك الخبراء الأمريكيين الذين دافعوا عن مقاربة كهذه تعرضوا مرارا للإحراج والتسفيه، بسبب تشبث الرئيس بوش، الذى لا يتزعزع - بمقاربته الخاصة به والتى ثبت فشلها بالدليل القاطع.. فلم يسمح بأى خروج على خطة البيت الأبيض الرسمية ذات الصلة. ولجعل الأمور تزداد سوءا، أصر بوش وكبار مستشاريه على حصر إدارة الحرب على الإرهاب فى نطاق ضيق للغاية، وإتباع أساليب تزيد من ضخامة الأضرار الناجمة عن إستراتيجيتهم الخائبة.
وكان الضرر الأكبر قد حصل بسبب القرار الذى اتخذه مسؤولون كبار بالإدارة بمن فيهم الرئيس ونائبه ووزير الدفاع، ويتعلق بالطرق المتبعة فى اعتقال وحبس وانتزاع المعلومات من المشتبه فيهم كإرهابيين ومن لهم صلة بهم. والأكثر دلاله، فإن هذا يشمل قرارات تبيح اختطاف المظنون فيهم على أراضى دول صديقة، واستخدام أوروبا كمحطة توقف وعبور فى رحلات نقل أو "تسليم" المشتبه فيهم إلى بلدان فى آسيا والشرق الأوسط، حيث يجرى تعذيبهم هناك بصورة روتينية لانتزاع اعترافات منهم بالقوة، كالسماح للمحققين الأمريكيين باستخدام أساليب استنطاق هى بأى تعريف معقول، تشكل ضربا من التعذيب، وغض النظر عن إساءة معاملة السجناء المسلمين فى عهدة الأمريكيين -سواء فى أبو غريب، غوانتانامو، أو فى السجون السرية لوكالة المخابرات المركزية بأفغانستان وأوروبا وغيرها-. وهذه القرارات، منفصلة ومجتمعة، أدت إلى شدة نفور الحكومات ذاتها والشخصيات الدينية نفسها، والتى تدعو الحاجة بإلحاح إلى مساعدتها من أجل تنظيم حملة قوية وناجحة ضد تنظيم القاعدة وتفرعاته.
ولتقديم مثال واحد فحسب عن المشاكل التى أصابت الولايات المتحدة جراء كل هذا، نذكر أنه فى يوم 24 ديسمبر-كانون الاول، أصدر قاض إيطالى أذون اعتقال ضد 22 من أعوان السي.آي.إيه الذين تم التعرف عليهم - عمدوا إلى اختطاف رجل دين مصرى فى مدينة ميلانو خلال سنة 2003، وقاموا "بتسليمه" إلى مصر حيث تعرض للتعذيب بعد ذلك، على يد ضباط أمن مصريين. وقد أحدثت هذه المسألة ضجة كبرى فى إيطاليا مما أرغم حتى رئيس الحكومة -السابق- سلفيو برلوسكوني، وهو فى عداد الحلفاء الموثوقين للبيت الأبيض- على النأى بنفسه عن سياسات الولايات المتحدة - القائمة على التمسك بمشقة بالغة ودون أى مكسب، بحلفاء فى الحرب على الإرهاب.
وبنفس القدر من إثارة المخاوف، يأتى تزايد المشاعر المناهضة لأمريكا فى أوساط علماء المسلمين ضمن "التيار الغالب" فى أوروبا. فهم الذين يستثيرهم ما يمثل فى نظرهم حملة أمريكية لا هوادة فيها ضد العالم الإسلامي- الانتهاكات والتجاوزات التى حصلت فى أبو غريب وكشف النقاب عنها، وفى غوانتانامو وأماكن أخري، بالاقتصار على ذكر آخر المستجدات المؤكدة فى هذا الصدد - إذ أخذ رجال الدين هؤلاء فى بث رسالة نضالية، ينازع ضباط الاستخبارات الأوروبية- بأنها تحرض الشبان المسلمين على - أو تلهمهم على الأقل - فكرة التطوع للقتال فى العراق أو تكوين منظماتهم الخاصة بهم على غرار القاعدة فى البلدان المتواجدين فيها؛ فقد كانت هناك جماعة من هذا النوع على ما يعتقد الخبراء، تقف وراء تفجيرات قطارات الأنفاق فى لندن يوم 7 يوليو-تموز 2005، والتى قتل فيها 52 شخصا.
على أنه يظل من المتعذر المبالغة فى الأذى الذى أحدثته القرارات الرعناء للرئيس -جورج و.بوش-... أجل، إن هذه الأساليب منافية للمبادئ والقيم الأخلاقية... بلي، إنها انتهاك للمعايير والقيم الأمريكية... نعم، إنها غير مشروعة فى الكثير من الجوانب، وهذا جميعا فى حد ذاته، يكفى لضمان الإدانة فى الكونغرس ومن الجمهور والرأى العام على حد سواء. ولكن الأثر القاتل لهذه القرارات على قدرة أمريكا فى تحقيق النجاح للحرب على الإرهاب، هو ما يشغلنا هنا فى المقام الأول. فتوخى أساليب لا تصلح إلا لمضاعفة النتائج المدمرة لإستراتيجية فاشلة، جعل الرئيس بوش يضمن بالأساس فشل أمريكا وخيبتها. وفى التحليل النهائي، فإن سوء إدارة الرئيس وعدم كفاءته فى قيادة الحرب على الإرهاب قد ساعد الجهاديين على الاستفادة المثلى من قواهم واستغلال جوانب الضعف فى أمريكا.. وهذا لا ينبئ بأى خير بالنسبة لمستقبل السلام والاستقرار فى العالم.
ولوقت طال أكثر من اللازم، قبل الجمهور الأمريكى خرافة الاقتدار الرئاسى فى الحرب على الإرهاب، ولكن بالاتضاح المتزايد للتداعيات الفعلية لعدم كفاءة بوش- وبما يدعو إلى التحسر، من خلال الانتشار المستمر للنزعة الجهادية وتجذرها بقوة- فإن هذا المرتكز الأخير لتأييد الرئيس، يمكن أن يتهاوى قريبا.
وبينما كان 2005 هو العام الذى انكشف فيه للجميع عجز بوش الفاضح فى الشؤون الداخلية من خلال محنة كاترينا ومأساة نيوأورليانز، فإن 2006 قد يثبت أنه العام الذى يعود فيه فشله فى قيادة الحرب على الإرهاب آخر الأمر، ليؤرقه ويقض مضجعه
ساحة النقاش