اختتم في طرابلس مساء السبت المؤتمر الأول للمصالحة الوطنية بين كل أطياف الشعب الليبي بالدعوة إلى سن التشريعات اللازمة لذلك ، ودعا المشاركون في المؤتمر في ختام أعماله إلى سن التشريعات اللازمة لتنفيذ الإنصاف والمصالحة وخاصة التشريعات التي تشمل قانون العدالة الانتقالية، وقانون الإجراءات الخاصة بالمرحلة الانتقالية وقانون العفو عن بعض الجرائم والعقوبات.
http://www.youtube.com/watch?v=GchFeWPtz8s
وأكد البيان الختامي للمؤتمر على ضرورة اتخاذ الحكومة الانتقالية الإجراءات والتدابير اللازمة لتحقيق الإنصاف والمصالحة من خلال "التواصل الجاد والبناء مع أهلنا في كل المدن الليبية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، والوقوف على احتياجات الناس، وتبني أسلوب اللامركزية في تقديم الخدمات".
كما شدد البيان على "تكريم الثوار المقاتلين ماديا ومعنويا والإسراع بوضع برامج محددة تمكنهم من التفاعل والمشاركة في مشاريع التحول نحو بناء الدولة المستقرة المنشودة مع تخصيص الموارد اللازمة لإنجاح ذلك".
وأكد البيان على إنهاء كافة الاعتقالات والمداهمات التي تتم خارج إطار القانون والعودة بالإجراءات المتعلقة بالحقوق والحريات إلى إطار الشرعية والعمل على إحالة الموقوفين حاليا إلى الجهات المختصة وإطلاق سراح من لا تتوفر بشأنهم أية أدلة على ارتكابهم جرائم مع التأكيد على سيادة القضاء الوطني دون غيره.
كما طالب البيان الختامي للمؤتمر -الذي شاركت فيه وفود من بعض الدول العربية ووفد من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- بتبني ميثاق شرف إعلامي من شأنه تعزيز المصالحة الوطنية العليا، ودعم تفعيل مؤسسة الأوقاف والشؤون الدينية لتلعب الدور المناط بها لتحقيق المصالحة الوطنية، وكذلك دعم مؤسسة القضاء بأجهزته المختلفة باعتباره الضامن لاقتضاء الحقوق وفق الشرعية والقانون.
هذا وانطلقت بالعاصمة الليبية طرابلس فعاليات مؤتمر المصالحة الوطني الأول الذي ينظمه المجلس الوطني الانتقالي المؤقت تحت شعار الإنصاف والمصالحة بحضور المستشار مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس والدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين و الدكتور خالد العطية وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري والدكتور عبدالرحيم الكيب رئيس الحكومة والسيد راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي وعدد من السفراء والدبلوماسين وأعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالإضافة إلى حشد من شيوخ القبائل والفعاليات الليبية.
يهدف المؤتمر الى وضع اسس متينة للمصالحة بين جمع قبائل وعشائر الشعب الليبي دون استصقاء لاحد بما فيهم الموالون للطاغية معمر القذافي فضلا عن تعويض المضارين وأسر الشهداء.
وقد استهل الدكتور خالد العطية وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية كلمته أمام المؤتمر وقال إن هناك من يقول إن دولة قطر لها مصلحة في ليبيا ، وأنا أقول نعم لقطر مصلحة في ليبيا، ومصلحتنا في قطر أن نرى ليبيا تنعم بالأمن والاستقرار ، وهذا جل ما نصبو إليه.
وأضاف :" نحن على يقين بأن مشورتكم اليوم سوف تكون القاعدة التي سوف تبنى عليها المصالحة الوطنية واللحمة الوطنية التي حتماً هي الطريق إلى دولة سيادة القانون.
وختم العطية كلمته للمؤتمر الأول للحوار الوطني الليبي مذكراً بقوله تعالى:" الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".
تسامح
من جانبه قال المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي المؤقت أن التسامح والمصالحة أساس إسلامي متين يتعين علينا الاقتداء به وإذا كان هناك من ينادي بالاستفادة من تجارب الآخرين فإن لدينا في ديننا الإسلامي الحنيف نماذج وقدوات عظيمة في التسامح والمصالحة وفي مقدمتها عفو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن أهله عندما فتح عليه مكة كما عفا سيدنا يوسف عليه السلام عن إخوته رغم ما فعلوه به.
ومن نماذج التسامح كذلك ما فعله سيدنا يعقوب عليه السلام مع أبنائه كما أن الصحابة الكرام عفوا عن سيدنا خالد بن الوليد رغم ما فعله بالمسلمين في أحد .
وأكد قدرة الليبيين على استيعاب الذين وقفوا في صف القذافي غير أنه ستتم محاسبة من قتلوا الليبيين أو سرقوا المال العام أو هتكوا الأعراض مضيفاً أنه تم إصدار قانونين في هذا الشأن وهما قانون اعتماد الإجراءات الخاصة بالعدالة وقانون العفو العام وأنه سوف يتم نشر القانونين خلال الشهر الحالي مؤكداً أن ليبيا فوق الجميع .
