دكتورة/ ليلي عبد الله

دكتوراه الفلسفة في الإدارة العامة والمحلية

في المؤسسات التي تدار بالفكر والثقافة العشوائية أو الفوضوية فإنه لا يمكن أبدًا أن تدعي أنها يمكن أن ترفع من الكفاءة الإنتاجية للموظف وبالتالي للمؤسسة، فمثل هذه المؤسسات تفتقد إلى أبسط أصول الفكر المؤسسي التنظيمي للعمل، وهذا يعني أنها تظل تراوح مكانها، مهما أدعت أنها تتقدم أو تقدم ما ينفع الناس.

أما في المؤسسات التي تتميز بمنظومة إدارية تقوم على منهجية عالية المستوى، والتي تفكر في عديد من زوايا العمل الإداري الممنهج، فإنها -دائمًا- تقيم حساباتها على مبدأ الكفاءة الذاتية للفرد والمؤسسة وكيفية رفع هذه الكفاءة بهدف تحسين الإنتاج وتحسين الخدمات؛ وبالتالي جني عديد من العوائد الربحية سواء أكانت مالية أم معنوية. 
وتشير استطلاعات الرأي العام في القطاع الاقتصادي أن رفع الكفاءة الإنتاجية ذات تأثير على قطاع آخر عادة لا يدخل في حسابات المنشآت الاقتصادية، وهو القطاع القومي أو الوطني، ولكن يلاحظ أن رفع الإنتاجية قد أصبح ذا أهمية في زيادة الرفاهية على المستوى الوطني، وأصبح هذا الأمر أمرًا معترفًا به عالميًا، ولا يوجد نشاط إنساني لا يستفيد من تحسن الإنتاجية، وهذا مهم؛ لأنّ مزيدا من الزيادة في الدخل القومي الإجمالي أو الناتج الوطني الإجمالي تتم من خلال تحسين الإنتاجية.

إن الإنتاجية المتميزة يكون لها نتائج مرغوبة وإيجابية، سواء أكان ذلك على مستوى المنشأة أم على المستوى الوطني، فعلى مستوى المنشأة تعني الإنتاجية المتميزة حسن استخدام الموارد؛ مما يحقق انخفاضًا واضحًا في كلفة إنتاج السلعة أو الخدمة، وهذا يساعد بدوره على تحسين القدرة التنافسية للمنشأة سواء أكان ذلك في الأسواق المحلية أم الأسواق العالمية.
ولذلك فإنّ تحسين الكفاءة الإنتاجية يقود إلى زيادات مباشرة في مستوى المعيشة في ظل توزيع مكاسب الإنتاجية، بحسب مساهمة كل طرف فيها، وفي الوقت الحاضر فإنه ليس من الخطأ القول إن الزيادة في الإنتاجية هي المصدر المهم الوحيد للنمو الاقتصادي الحقيقي وللتقدم الاجتماعي وتحسين مستوى المعيشة.

أما على المستوى الوطني، فيجب الاهتمام بقضية رفع الإنتاجية لما لها من علاقة بكل من معدلات التضخم ومستوى المعيشة والتنمية الاقتصادية والتحسن في ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى مشكلة دعم السلع التي أصبحت أحد السمات الأساسية للمجتمعات النامية.
كما تحدد رفع الكفاءة الإنتاجية إلى أي مدى تتمتع منتجات البلد بالقدرة على المنافسة دوليًا، وإذا انخفضت إنتاجية العمل في بلد ما مقارنة بالإنتاجية في بلدان أخرى تنتج السلع نفسها؛ فإنّ هذه يخلق اختلالاً في ميزان التنافس، وإذا ظلت تكاليف الإنتاج عالية فستفقد صناعات البلد مبيعاتها، حيث يتحول العملاء إلى موردين أقل كلفة.

برامج تحسين الكفاءة الإنتاجية

بدأت عدة مشروعات على مستوى العالم في وضع برامج لتحسين الكفاءة الإنتاجية، حيث أصبح تحسين الإنتاجية هدفًا رئيسيًا لعدد من المشروعات. ولهذه البرامج أبعاد وأحجام وأهداف بل وأسماء عديدة ومختلفة، فبعضها أطلق عليه «التخطيط من أجل أداء أفضل»، أو «تخطيط تحسين الأداء»، والبعض الأخر سمي بــِ«برمجة تحسين الأداء».. الخ.
وتمثل هذه البرامج منهجًا في الاستشارة والتدريب، أو مقاربة نظامية لإحداث التغييرات الإيجابية، وقد عرفت على أنها جهد كلي منظم يشمل الإدارة العليا، هذا إلى جانب أهداف زيادة الفاعلية التنظيمية، والمساعدة في إحراز الأهداف المحددة للمؤسسة بواسطة التدخل المخطط له في عمليات وهيكل المؤسسة باستخدام العلوم السلوكية والإدارة وأي معارف أخرى ذات صلة.

ويمكن أن يلاحظ أن الهدف الأكثر عمومية لبرامج تحسين الكفاءة الإنتاجية هو توفير رابط بين وضع نظام فعال لقياس الإنتاجية والمهمة البشرية المتعلقة بتحسين الأداء التنظيمي بواسطة التغيرات في كل أو الكثير من عناصر المؤسسة، والتي تتمثل في الأفراد والهيكل والثقافة والتكنولوجيا.

