نظام النديم والطحالب المتسلقة.
كما تحيط الفراشات بالنار أو الضوء ، يزدحم التافهون بأبواب القوة سواء كانت مالاً أو سلطاناً أو نفوذاً .
ولم أعرف في حياتي رجلاً قوياً دون أن أتعثر بأصناف التفا هات التي تحيط به. واكتشفت من خلال هؤلاء التوافه قانوناً لمعرفة معدن الرجال الأقوياء أنفسهم
" وكلما قل التافهون من حول الرجل القوي ، كلما زادت قيمته وصفي معدنه " .
و بالطبع استوحيت هذا القانون من القول العربي القديم " أن نحكم على الإنسان من خلال أصدقائه “. ولكن الرجل القوي، الغني أو السلطان أو صاحب النفوذ، لا أصدقاء له، فلا يحيط به إلا من ينتظر منفعة !
وهؤلاء التافهون لهم قدرة على الاستمرار والتلون والبقاء بدرجة تتحدى وتسخر من كل القوانين الدارونية للبقاء ! فقد تفاجأ بأن أحد هؤلاء يتمتع بالحظوة نفسها لدى أكثر من خصم ، مما يضطرك إلى مراجعة الحكم على هذا التافه ... فلا بد أنه يمتلك عبقرية خاصة تجعله قريباً لكل هؤلاء الخصوم ! عندئذ ، يتطور الحكم لتحليل ظاهرة التافه فهو قد يتمتع بمقدرة خاصة من الرياء والتزلف والاحتيال والذكاء لتمرير نفسه لنيل الحظوة عند الغني أو الحاكم ، أو صاحب السلطة ، ولكنه صاحب نفس دنية وحقيرة أي انه لا صلة بين الكفاءة الذاتية من ذكاء وكياسة وحسن التصرف من جهة ونفسية منحطة خالية من الكرامة ، من جهة أخرى .
وفي التاريخ العربي تقدم كتب الأدب ظاهرة " النديم " الذي يعيش على أقدام السلطان يضحكه وينعم بفتات مائدته ، وهو أي " النديم " يعرف الأدب والشعر ويتمتع بالبديهة الحاضرة والنكتة الذكية ... أي أن " الطحالب المتسلقة " تعبير حديث وهو استمرار بشكل ما لظاهرة " النديم " في تاريخنا العربي.
وحتى الآن لا ضرر ولا ضرار ، كما يقول الأئمة ، فالنديم أو الطحلب المتسلق إذا جاز التعبير في العربية لا يصيب بتفاهته ورخصه ودنو نفسه أحداً بسوء ، ولكن المصيبة حين يجعل الرجل القوي من هذا النديم واحداً من بطانة قوته أو حكمه أو سلطانه ؟! عندئذ لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها وأن نطلق على هذا الوضع " نظام النديم " وهو بالمناسبة نظام عربي خالص وغير مستورد ؟!!!
ساحة النقاش