اللوبي : عبارة عن جماعة ضغط سياسي واقتصادي واجتماعي وأعلامي تكونت بفعل ظروف خاصة للتأثير على مواقف خاصة وتقديم الدعم المادي والمعنوي والفكري لجهة هي بحاجة إلى ذلك ……
و تعمل جماعة اللوبي في البلد القاطنة فيه على المستوى السياسي والاقتصادي والفكري وغيره، وفق خطة دقيقة ومحكمة، وعبر تخطيط شامل أسلوبا ومنهجا يتزامن مع مراحل تنفيذ الأهداف المرسومة.
واللوبي وإن كان يطمح في تحركاته العمل المباشر تحت الأضواء لتحقيق أهدافه المختلفة، إنما يفضل في كثير من الأحيان العمل خلف الستار، فينوب عنه في التنفيذ العاملون في ركابه ليبقى هو بعيدا عن الأضواء والحصول على المكاسب وفق الظروف المحيطة به، أي أنه يمقت الظهور على السطح إلا في حالات تفرض عليه الضرورة برفع الستار. ونرى في سفر اللوبي الصهيوني في أمريكا عدم الولوج أو التورط في أي عمل يقوم به (على مدى أعوام طويلة ) يسبب له صداما مباشرا مع الغير. مما يهيئ له مناخا مناسبا لتوزيع أدوات العمل توزيعا دقيقا على أوكاره وأدواته كما أنه يعتمد في ميادين العمل على توفر المال في المكان الذي يعشش فيه. لهذا فانه يحتضن في صفوفه كبار الأثرياء اليهود للاستحواذ على قسط كبير من الدعم المادي.
والفئة القليلة من اليهود الذين هاجروا في أواسط القرن السابع عشر من أوروبا ( التي لفظتهم ) إلى القارة الأمريكية قد تمكنوا بعد الاستيطان فيها بتكوين اللوبي اليهودي على مختلف الصعد والأنشطة، ثم انضم إليهم اليهود الذين نزحوا بعدهم وانخرطوا في صفوف الأوائل سعيا وراء تثبيت وإرساء قواعد اجتماعية وتجاريه في أمريكا تكون في النهاية نواة صالحة لتشكيل لوبي كبير مترامي الأطراف داخل الولايات المتحدة الأمريكية، يكون- بعد أن يشتد ساعده – صاحب النفوذ والقرار على مجرى الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية ذات العلاقة في مجمل نواحي حياتهم الجديدة في أمريكا، وعن طريقه يتم تقديم المساعدات المختلفة إلى يهود العالم قاطبة. في سنة 1654 م نزح ثلاثة وعشرون يهوديا من أوروبا وحلوا في مدينة " نيو امستردام "،( نيويورك حاليا) فكانوا نواة للجالية اليهودية .. وتدفقت بعدهم هجرات اليهود من أسبانيا والبرتغال في أعقاب سقوط الدولة العربية في الأندلس .. وحينما وجدت بريطانيا في القارة الأمريكية منتجعا لجشعها، تحركت صوب هذه القارة البكر وعملت على السيطرة عليها واستحواذها. فدفعت أعدادا من سكانها للرحيل إلى هناك، ثم وجدت في " نفي " المجرمين والقتلة فرصة للرحيل بهم و زجهم في تلك القارة النائية وفي نفس الوقت وجد يهود بريطانيا أن الهجرة صوب غابات الميسيسيبي وأرض الهنود الحمر فرصة نادرة للخروج من الجزيرة البريطانية الغارقة في بحر من الجشع والتعصب، و الخلاص من " أعداء السامية " فكانت هجرتهم مرة مع القتلة والمجرمين ، ومرة مع حلم الصهيونية لتصبح القارة الأمريكية القاعدة لبناء " دولة إسرائيل الموعودة .. و تصاعدت معدلات الهجرة من عام 1654م حتى عام 1984م بما يقارب من ستة ملايين و نصف يهودي . " (1) 
وسعى اليهود في البداية وخلال هجرتهم إلى أمريكا إلى تشكيل جاليات في المدن الأمريكية الرئيسية لمزاولة المهن التجارية والزراعية والصناعية ذات النفع المادي الكبير، بهدف جمع المال الوفير الذي يستطيعون الوصول به إلى المستوى الاجتماعي والمرموق، والتمكن عند توظيفه، من النفوذ إلى المراكز الحكومية الحساسة والأجهزة الرسمية المختلفة بهدف الاستحواذ أولا على الاقتصاد الأمريكي عن طريق إنشاء المصارف والبيوت المالية والمصانع الكبيرة في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والنفطية، وبما يمكنهم ثانيا من التسلل إلى مراكز الحكم والوظائف العامة الرئيسية في دوائر البيت الأبيض وكافة الوزارات و لأحزاب وأجهزة وقنوات الإعلام الأمريكي .. وتمكنوا بسرعة من بسط السيطرة التامة على النشاط الإعلامي في أمريكا، فاصبحوا بعدئذ القوة الفعالة في تسيير دفة معظم الشؤون الرسمية للولايات المتحدة خصوصا في أروقة مجلسي النواب والشيوخ ودوائر وزارتي الدفاع والخارجية، ودوائر الأمن القومي الأمريكي ودوائر المخابرات المركزية .. ( سي .آي .أي ).
وبعيد الولادة القسرية المشوهة للكيان الصهيوني في منتصف شهر مايس من عام 1948م على أرض فلسطين العربية، أدركت الصهيونية العالمية أن وليدها هذا سينوء مستقبلا تحت مطبات اقتصادية قاتلة وصعوبات عسكرية وأمنية شاقة، وانهيارات اجتماعية كبيرة لربما يتهاوى تحت ضرباتها الموجعة فتؤدي إلى زواله عاجلا ما لم تمده بكل أسباب الحياة والبقاء، و ترعاه الرعاية التامة، وتقدم له المساعدات الضخمة في مجالات مختلفة ... 
وإزاء هذه النظرة الواقعية لمستقبل " إسرائيل " فقد قامت الصهيونية العالمية بتنظيم أعمال اللوبي الصهيوني على نطاق واسع في تنظيمات مؤسسات سياسية واقتصادية ومالية وإعلامية قائمة بذاتها في كل ولاية أمريكية، مع تخصيص ميزانية مستقلة لكل تنظيم على حدة، مع ادارة قانونية ومهنية وذاتية خاصة بها، تعمل جميعها وفق المخطط المرسوم لها والهادف إلى تأييد وتقوية " إسرائيل " في الآفاق السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية. فاللوبي الصهيوني الأمريكي حاليا أصبح دولة داخل دولة ، وإنه المحرك الرئيسي لكل المواقف السياسية والعسكرية والإقتصادية والأجتماعية والإعلامية التي تتخذها حكومة واشنطن إزاء القضايا العامة داخل وخارج امريكا وخصوصا الموقف الإقتصادية والسياسية العالمية على مستوى مجلس الأمن الدولي والهيئة العامة للأمم المتحدة بما لها صلات وثيقة بالكيان الصهيوني على مختلف المستويات وبالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص .

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 128 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

365,925