ويمكن أن تكون بعض الأهداف الأكثر تحديدًا للبرنامج هي:

1- تحسين المهارات الإدارية والتخطيطية ومهارات حل المشاكل.
2- تحسين العمل الجماعي والعلاقات الإنسانية.
3- وضع نظام معلومات إنتاجية فعال. 
4- السعي لتحقيق اختراق إلى مستوى أعلى من الأداء التنظيمي.
5- المساعدة في تجديد حيوية المؤسسة ومناخها.

أما العناصر الأساسية لبرامج تحسين الإنتاجية، فهي:

1- أن تكون الإدارة العليا ملتزمة تمامًا بالبرنامج.
2- إعداد ترتيبات تنظيمية فعالة بقيادة شخص مسؤول أمام الإدارة العليا عن البرنامج.
3- توافر الإدراك والتفهم الكامل لأهداف البرنامج في جميع المستويات التنظيمية، والعلاقات الجيدة بين العمال والموظفين والإدارة أمر ضروري.
4- أن تكون هناك اتصالات مناسبة بين مختلف عناصر هيكل المؤسسة.
5- الاعتراف بأن الدور الأساسي الذي لعبه العمال والموظفون هو دور حاسم ويجب أن يتجلى هذا في نظام سليم للمشاركة في المكاسب الإنتاجية.
6- يجب ربط البرنامج بعمليات قياس عملية وسهلة الفهم، وأن توضع الأهداف على أساس الجدوى.
7- أن تتناسب تقنيات تحسين الإنتاجية التي اختيرت للبرنامج الوضع والاحتياجات.
8- أن توفر عمليات المراقبة والتقييم والتغذية العكسية المستخدمة لتحديد النتائج والعقبات الأساس لتصميم التحسينات.

ومن الجدير بالذكر أن للإدارة دورا فعالا ومهما، وهي القادرة على تنفيذ برامج زيادة الكفاءة الإنتاجية في المؤسسة التي تديرها، وذلك من خلال:

1- وضع الخطط ورسم السياسات الكفيلة بتحقيق البرامج الإنتاجية بأقصى قدر من الكفاءة والفاعلية.
2- الاهتمام بالعنصر البشري والعمل على تطويره، وإسهامه في القرارات الإدارية.
3- خلق علاقات إنسانية متينة وظروف عمل مريحة.
4- الاستفادة من المنجزات العلمية والتقنيات الحديثة.
5- تحقيق الانسجام التام بينها وبين الموظفين، والعمل على توافق مصلحة الإدارة مع مصلحة العنصر البشري، وعلى أساس توزيع المنافع على الطرفين.
6- اقتناع الموظفين بأن نجاح المؤسسة التي يعملون فيها إنما هو نجاح للاقتصاد القومي ككل، وإنه سيعود بالنفع عليهم وعلى الأجيال القادمة.
دور الدولة في زيادة الإنتاجية
يتمثل دور الحكومة الرئيسي في توفير البنية التحتية الأساسية، مثل توفير شبكة جيدة من الطرق والخدمات العامة كالنقل والمواصلات والاتصالات والكهرباء والماء والصرف الصحي، وكذلك المؤسسات التعليمية والثقافية ومراكز التدريب والتأهيل ومراكز الرعاية الصحية وغيرها؛ مما يسهم إلى حد كبير في زيادة الإنتاج من السلع والخدمات.

وباختصار فإنّ دور الحكومة هو:

1- خلق الجو الملائم للتنمية في البلد من خلال تشريع القوانين والأنظمة والتعليمات والإشراف على تنفيذها.
2- دعم وتشجيع مؤسسات البحث العلمي والتقني.
3- خلق الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتشريعية والتنظيمية التي تساعد على التحسين المستمر في الإنتاجية، من خلال أجهزة الدولة وخططها وسياساتها الإنمائية وتشريعاتها.
4- التركيز على المفهوم الإنساني للعمل، أي بناء الفرد واحترام كيانه في المجتمع.
5- إعداد برامج وأنشطة وطنية شاملة وحملات وحركات وطنية للإنتاجية والتنظيمات المؤسسية اللازمة.
6- إقامة التنظيمات المؤسسية لها وذلك لنشر الوعي والثقافة الإنتاجية والتطبيع على السلوك الإنتاجي الصحيح واستيعاب تقنيات العمل المناسبة لرفع كفاءة الأداء في جميع الأنشطة الاقتصادية.
7- إنشاء الدولة المراكز التدريبية والتعليمية، والقيام بدور فاعل في إعداد البرامج والحملات والحركات الوطنية المساندة للإنتاجية.

ومازلنا نقول إن التنظيم المؤسسي وسيلة مهمة للخروج من العشوائية والفوضوية التي يمكن أن تعشعش في عدد من المؤسسات، ويبقى أن نعرف كيف يمكن قياس الأداء حتى نتمكن من التأكّد أننا فعلاً قمنا بمحاولة الخروج من العشوائية، وهذا حديث آخر.

المصدر: الدكتورة/ ليلى عبدالله عبد المعز - دكتوراه الفلسفة فى الادارة العامة والمحلية.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 280 مشاهدة
Laila2000
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

41,156