ونبه المستشار مصطفى عبد الجليل إلى أنه يعول كثيراً على رجال الدين ومشايخ القبائل والمرأة وكل الفعاليات المؤثرة في ليبيا لتحقيق المصالحة.
وفي كلمته أشار الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن الشعب الليبي كما عرفه لا يضمر الحقد ولا البغضاء لبعضه بعضاً ، واصفاً الشعب الليبي بأنه مثل البلور في النقاء والصفاء ، وأنه شعب متسامح بطبعه ، مبدياً إعجابه بجميع من تكلموا قبله حيث ترحموا على الشهداء الذين ربحوا أنفسهم بأن ربحوا الآخرة.
وذكّر القرضاوي الشعب الليبي بما جرى بين سيدنا يوسف وإخوته وعفوه عنهم وما جرى مع قدوتنا وأسوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة عندما جمع صناديد قريش وقد آذوه وفعلوا ما فعلوا وقال لهم :" ما تظنون أني فاعل بكم" قالوا خيراً أخو كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء".
ونبه القرضاوي إلى أن المصالحة لا تعني أن نترك من ظلمونا وأذاقونا العذاب ألواناً يعودون للتحكم في رقابنا من جديد ، إذ لا بد أن نزيحهم بعض الوقت لفترة وقد تكون سبع سنين، حتى لا يعودوا لما كانوا عليه ، كما نبه إلى ضرورة أن يحصل كل ذي حق على حقه ، لأن العدل هدف الرسالات السماوية وعليه قامت السماوات والأرض ، فلابد أن ترد الحقوق إلى أصحابها إلا أن يعفوا عنها ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله.
وحيا العلامة القرضاوي المجلس الوطني الانتقالي الليبي على اعترافه بالمجلس الوطني السوري ، مشيداً بهذه الخطوة المباركة ، ومتمنياً أن يحتفل الشعب الليبي مع شقيقه الشعب السوري وكل الشعوب العربية بنجاح الثورة السورية والثورة اليمنية بتحقيق أهدافهما.
وبدوره ثمن الشيخ الصادق عبدالرحمن الغرياني رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في ليبيا عالياً دور قطر وتونس في دعم الثورة الليبية مؤكداً أنهما كانتا امتداداً للتراب الليبي.
كما أشاد الغرياني بدور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلى رأسه الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد على دورهم في دعم ومساندة الثورة الليبية من خلال الفتاوى التي أصدرها العلامة القرضاوي مؤكداً أنها كانت أحد عوامل نجاح الثورة حيث نزلت على الطاغية وأعوانه كالصاعقة بينما ثبتت قلوب الثوار وزادت من حماسهم وتصميمهم على المضي قدماً في ثورتهم لافتاً الى أن القذافي حاول ابتزاز العلماء المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي ليتوقفوا عن إصدار الفتاوى المؤيدة للثورة إلا أنهم صفعوه على وجهه .
وأكد الغرياني اهمية المصالحة لبناء ليبيا الجديدة غير انه نبه الى ضرورة ان تقوم على اسس متينة وواقعية في مقدمتها العدالة وإعادة الحقوق الى اصحابها حتى تصفوا النفوس .
ولفت الى ضرورة محاسبة من قتلوا او سرقوا المال العام او هتكوا الاعراض وفي نفس الوقت تعويض الشهداء والمصابين وكافة المتضررين .
وشدد على ضرورة العمل على مساعدة الثوار إما من خلال دمجهم في القوات المسلحة او الشرطة او تقديم الدعم المادي الكافي لهم ولو من خلال القروض الحسنة لإقامة مشروعات تساعدهم على بدء حياة جديدة.
واشار الى ضرورة ان تقوم الدولة بتخصيص مبلغ مالي كبير لدعم الثوار واعادة تأهيلهم وتحويلهم من حالة الثورة الى مرحلة البناء .
http://www.youtube.com/watch?v=VaoSkevPuYk
وفي كلمته اعتبر الدكتور عبدالرحمن الكيب رئيس الحكومة المؤقتة أن نجاح الثورة الليبية وضع الحكومة والشعب الليبي امام الكثير من التحديات لبناء ليبيا الجديدة مؤكدا ان نجاح المصالحة الوطنية قضية في غاية الأهمية لانتقال من الثورة الى الدولة مشيرا الى ان المصالحة هي مشروع استراتيجي طويل المدى باعتبارها توافقا للحمة الوطنية.
وشدد على ضرور محاسبة الذين ارتكبوا جرائم التعذيب والاغتصاب والقتل الجماعي والذين سرقوا المال العام وفي نفس الوقت تعويض المتضررين لافتا الى وجود عدة اسس لتحقيق المصالحة بالشكل الصحيح والعادل اهمها عدم استثناء احد من الليبيين في عملية المصالحة وكذلك الحذر من ان تكون المصالحة وسيلة لاقصاء قبيلة او عائلة واشار الى اهمية الشفافية في تحقيق العدالة والموازنة بين الاحسان والعدل.
ساحة النقاش