سلام الله عليكم ورحمته وبركاته احبتي في الله
شرح الحديث الثامن والعشرين من أحاديث الأربعين النووية بحول الله وقوته
للشيخ محمد صالح العثيمين غفر الله له ولنا وجزاه عنا خير الجزاء
نظرا لطول الحديث سيُجزا ان شاء الله تعالى
ج 1
الحديث...
عَنْ أَبي نَجِيحٍ العِرْباضِ بنِ سَاريةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ:( وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ , فَقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، كَأنَّها مَوْعِظَةُ مُودِّعٍ فَأَوْصِنا.
قالَ: { أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا,
فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , تَمَسَّكُوا بِهَا , وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ،
وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ })
رواهُ أبو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ ، وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
الشرح ....
قوله:"وَعَظَنا" الوعظ:التذكير بما يلين القلب سواء كانت الموعظة ترغيباً أو ترهيباً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة أحياناً.
وقوله: "وَجلَت مِنهَا القُلُوبُ" أي خافت منها القلوب كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )(الأنفال: الآية2) .
" وَذَرَفَت مِنهَا العُيون" أي ذرفت الدموع، وهو كناية عن البكاء.
فَقُلنَا يَا رَسُول الله:كَأنَّها" أي هذه الموعظة "مَوعِظَةَ مُوَدِِّعٍ" وذلك لتأثيرها في إلقائها،وفي موضوعها،وفي هيئة الواعظ لأن كل هذا
مؤثر،
قَالَ أوصيكُم بِتَقوَى الله عزّ وجل" هذه الوصية مأخوذة من قول الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)(النساء: الآية131) فتقوى الله رأس كل شيء.
ومعنى التقوى: طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على علم وبصيرة.
وَالسَّمعُ والطَّاعَة" أي لولاة الأمر بدليل قوله وَإِن تَأمَّر عَليكُم والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم، وأن تطيع إذا أمر،
،لكن انظر أن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر بعد ذكر التقوى مع أن السمع والطاعة من تقوى الله لأهميتها ولعظم التمرد عليها.
" وَإن تَأمَّر عَلَيكُم" أي صار أميراً "عبد" أي مملوكاً.
فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم" أي تطول به الحياة "فَسَيَرى" والسين هنا للتحقيق اختِلاَفاً كَثيراً في العقيدة، وفي العمل ، وفي المنهج، وهذا الذي حصل، فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا طويلاً وجدوا من الاختلاف والفتن والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان.
ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا الاختلاف، فقال: "فَعَلَيكُم بِسَّنتي" أي الزموا سنتي، والمراد بالسنة هنا: الطريقة التي هو عليها ، فلا تبتدعوا في دين الله عزّ وجل ما ليس منه ،ولا تخرجوا عن شريعته.
" وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَاشِدين" الخلفاء الذين يخلفون رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الأول لهذه الأمة، نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته نصاً يقرب من اليقين، وعامله بأمور تشير إلى أنه الخليفة بعده.
مثال ذلك: أتته امرأة في حاجة لها فوعدها وعداً، فقالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: "ائتِي أَبَا بَكر"[192]
وجعله أميراً على الحجيج في السنة التاسعة خلفاً عنه. فهو الخليفة بالنص الذي يقرب من اليقين.
ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه أولى الناس بالخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقوله: "المهديين" صفة مؤكدة لما سبق، لأنه يلزم من كونهم راشدين أن يكونوا مهديين، إذ لا يمكن رشد إلا بهداية،وعليه فالصفة هنا ليست صفة احتراز ولكنها صفة توكيد وبيان علة،يعني أنهم رشدوا لأنهم مهديون.
"عَضُّوا عَلَيهَا" أي على سنتي وسنة الخلفاء "بالنَّوَاجِذِ" وهي أقصى الأضراس ومن المعلوم أن السنة ليست جسماً يؤكل،لكن هذا كناية عن شدة التمسك بها،أي أن الإنسان يتمسك بهذه السنة حتى يعض عليها بأقصى أضراسه.
وَإيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمور" أي اجتنبوها،والمراد بالأمور هنا الشؤون، والمراد بالشؤون شؤون الدين،لا المحدثات في أمور الدنيا،لأن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع فهو خير،ومنها ما هو ضار فهو شر،لكن المحدثات في أمور الدين كلها شر، ولهذا قال: "فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَة" لأنها ابتدعت وأنشئت من جديد.
"كُل بِدعَةٍ ضَلالَة" أي كل بدعة في دين الله عزّ وجل فهي ضلالة .
تتابع غدا بحول الله وقوته باقي الحديث الثامن والعشرين ان شاء الله تعالى
أوصيكم بحفظ بحديث
اللهم أني احتسب عملي هذا لوجهك الكريم فتقبله مني وممن اقدم عليه بإحسان الى يوم الدين
اسأل الله ان يختم بالصالحات اعمالنا وان يتوفنا وهو راض عنا