وأم معبد ـ رضي الله عنها ـ هي عاتكة بنت كعب الخزاعية ،
وهي أخت حبيش بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها .
وقصة وصفها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تناقلها الرواة وأصحاب السِيَّر، وممن روى قصة أم معبد بطولها الإمام الطبراني في معجمه الكبير، وابن هشام في السيرة النبوية، والبيهقي في دلائل النبوة، وقال عنها ابن كثير: " وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا " .
وقد
ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة من جملة صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ قال: " أم معبد الخزاعية التي نزل عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمَّا هاجر، مشهورة بكنيتها، واسمها عاتكة بنت خالد ".
أم معبد تصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
عن حبيش بن خالد - رضي الله عنه - صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر - رضي الله عنه - ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة - رضي الله عنه - ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط ، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية ، وكانت برزة ( كهلة كبيرة السن )، جلدة ( قوية وعاقلة)، تحتبي ( تجلس وتضم يديها إحداهما إلى الأخرى، على ركبتيها، وتلك جلسة الأعراب) بفناء القبة ثم تسقي وتُطعم، فسألوها لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين ( نفذ زادهم )، مسنتين ( في مجاعة وقحط )، فنظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شاة في كسر (جانب) الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟، قالت: خَّلَّفَها الجهد عن الغنم، قال: فهل بها من لبن؟، قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين أن أحلبها؟، قالت: بلى، بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيتَ بها حلباً فاحلبها .
فدعا بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمسح بيده ضرعها، وسمى الله ـ عز وجل ـ، ودعا لها في شاتها، فتفاجت ( فتحت ما بين رجليها للحلب ) واجترت ( أرسلت اللبن )، ودعا بإناء يُرْبِض الرهط ( يرويهم حتى يثقلوا )، فحلب فيها ثجا ( لبنا كثيراً ) حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم أراضوا ( شربوا مرة بعد مرة )، ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها .
فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافاً ( مهزولة )، يتساوكن هُزلا ( يتمايلن من الضعف) ضحى، مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عَجِبَ، وقال: من أين لك هذا اللبن ياأم معبد ، والشاة عازب حيال ( بعيدة المرعى) ولا حلوبة في البيت؟!!، قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد ، قالت:
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ( الجمال والحُسن )، أبلج الوجه ( مشرق الوجه مضيئه )، حسن الخلق، لم تعبه نحلة ( ليس نحيلا )، ولا تزر به صعلة ( صغر الرأس وهي تعني الدقة والنحول في البدن )، وسيم ( مشهور بالحسن )، في عينيه دعج ( شديد سواد العين في شدة بياضها )، وفي أشفاره وطف ( الشعر النابت على الجفن فيه طول )، وفي صوته صهل ( كالبحة وهو ألا يكون حاد الصوت)، وفي عنقه سطع ( طول العنق )، وفي لحيته كثاثة، أزج ( دقيق شعر الحاجبين مع طولهما )، أقرن ( مقرون الحاجبين )، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما ( علا برأسه ) وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا هذر ولا نزر ( الهذر من الكلام ما لا فائدة فيه، والنزر: القليل)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، رَبْع ( ليس بالقصير ولا بالطويل )، لا يأس من طول ( لا يجاوز الناس طولا )، ولا تقتحمه العين من قصر ( لا تزدريه ولا تحتقره )، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود ( مخدوم )، محشود ( يجتمع الناس حواليه )، لا عابس ولا مُفنَّد ( ليس عابس الوجه، وليس منسوباً إلى الجهل وقلة العقل ) ..
قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذُكِرَ بمكة،ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً " ..
هذه بعض الصفات الخَلْقية التي وصفت بها أم معبد ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومعها ـ بل وقبلها ـ الصفات الخُلٌقية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي قال الله ـ عز وجل ـ عنها : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4)، تلكم الصفات التي حببت إليه النفوس، وشوَّقت إليه القلوب، فالقلوب تتعلق بالجمال كأمر فِطري، فكيف بمن جمع الله له الجمال خَلقا وخُلقا ؟! ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..