عندما تصبح الحقيقة محنة وألما !!
هذا النوع من الناس نقابله كثيراً في الحياة .... انه نوع من الناس يكره الامتياز ويعادي التفوق منظر الضعف يريحه ويسعده ، وأوراق الخريف عنده أحلى من زهور الربيع ، ومنظر الدمار يطمئنه على أن العالم بخير .؟!!
هذا النوع من النفسيات يعادي الامتياز في كل صوره سواء كان هذا الامتياز وجهاً جميلاً أو عملاً ناجحاً والدافع الأساسي الذي يحرك هذه النفسيات هو أن أصحابها لا يملكون صفة جميلة تميزهم عن الغير ، وهم في الوقت نفسه لا يعملون ولا يجتهدون لاكتساب هذه الصفة الجميلة ... ومن حقائق الحياة المؤلمة أن الشخص الممتاز نفسه يتيح الفرصة لمثل هذا الموقف ، فهو غالباً ما يكون منصرفاً إلى الأشياء الجوهرية في الحياة ، لا يسمح لنفسه أن تهتم بالأشياء التافهة وهو لا يشعر بأي خطر لهذه الأشياء وكثيراً ما يتصور الناس على صورته .
ويقدم لنا التاريخ نماذج متعددة عن محنة الامتياز وعن سوء النهاية التي كان الممتازون الطيبون يصلون إليها عندما يقعون فريسة للحقد عليهم والإنكار لهم .
سقراط أبو الفلسفة الإنسانية مات محكوماً عليه بالإعدام ولم يفهم طبيعة الحقد الذي ثار ضده من أحد أغنياء أثينا حيث اتهم سقراط بأنه خارج عن دين أثينا ومفسد لشبابها ولم يسارع سقراط إلى علاج المشكلة بحكمة وبراعة ولكنه على العكس واجه الاتهام بقوة ، ظاناً أن المسألة هي معركة فكرية يجب للحق أن ينتصر فيها إذا كان الحق بجانبه .
وهكذا انتهى سقراط بتهمة باطلة - شرب السم ومات - انتهى لأنه كان صادقاً .
وهذا نفسه ما حدث للفتاة الصغيرة المخلصة جان دارك ، فقد حوكمت وأحرقت بعد أن قادت فرنسا إلى النصر وهي مهزومة تكاد تركع تحت أقدام الجيوش الانجليزية .
لقد راحت " جان دارك" ضحية الوفاق بين انجلترا وفرنسا كانت ذات هدف كبير منحها الشجاعة والقوة ، فلم تكن تسعى لخدمة نفسها بل كانت تحاول خدمة بلادها أما رجال فرنسا فكانوا يفكرون في مصالحهم الشخصية ومراكزهم الرسمية . ولم تكن جان تعرف اللف والدوران ولذلك أحرقها هؤلاء الذين خدمتهم وأحبتهم.
وقد علق برنارد شو على حرق جان دارك وإعدام سقراط قائلاً :
" لقد كان لنابليون مقدرة مخيفة كالتي كانت لجان دارك وسقراط ، ولكنه لم يكن صريحاً مجاهراً برأيه ... وكان طموحاً فلم ينخدع في رواجه عند الناس ولم يخطئ معناه أبداً .
وكان المسيح يدرك هذه الحقيقة التي تواجه الامتياز وتعمل على سحقه ، ولكن إدراكه لها لم ينقذه مع ذلك من العذاب الذي ذاقه على يد أعدائه والذين يتظاهرون بحبه وصداقته ، وعندما بدأ اليهود يفتشون عن المسيح عليه السلام لإيذائه وتعذيبه أخذوا يبحثون عن " حواريه " وأصحابه وتلاميذه وكان من بين هؤلاء " بطرس " أخلص التلاميذ والحواريين ، فأنكر معرفته بالمسيح عليه السلام .
وليست هذه الأمثلة التاريخية إلا نماذج مجسدة نجد صوراً كثيرة منها في حياتنا العادية ، ورغم ذلك كله فستظل الإنسانية تشكو من تلك النفسية التي تكره الامتياز وتخشاه ولكن الإنسانية تضع سرها وقوتها في الشخص الممتاز الذي يغامر دائما في سبيل الكشف عن الشيء الغامض فيها حتى يسير من بعده الناس في نفس الطريق .
ساحة النقاش